خطورة غياب ميثاق للحاسبات الآلية!

سعود الأحمد

TT

لو كان الأمر مألوفاً، لكتبت على عنوان هذا المقال «هام جدا»، لما أعلمه يقيناً بفائق أهميته... يحكي لي أحد الفنيين المتخصصين في صيانة الحاسب الآلي، يقول إنه من خلال عمله في إحدى ورش صيانة أجهزة الحاسب الآلي، بأنه (أثناء عمله اليومي) يطلع على معلومات غاية في السرية والأهمية والخصوصية للعديد من الشخصيات المهمة... أحياناً بتساهل من العميل وأحياناًً رغماً عنه. فعندما يتعطل الحاسب الآلي للشخص؛ لا بد له من إحضاره لورشة الصيانة لإصلاحه.

وكل الذي يحصل... أن صاحب الجهاز، عندما يُحضر الجهاز المتعطل، ينبه بنفسه على المسؤول الفني بأن الجهاز يحتوي على معلومات هامة وسرية جداًً بالنسبة له.

يقول «ومن خبرتنا» هناك أجهزة تتعطل ومخزن في ذاكرتها نسخ مستندات حسابات بنكية وبها أرقام الحسابات البنكية وكل المعلومات المتعلقة بهذه الحسابات (وأحياناً نجد بملفات أخرى أرقامها السرية). وهناك من يفتح بريد إلكتروني سري ويضع بالجهاز رقمه السري. وأحياناً يصور البعض بالماسح الضوئي بعض المستندات الهامة مثل صور صكوك ملكيات في داخل البلاد وخارجها وصور عقود واتفاقيات ويخزنها بجهاز الحاسب!. والبعض لديه نتاج فكري كمهندسي التصميمات والكتاب والمؤلفين وأصحاب المكاتب الاستشارية الذين يخزنون نتاجهم الفكري وأسرار عملهم في الحاسوب... وهناك من يجمع مذكراته الخاصة بالحاسب... والبعض يخزن بالجهاز صوراً شخصية له ولعائلته في مناسبات أفراحهم ورحلاتهم في الخارج، والبعض يدون في ملفات ذكرياته الخاصة في السفر ومراسلاته الشخصية... إلى غير ذلك كثير. يقول: من السهل على الفني أن يحصل على نسخ مما يشاء مما هو مخزن بجهاز الحاسب!. بل ويطلع عليها في الوقت الذي يريحه. وأكثر من ذلك أنه يستطيع أن يركب الصور بطرق فنية مع صور أخرى في أوضاع مختلفة (كيف يشاء)!. هذا بخلاف برامج فك الملفات المغلقة بأرقام سرية، فكل طريقة إقفال لها برامج تفتحها، وحتى الملفات الملغاة التي يعتقد صاحب الجهاز أنه ألغاها (ويعتقد أنه محاها من جهازه!!). فإن الذي يخفى على البعض، أن الذي يحصل (فنياً) ليس إلغاء فعلي، بل تصغير لحجم الملفات، ومن السهل على الفني المتخصص (بحركة فنية) أن يُعيد تكبيرها كما كانت!!.

وخطورة هذا الأمر أن بعض هذه المعلومات لها قيمة مالية كبيرة، وتعني لأصحابها الكثير. ومجرد الإفشاء ببعضها قد يتسبب بخسائر كبيرة أو بإفلاس أصحابها. ناهيك أنه وبالنظر إلى الحقيقة التي لا مفر منها أن معظم شرائح المجتمع اليوم يستخدمون الحاسب الآلي. وأن معظم جيل رجال الأعمال والمسؤولين التنفيذيين بالشركات والقطاع العام (بحكم أعمارهم)، قد تعلموا استخدامات الحاسب الآلي ذاتياً (وعلى كبر). ولذلك فإن معاناتهم مع صيانة أجهزة الحاسوب مستمرة، ومن الطبيعي أن تكون معلوماتهم الشخصية متاحة وبين أيدي الفنيين في ورش الصيانة. وبهذا الصدد... فقد نبهت لهذا الأمر منذ فترة ليست بالقصيرة في أكثر من مناسبة. وكانت لي ترجمة نُشرت بجريدة «الرياض» بالعدد رقم (10785) بتاريخ 3 يناير 1998. وهي عبارة عن ترجمة لميثاق الحاسبات الآلية بعنوان «القواعد المهنية الصادرة عن جمعية الحاسب الآلي في الولايات المتحدة الأميركية ACM. فهذا الميثاق يستحق أن يتبنى، فهو يتحدث عن نظام السلوك المهني الصادر عن هذه الجمعية من الناحية المهنية والأخلاقية. وفيه تأطير لأعراف مهنة الحاسب الآلي وقواعد تهذيب وآداب وأخلاقيات العاملين فيها... وماذا يجب أن تكون عليه أمانتهم ومثالياتهم. واعترافاً بمكانة هذه الفئة ومجهوداتهم ومهاراتهم وأهمية وخطورة الدور الذي يقومون به. وفي الختام... لعلي من هذا المنبر أذكر بأهمية تبني هذا الميثاق، من قبل المهتمين والمعنيين في البنوك والشركات والدوائر الحكومية، وأعود لأؤكد على أهميته من منطلق الحاجة له اليوم وما ينتظر لها من تعاظم في المستقبل. بالنظر إلى أن معظم فئات المجتمع يستخدمون الحاسب الآلي. إما بشكل محترف وشبه دائم أو بالقدر الذي تتطلبه حاجة العمل اليومي لمعظم شرائح مجتمع المال والأعمال السعودي والخليجي ومختلف أنحاء العالم.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]