كارلوس غصن: خطأ المديرين الأكبر هو اعتقادهم أن الإدارة أمر سهل

في ندوة تلفزيونية عن الإدارة سجلت في معهد «لندن بزنس سكول»

كارلوس غصن خلال الندوة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

استقبل طلاب معهد «لندن بزنس سكول» LBS للإدارة والمال في العاصمة البريطانية لندن ضيفهم المحاضر لتلك الليلة بمزيج من الحفاوة والإعجاب والفضول، فربما لا شيء أفضل بالنسبة لمن يدرسون إدارة الأعمال من «الأمثلة الحية»... وعندما تكون التجربة عميقة ومتنوعة كتجربة كارلوس غصن، رئيس شركتي «رينو» و«نيسان» العملاقتين للسيارات، لا يستغرب المرء عندها هذا الكم من الاهتمام والحضور. غصن، ذو الجذور العربية اللبنانية، هو بلا شك نموذج ناجح لافت، ورغم أن قصة نشأته ووصوله إلى المكان الذي وصل إليه اليوم رويت مرارا، فإن شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية لم تجد مشكلة في روايتها مجددا، فرتبت هذه الندوة ضمن سلسلة برنامج «ذا بوردروم ماستر كلاس» The Boardroom Master Class التي تعدها كل فترة، لتعطي طلاب «لندن بزنس سكول» ومشاهديها حول العالم فرصة الحصول على نصائح وجزء من خبرة كارلوس غصن الذي كان ضيف هذه الحلقة، وهي من تقديم الإعلامي تود بنجامين سجلت الإثنين الماضي وتبث يوم السبت المقبل الواقع في 14 يونيو (حزيران) الحالي. الندوة قسمت إلى 3 أجزاء، أولها كان عن تحديات الإدارة العابرة للثقافات، وثانيها كان عن قصة إنقاذ غصن شركة «نيسان»، وثالثها عن قطاع السيارات بشكل عام. في ما يخص أسلوب الإدارة، بدا واضحا مدى اهتمام غصن بالتواصل، إذ كرر مرارا أنه لا يمكن أن يكون المدير ناجحا إذا كان عاجزا عن التواصل. لكن إدارة الشركات المتعددة الثقافات والجنسيات بطبيعة الحال تمثل تحديا في ما يخص القدرة على التواصل، كيف لا وأقل ما في الامر أنك في تحالف مثل «نيسان» (اليابانية) و«رينو» (الفرنسية) تدير مئات الآلاف من الموظفين بثقافات ولغات مختلفة، وتحدث غصن عن مدى الإنزعاج الذي كان يشعر به بعد ما أوفدته شركة «رينو» لإدارة «نيسان» في اليابان عندما كان يضطر لاستخدام مترجم للتواصل مع الموظفين.

وهي مسألة حسمها غصن بسرعة تعلمه لليابانية... الأمر الذي ساعد بشكل كبير في نيله لاحترام هائل من اليابانيين، الذين كانوا ينظرون اليه بتشكيك في بادئ الأمر وذلك باعتراف غصن نفسه. غصن لا يجد غضاضة في أن يقول انه ربما لم يكن أفضل شخص لآداء الوظيفة، ويستطرد «ربما شخص ياباني ذو ثقافة دولية كان ليؤدي العمل بشكل افضل»، وذلك لكون غصن مؤمنا بشدة بأهمية فهم الثقافة التي تتعامل معها. مع هذا يعتبر رئيس نيسان/رينو أن ما يميزه في هذا السياق هو قصة حياته التي نقلته من مكان لآخر، فهو ولد في البرازيل لأبوين لبنانيين، ودرس في لبنان ثم تخرج من جامعات فرنسا، قبل أن يسافر ليعمل مع شركة «ميشلين» في أميركا الجنوبية والولايات المتحدة، ليعود بعد ذلك إلى فرنسا مع شركة «رينو»، ومن ثم يترقى ليرأس «نيسان» بعد تحالف الشركتين ليترقى مجددا مرة أخرى ويرأس عملاقي السيارات بعد ذلك. يقول غصن أن كثرة السفر والاحتكاك بالآخرين تنزع عن الشخص خوفه من الآخر، لأن الإنسان يخشى ما يجهله. ويضيف إنك بعد ذلك تصبح فضوليا وراغبا في التعلم عن ثقافات الآخرين، موضحا أنه صقل شخصيته بمزايا اكتسبها من كل شعب وكل ثقافة احتك بها... لكنه في الوقت نفسه يعود ليقول «رغم ذلك أقول إن هذا ليس النموذج الوحيد للمدير الناجح، فالجميل في عالم الأعمال هو انه لا يوجد احتكار على مجال النماذج الناجحة». وحول الإدارة كذلك، يقول غصن إن أكبر خطأ يرتكبه المديرون التنفيذيون هو أنهم يعتقدون أن الإدارة أمر سهل، ويضيف أنه لا يمكنك أن تقود فريقا بدون أن تبقيهم على دراية بتوجهاتك وما تريد تنفيذه وإقناعهم بذلك. أما بخصوص إنقاذه شركة «نيسان» في نهاية التسعينات من الديون وتحويلها إلى شركة رابحة فيقول غصن انه اضطر لإتخاذ قرارات صعبة في ذلك الوقت، مثل تسريح 20 ألف موظف، وانه عانى من تشكيك الكثيرين بقدراته، لكنه يضيف انه في نهاية الأمر كانت هناك خطة واضحة وجاءت النتائج الايجابية نتيجة للالتزام بها. وقال غصن ردا على سؤال لـ«الشرق الاوسط» على هامش الندوة حول سمعة كونه رجل «خفض النفقات وحسب» التي أطلقت عليه في الإعلام لفترة، فقال: «عليك أن تكون واقعيا، وذلك يأتي عن طريق ادائك... فالمطلوب ليس أن تكون «خافضا للنفقات وحسب»، وانما رجل يقوم بعملية تحويل، بأن تأتي بنتائج وتقنيات جديدة وتبث الثقة في قلوب من تعمل معهم». وتوقف غصن عند نقطة علاقته «المتقلبة» بالإعلام خلال الندوة، حيث مر بموجات نقد ومدح عدة، وفي هذا السياق يقول عن الانتقادات بخصوص خسائر الشركة حاليا بأن ذلك يعود لمشاكل القطاع عالميا بشكل عام، لكنه في الوقت نفسه ينصح بأن لا يكون الهدف ارضاء الآراء، وأن تكون لدى المرء قناعة راسخة بما يفعله، معطيا أمثلة أضحكت الجمهور حول كيف كان الإعلام يبحث عن أي نقطة لانتقاده وحسب، وذكر مطبوعة اقتصادية اميركية قال له احد صحافييها مرة أن محرره منزعج منه لكونه نشر قصتين ايجابيتين عن غصن، ويختصر كارلوس الأمر بالقول ان النتائج هي التي تتحدث عن ذاتها... لا أكثر ولا أقل. أما عن قطاع السيارات، فقال غصن انه لا شك بأنه يعاني من تراجع بشكل عام، وطرحت عليه أسئلة عدة من قبل الجمهور متعلقة بالتأثير على البيئة والحلول المتعلقة بمسألة ارتفاع اسعار النفط والمصادر البديلة للوقود. وأوضح غصن أنه ربما يعد الوقود الحيوي فكرة جيدة في بلد مثل البرازيل حيث لا يؤثر على البلد غذائيا، فإن ذلك قد لا يكون فكرة صائبة في بلدان أخرى مواردها الغذائية أقل، لذلك فهو يرى أن الوقود الحيوي يجب ان يبقى خيارا جانبيا. وتحدث غصن عن أهمية تطوير السيارات «النظيفة» والتي تعمل بالبطاريات، ومساعي شركتي نيسان ورينو في هذا السياق.