نظام كثافة الأرز هل هو نظرية ناجحة أم وهم؟

النظام الجديد زاد الإنتاج في مالي 34% وضاعفه في لاوس

نظام كثافة الأرز يرفع إنتاجيته
TT

يحلم أستاذ الجامعة نورمان أبهوف، الذي يعمل في ركن في حرم جامعة كورنيل، بثورة، ولكنها ثورة غير ملحوظة تركز على حل أزمة الغذاء. والسر ـ كما يقول ـ هو طريقة جديدة لزراعة الأرز.

يؤيد أبهوف، 67 عاما، وهو أستاذ فخري في نظم الحكم والزراعة الدولية، ثورة تنبذ كلا من التقاليد القديمة والاعتماد على الهندسة الوراثية.

ويقول إن المحاصيل تتضاعف على نحو نموذجي، إذا ما بدأ المزارعون الزراعة مبكرا، ومنحوا فرصة أكبر للنبتات الصغيرة لكي تنمو، وتوقفوا عن إغمار الحقول بالماء. فهذا يوفر نفقات المياه والبذور، ويساعد على نمو الجذور والأوراق. وتؤكد الطريقة، التي تسمى بنظام كثافة الأرز أو (S.R.I)، على جودة النبات على حساب الكمية. وهي تطبق نظرية «الكثرة في القلة» على زراعة الأرز. وفي عشر سنوات تحول الأمر من نظرية مبهمة إلى اتجاه عالمي يواجه مقاومة شرسة من علماء الأرز. ولكن أبهوف يوضح إن مليون مزارع تبنوا هذا النظام. ويتوقع أن يرتفع عدد المزارعين الى 10 ملايين مزارع في الأعوام القليلة المقبلة، ما يزيد من محاصيل الأرز ويقضي على الجوع وينقذ حياة ما لا يحصى من البشر.

«يواجه العالم الكثير والكثير من المشاكل» هذا ما قاله الدكتور أبهوف أخيرا في حديث له عن كثافة زراعة الأرز، وعمله لمدة 38 عاما في كورنيل. «ولكن إذا كنا لا نستطيع حل مشاكل حاجة البشر إلى الغذاء، فلن نتمكن من فعل أي شيء. فهذا على الأقل في متناول أيدينا».

قد يبدو هذا جريئا بالنظر إلى عمق أزمة الغذاء والمصاعب التي تواجه الأرز. ويتناول حوالي نصف سكان العالم الأرز كغذاء أساسي، حتى بعد أن ركدت المحاصيل وارتفعت الأسعار إلى ثلاثة أضعاف تقريبا في العام الماضي. وقد أثارت أزمة ارتفاع الأسعار أحداث شغب ومحاولات تخزين محمومة، ومظاهرات عنيفة في الدول الفقيرة.

ولكن أبهوف لديه سجل كبير من الانجازات، وقدرة على الثبات على مواقفه. فقد انتشرت طريقته على الرغم من تشكيك أقرانه في كورنيل ومؤسسات الأرز العالمية ـ وبخاصة معهد أبحاث الأرز العالمي، الذي ساعد الثورة الخضراء على زيادة إنتاج الحبوب، وهو متخصص في تحسين المكونات الوراثية للأرز.

يرن هاتف الأستاذ الجامعي.. إنه اتصال من معهد البنك الدولي، وهو فرع التعليم والتدريب في بنك التنمية. فالمعهد يعد قرصا مدمجا لنشر البرنامج.

ويزور أبهوف مزرعة لمنتجات الألبان، ومليارديرا محبا لأفعال الخير، وأدغال مدغشقر، وكاهنا يسوعيا، والكثير من المتطوعين المتحمسين، والعالم النامي. وقد ذكر أن أكبر مستخدمين لنظام S.R.I هم الهند والصين وإندونيسيا وكمبوديا وفيتنام من بين 28 دولة في ثلاث قارات.

ففي ولاية تاميل نادو، في جنوبي الهند، رحب فيراباندي أروموغام، وزير الزراعة، بالبرنامج ووصفه بأنه «ثورة» في زراعة الأرز. وأخبر شان سارون، وزير الزراعة الكمبودي، المئات من المزارعين في معرض زراعي أقيم في إبريل (نيسان) أن سرعة النمو في هذا النظام تعد بمحصول من «الذهب الأبيض».

وفي حرم جامعة كورنيل، يوجد مكتب أبهوف الممتلئ بتذكارات السفريات. فمن سري لانكا جاءت سيقان الأرز المنسوجة لتزين الحائط. وتتصل أجهزة كومبيوتر أبهوف بشبكة عالمية من نشطاء ومؤيدي نظام S.R.I.، مثل جمعية «أوكسفام» البريطانية الخيرية. فأبهوف مؤيد عالمي لنظام S.R.I.، ويعرض موقعه الإليكتروني (ciifad.cornell.edu/sri) مبادئ ونجاحات هذا النظام. ويقول: «لم يكن ذلك ممكنا بدون الإنترنت»، إلا ان الخبراء يرفضون نظام الـS.R.I قائلين إنه وهم. فيقول أشيم دوبرمان، مدير الأبحاث في معهد الأرز العالمي، في الفلبين: «إن هذه الإدعاءات فيها مبالغات» وأضاف أن أعداد المزارعين الذين يطبقون هذا النظام أقل من المعلن عنها، لأن الوسائل القديمة تعتبر أحيانا جزءا من النظام الحديث، وأحيانا تقل قوة الطريقة نفسها. ويضيف «ليس لدينا شك في أنه من الممكن جني محاصيل جيدة» ولكنه يصف الطريقة بأنها شاقة جدا في الواقع.

وعلى النقيض، يرى أحد المشككين السابقين قوة كبيرة في هذا النظام. فكان فيرنون روتان، وهو عالم الاقتصاد الزراعي في جامعة مينيسوتا وعضو قديم في الأكاديمية القومية للعلوم، قد عمل في معهد الأرز وشكك في إمكانية نجاح النظام. ويصف روتان نفسه الآن بالمشجع المتحمس للنظام، قائلا إن هذه الطريقة تعيد تشكيل عالم زراعة الأرز بالفعل. ويضيف: «أشك في أنها ستكون في حجم الثورة الخضراء، ولكن ظهر لها أثر حقيقي في بعض المناطق».

وقد نشأ أبهوف في مزرعة في ويسكونسن يحلب الأبقار ويقوم بأعمال روتينية في المزرعة. وفي عام 1966، تخرج في جامعة برنستون بدرجة الماجستير في الشؤون العامة. وفي عام 1970 تخرج في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي، بدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية. وفي كورنيل تخصص في التنمية الريفية، وإدارة الري، وبرامج الائتمان لصغار المزارعين في العالم النامي.

وفي عام 1990، قدم رجل محب لأعمال الخير مجهول الهوية (ظهر أخيرا أنه تشارلز فيني، خريج جامعة كورنيل جمع المليارات من محلات السوق الحرة) 15 مليون دولارا للجامعة للبدء في برنامج لمكافحة الجوع العالمي. وكان أبهوف هو مدير المعهد لمدة 15 عاما. وقد ذهب أواخر عام 1993 إلى مدغشقر. وكان قطع أشجار الغابات وحرقها من أجل زراعة الأرز يدمر الغابات المطيرة، لذلك فكر أبهوف في بدائل.

فسمع أن هناك كاهنا يسوعيا فرنسيا، هو الأب هنري دي لولاني، توصل إلى طريقة لزراعة الأرز تعطي إنتاجية عالية في مدغشقر، تسمى بنظام كثافة الأرز.

وكان أبهوف متشككا. وكان مزارعو الأرز يحصدون طنين لكل هكتار (حوالي 2.47 فدان). وادعت المجموعة أنها تحصد من 5 إلى 15 طنا. ويذكر أبهوف أنه فكر وقتها: «هل يظنون أنه يمكنهم خداعي؟» وقال: «لا تقولوا 10 أو 15 طنا. فلن يصدق أحد في كورنيل هذا».

وأشرف أبهوف على تجارب ميدانية لمدة ثلاثة أعوام، وحصد المزارعون 8 أطنان لكل هكتار في المتوسط. وأعجب أبهوف بالمشروع، فأظهره على غلاف التقارير السنوية لمعهده عامي 1996 و1997.

إحدى المميزات الواضحة للنظام هي قوة الجذور. فأثناء فترة من الجفاف، لاحظ الكاهن أن نبات الأرز وخاصة جذوره بدت أكثر قوة. وأدى هذا إلى الحفاظ على الحقول رطبة بدون غمرها بالماء، مما يحسن من تهوية التربة ونمو الجذور. علاوة على ذلك، تسمح الفراغات الواسعة بتسرب ضوء الشمس إلى النبات ويسمح بنمو الكثير من الغصينات الجانبية. فقد ينمو 100 غصين في النبات، يحمل كل غصين من 200 إلى 500 حبة، بدلا من 100. ولكن يعني هذا الحاجة إلى عمالة أكثر، على الأقل في البداية. ولكن بينما يكتسب المزارعون مهارة، وتزداد المحاصيل، يصبح النظام الإجمالي موفرا للعمالة مقارنة بالطرق التقليدية. وفهم أبهوف أن الطريقة غير المكلفة تتعارض مع ثقافة التجارة الزراعية الحديثة، ولكنه قرر أن الأمر يستحق الاهتمام. وفي عام 1998، بدأ في نشر الأمر خارج مدغشقر، وهو يجول حول العالم معرضا نفسه للخطر، على حد قوله. وانتشرت الطريقة ببطء، ولكن ظهورها أثار النقاد. فقد رفضوا الادعاءات المبنية على التفكير الطموح ونقص التسجيلات، التي أظهرت تجاربها الميدانية نتائج مماثلة للطرق التقليدية. في عام 2006، كتب ثلاثة من علماء كورنيل تحليلا قاسيا معتمدا على بيانات عالمية فذكروا «لم نجد دليلا على أن S.R.I. يحدث تغييرا أساسيا في القدرة الإنتاجية للأرز». ووصف دوبرمان من معهد أبحاث الأرز، في أسلوب أقل انتقادا، هذه الطريقة بخطوة عكسية اجتماعيا، بسبب زيادة العمل الشاق في زراعة الأرز، وبخاصة للنساء الفقيرات.

وفي مكتبه في كورنيل، صرح أبهوف أن منتقديه منحازون، ويعرفون القليل عن أعمال نظام S.R.I.. فهذه الطريقة توفر عمالة لمعظم المزارعين، ومن بينهم النساء. ويقول أبهوف، فيما يتعلق بالتجارب الميدانية التي قام بها المشككون، إنها تشوبها مشاكل مثل استخدام تربة ميتة بسبب استخدام الكيماويات فيها لعدة عقود، وزراعة المحصول الواحد التي تتم على نفس الأرض كل عام. وتنهد أبهوف قائلا: «يحاول النقاد أن يقولوا إن الأمر كله عبارة عن حماسة واعتقاد ديني» ويستطرد: «ولكنه علم. وأجد نفسي أعتمد على التجارب أكثر وأحكم على الأشياء من نتائجها».

ويبدو أن جهاز الكومبيوتر لديه يحمل الدليل. فجاء في تقرير أخير من إقليم تمبوكتو في مالي، على حافة الصحراء الكبرى، أن المزارعين رفعوا نسبة إنتاجية الأرز بـ 34 في المائة، على الرغم من مشاكل أولية في تطبيق إرشادات نظام S.R.I.. وفي لاوس، صرح مسؤول زراعي أن نظام S.R.I. ضاعف من حجم محاصيل الأرز في ثلاثة أقاليم، وقد ينتشر إلى جميع أنحاء البلاد، لأنه قدم إنتاجية عالية بأقل الموارد. ويقول أبهوف: «بمجرد التغلب على العوائق الفكرية، سينتشر الأمر بسرعة كبيرة، لأنه لا يوجد شيء لشرائه». وأضاف أن المعارضين وافقوا على إجراء تجربة ميدانية لإنهاء الخلاف. ويتضمن المشاركون معهد الأرز وجامعه كورنيل وجامعة فاغنينغين، وهي مؤسسة ألمانية ذات شهرة كبيرة في مجال الزراعة. وربما تبدأ الاختبارات الميدانية عام 2009 وتستمر خلال 2011، ويقول أبهوف: «سوف تجيب هذه على أي سؤال علمي» ويضيف: «ولكني أشعر أن S.R.I ينتشر جيدا وبسرعة لدرجة أن هذا لن يكون مهما». ويكمل أنه من المقدر لهذه الطريقة أن تنتشر: «فإنها تزيد إنتاجية الأرض، والعمالة، والماء، ورأس المال».

* خدمة «نيويورك تايمز»