بنك «بي إن بي باريبا» يتطلع إلى العالمية عبر رياضة التنس

خرج «سالما» من أزمتي الرهون العقارية والائتمان.. ويعتزم توسيع نشاطاته في الخليج

TT

قبل نحو 4 سنوات كان بنك «بي ان بي باريبا» يطغى عليه الطابع الفرنسي حيث كانت معظم إيراداته المالية تأتي من نشاطاته داخل فرنسا ويعمل اغلب موظفيه، الذين وصل عددهم آنذاك الى 90 الف شخص، هناك.

ولعل التمعن في وضعية البنك في عام 2008 تدلنا على أن الصورة تبدو مختلفة تماما، فنشاط التجزئة في فرنسا لا يمثل سوى 19 في المائة من إجمالي إيرادات البنك. كما ان الخدمات المصرفية الاستثمارية أصبحت تولد إيرادات مالية في منطقة آسيا أكثر منها في البلد الأم. صحيح ان فرنسا لا تزال تمثل ثقلا مهما من إجمالي إيرادات البنك (46 في المائة)، إلا ان بلدا مثل ايطاليا بدأ يلعب دورا مهما، حيث يمثل 13 في المائة من الإيرادات، في حين ان أميركا الشمالية تشكل 12 في المائة، وبقية دول العالم 13 في المائة، (منها 3 في المائة من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا).

وعلى المستوى العالمي ضخ البنك استثمارات معتبرة في أوكرانيا وتركيا وليبيا، (كما ان البنك يرى ان دول البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المناطق المهمة لنشاطاته المالية)، فضلا على استثمارات لا بأس بها في البرازيل وروسيا والهند والصين. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فحتى عدد الموظفين صعد بشكل صاروخي منذ عام 2004 حيث ارتفع العدد الى 163 الف شخص، (منهم نحو 127 الف شخص في اوروبا نصفهم تقريبا في فرنسا)، والباقي موزع على بقية دول العالم حوالي 20 الفا منهم في ايطاليا لوحدها. وعلى المستوى العالمي فان «بي ان بي باريبا» يعتبر أكبر شركة فرنسية وخامس أكبر بنك في العالم (حسب تصنيف مجلة «فوربس» لأكبر 2000 في العالم في عام 2008). كما انه يمتلك أكثر من 17 الف زبون ونحو 5600 فرع تجاري في نحو 85 دولة، مقارنة بنحو 11 مليون عميل و3200 فرع في نهاية عام 2004.

ويدير البنك أموالا مذهلة حيث نما حجم أصوله الى نحو 1.7 تريليون دولار في العام الماضي من 906 مليارات دولار في عام 2004، في حين ان أرباحه الصافية نمت بأكثر من الضعف الى 7.822 مليار يورو في عام 2007 من 3.761 مليار يورو في عام 2004. إلا أن المشكلة الكبرى التي تعترض المصرف أنه رغم تحوله للعمل على الساحة العالمية، فإن صورته لم تكتسب بعداً عالمياً بعد. وفي هذا الإطار، أوضح لـ«الشرق الأوسط» مدير العمليات في بنك «بي ان بي باريبا» جورج شودرون دي كورسيل «نحن نستطيع ان نصف أنفسنا بأننا بنك ريادي في اوروبا ولكن بحضور عالمي». ويأمل المصرف الفرنسي في أن تسهم رعايته لرياضة التنس في جهوده لتحقيق طموحاته العالمية. فقد بدأ المصرف أخيرا في بث أول إعلان تلفزيوني له بمختلف أنحاء العالم. ويدور الإعلان، الذي صممته وكالة « بوليسي كونسي»، وهي جزء من وكالة «بوليسيز» الفرنسية العملاقة للدعاية والإعلان، حول مجموعة من المشجعين يقتحمون مباراة محترفين للعبة التنس ويلتقطون المضارب ليبدأوا اللعب بأنفسهم.

والهدف من وراء الإعلان هو توضيح كيف أن الأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية ومستويات الخبرة بمقدورهم التعاون مع المصرف. يذكر أن رعاية المصرف الفرنسي لرياضة التنس يرجع تاريخها إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، ونجح المصرف بالفعل في بناء حضور أقوى له على الساحة العامة من خلال رعايته مسابقات كبرى، مثل بطولة فرنسا المفتوحة و«كأس دايفيز». ومع امتداد نشاطات «بي إن بي باريبا» إلى خارج فرنسا، اتسعت دائرة رعايته للعبة التنس. على سبيل المثال، في أعقاب شرائه مصرف «بانكا نازيونالى ديل لافورو» في روما عام 2006، بدأ «بي إن بي باريبا» في رعاية بطولة روما المفتوحة للتنس.

وحالياً، ينفق المصرف 25 مليون يورو (نحو 38 مليون دولار) سنوياً على الأنشطة الدعائية بمجال التنس. وحقيقة أن لعبة التنس تروق لفريق النخبة من العملاء، وهو أمر مهم في إطار جهود بناء علاقات وطيدة مع الكيانات التجارية، علاوة على خلق رعاية هذه اللعبة لوعي واسع النطاق بالمصرف وأنشطته بين عملاء التجزئة، بالنظر إلى أن لعبة التنس تجري ممارستها بمختلف أنحاء العالم. من جانبهم، أوضح مسؤولو «بي إن بي باريبا» أن لعبة التنس تمثل قيم اللعب النظيف والدقة الفنية التي يرغب المصرف في تسليط الضوء عليها. ونظراً لأن مباريات التنس تزدحم بكم هائل من الإعلانات من قبل كيانات تجارية أخرى، مثلما الحال مع سباق «فورميولا وان»، فإنها تقدم للمصرف «قيمة جيدة مقارنة بالمال الذي يدفعه». وبالتأكيد ان الرعاية الإعلانية تساعد في استقطاب الزبائن في العديد من الأحيان، إلا ان المفارقة ان البنك عزز من نفوذه أيضا نتيجة أخطاء الآخرين، أو كما يقول المثل العربي «مصائب قوم عند قوم فوائد».

وهنا عاد كورسيل للقول ان البنك كسب عملاء في مجال الشركات والخدمات المصرفية الاستثمارية (سي بي اي) من البنوك المنافسة التي ترزح تحت وطأة ألازمة المالية العالمية، مؤكدا ان البنك يتطلع الى فرص جديدة إذا سنحت الظروف. وفي مقابلة مع بعض ممثلي وسائل الإعلام العربية ومن بينها «الشرق الأوسط» في المقر الرئيسي للبنك في العاصمة الفرنسية باريس، قال كورسيل ان تدفق الأعمال الجديدة لا يقتصر على المنافسين الرئيسيين في فرنسا وإنما أيضا في البلدان الأوروبية وأماكن أخرى، مؤكدا ان تصنيف البنك (AA+) حسب «ستاندرد اند بورز» يساعد في هذا المجال. كما قال انه في حين الحصول على عملاء جدد يعزز النمو العضوي وهي « أفضل طريقة للاستفادة من الفرصة السانحة التي توجد حاليا من اجل تعزيز الخدمات المصرفية الاستثمارية، إنها ليست بالضرورة السبيل الوحيد». وتابع كورسيل بالقول: «عام 2007 كان عاما قياسا بأتم معنى الكلمة، ورغم الظروف المالية العالمية كانت نتائج الربع الأول من العام الحالي ليست سيئة، فنحن لم ندخل سوق الرهون العقارية في أميركا وحتى بريطانيا لذلك لم نتأثر كثير». وكان البنك قد أعلن أخيرا ان أرباحه عن عام 2007 بلغت 7.8 مليار يورو أهلته ليصبح سابع بنك في العالم من ناحية الدخل الصافي. ورغم انه قد أعلن في الربع الأول من العام الحالي ان أرباحه قد تراجعت 21 في المائة، إلا ان تلك النتائج جاءت أفضل بكثير من توقعات معظم المحللين. فقد بلغ صافي ارباح البنك حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي 1.98 مليار يورو (او ما يعادل أكثر من 3 مليارات دولار). وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول نوايا البنك تجاه «بنك سوسيتيه جنرال» الفرنسي سعى كورسيل إلى صب ماء بارد على نيّات تقديم عرض لشراء منافسه سوسيتيه جنرال. ورغم ان كورسيل حاول عدم الانجرار إلى هذا الموضوع، من خلال التأكيد على البيان الذي أصدره البنك في شهر مارس الماضي، إلا انه قال إن أوضاع بنك سوسيتيه جنرال معقدة للغاية، وإن من الصعب جداً تحليل الوضع، خصوصاً في ظل الأجواء السائدة في أسواق الائتمان. وكان بي.ان.بي باريبا قد قال في بيان في مارس الماضي انه «في ضوء الشائعات المستمرة يوضح بي.ان.بي باريبا أنه توقف عن التفكير في شراكة محتملة مع سوسيتيه جنرال». وبالنسبة لبنك بي إن بي باريبا، فإنه كان يتطلع بالطبع إلى بنك سوسيتيه جنرال. وسبق له أن حاول، وفشل في شراء منافسه عام 1999. وكان بنك سوسيتيه جنرال قد أعلن في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي أنه كشف تعاملات غير مصرح بها أبرمها أحد المتعاملين كبدت البنك الذي تأسس قبل 144 عاما خسائر حجمها 4.9 مليار يورو (7.22 مليار دولار).

وسعى كورسيل بطريقة تسعى إلى طمأنة مستثمريه بالادعاء بأن بنكه الذي استطاع حتى الآن تجاوز نتائج أزمة الرهن العقاري الأميركية بطريقة أفضل من غيره، سيبقي على انضباطه المتشدد إزاء عمليات الاستحواذ. ويقول «بي إن بي باريبا» إن خططه العاجلة تقتضي دعم حضوره في الأسواق الناشئة، مثل الصين، والهند، والبرازيل والشرق الأوسط. وفي هذا السياق أوضح كورسيل «نحن نرغب للتوسع بقوة في منطقة الخليج ولكن ننتظر موافقة السلطات المعنية، وفي كل مكان تسنح لنا الفرصة لن نتردد في الاستثمار». ويعمل «بي ان بي باريبا» في منطقة الخليج منذ أكثر من 35 سنة ويدير حتى الان أصولا مالية تتراوح بين 60 و65 مليار دولار. كما ان البنك الفرنسي يملك حاليا 7 فروع تجارية في دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء عمان) وينتظر في الوقت الراهن موافقة السلطات السعودية على افتتاح فرع جديد في مدينة جدة.

وشدد كورسيل على مكانة «بي أن بي باريبا» في منطقة الخليج، مؤكدا ان سوق مجلس التعاون الخليجي يعتبر احد أكثر الأسواق جاذبية ومثيرة للاهتمام في العالم. بالإضافة إلى نمو سوق المديونية في المنطقة مما يدعم مركز البنك ويؤكد على أهمية وجوده في الخليج ومدى التزامه بتطوير خدماته باستمرار في تلك المنطقة.

وكان مصرف البحرين المركزي قد منح مجموعة «بي ان بي باريبا» المصرفية، ترخيصاً لتأسيس شركة إدارة الصناديق الاستثمارية في مملكة البحرين. وستقوم « بي ان بي باريبا» بتأسيس وإدارة عدد من الصناديق من البحرين موجهة للاستثمار في المنطقة.

كما دخل بنك «بي ان بي باريبا» في مشروع إدارة أصول مشترك مع البنك السعودي للاستثمار (ساب) مما يسمح بالوصول إلى المستثمرين المحليين عن طريق شبكات توزيع البنك السعودي للاستثمار.

وفي يتعلق بالمستقبل قال كورسيل: «على الصعيد العالمي لا يوجد تغيير دراماتيكي في استراتيجيتنا فنحن ننمو بشكل عضوي ولا نحتاج الى زيادة رأس المال عبر بيع أسهم مقارنة بمنافسينا الذين يعانون». لكن كورسيل أقر ان الأوضاع العالمية غير مواتية مثلما هو الحال في السابق، مبينا انه على الصعيد العالمي من الصعب العودة الى المرحلة الطبيعية في أسواق المال قبل نهاية العام الحالي، والتضخم يعتبر من المخاوف الأساسية حيث انه يعقد مهمة البنوك المركزية من خلال الصعوبة في موازنة مخاوف التضخم مع النمو الاقتصادي.

إلا ان كورسيل عاد ليؤكد بـ« نبرة» التفاؤل الفرنسية المعهودة عن ثقته في المصرف «سيكون في وضع جيد نسبيا وفي موقع تنافسي يتفوق على اللاعبين الآخرين».