مايكروسوفت تبحث عن اتجاهات جديدة

بعد تقاعد بيل غيتس عن العمل اليومي

بيل غيس تقاعد عن العمل اليومي لمايكروسوفت (رويترز)
TT

تقاعد بيل غيتس، بشكل أو بآخر والرجل مازال في الثانية والخمسين من عمره. صحيح أنه يخطط لقضاء المزيد من الوقت في أنشطة المؤسسة الخيرية الأكثر ثراء في العالم «مؤسسة بيل آند مليندا غيتس»، ولكنه سيظل في منصبه كرئيس لشركة مايكروسوفت وأكبر مساهم فيها. وكان يوم الجمعة آخر يوم له كموظف يعمل طوال الوقت في شركة مايكروسوفت. وغيتس عنصر نشط ساهم في الثورة التي شهدتها أجهزة الكومبيوتر الشخصية، ساعد في بناء صناعة ضخمة عالمية وأنتج العديد من الأشياء مثل برنامج التشغيل «ويندوز» و«أوفيس»، اللذان يستخدمان في الوقت الحالي على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم.

ظل غيتس أغنى رجل في العالم على مدى عدة أعوام، حيث بلغت ثروته ما يقدر بـ100 مليار دولار عام 1999، رغم أن ثروته في الوقت الحالي قد وصلت للنصف بسبب تراجع أسهم مايكروسوفت وتبرعاته للمؤسسة الخيرية التي تركز على الصحة العالمية والتعليم. وعلى الرغم من نجاحه الكبير في الشركة التي أسسها عام 1975، فقد تحولت الشركة من مجال أجهزة الكومبيوتر الشخصية إلى مجال الإنترنت، لتغير القواعد القواعد القديمة للمنافسة التي جنت منها مايكروسوفت الكثير من الأموال. فبالنسبة للملايين من الأشخاص، أصحبت بعض الأجهزة الجوالة مثل أجهزة الجوال تقارب أجهزة الكومبيوتر الشخصية كوسيلة للقيام بالكثير من الأعمال الكومبيوترية. وقد تمكنت شركة «غوغل»، من تبوؤ مكان مايكروسوفت في قيادة التكنولوجيا المتقدمة. وعلى الرغم من أن غيتس سوف يقضي يوما واحدا كل أسبوع في الشركة، فستكون «مايكروسوفت» في عهدة خلفاء يتقدمهم ستيفن بالمر، المدير التنفيذي، لمواجهة تحديات الإنترنت أو مشاهدة ثروات الشركة وهيبتها وهي تضيع في السوق. يقول ديفيد يوفي، وهو أستاذ جامعي في كلية التجارة بهارفارد: «تضم تركة بيل غيتس برنامج التشغيل «ويندوز» و«أوفيس» وسيكونان شيئا ثريا على مدى عدة أعوام قادمة، ولكن ليس المستقبل فيها».

ومع ذلك، يعد إرث غيتس شيئا رائعا، فبالإضافة إلى البرامج نفسها، شكل السيد غيتس وشركته طريقة تفكير الناس في المنافسة في العديد من القطاعات التي تلعب فيها التقنية دورا مركزيا. وفي الوقت الحالي توجد مليارات النسخ من نظام التشغيل «ويندوز» على أجهزة الكومبيوتر الشخصية حول العالم. ويقول عدد من الخبراء والاقتصاديون إن نظام التشغيل «ويندوز» ليس هو الأفضل بالضرورة أو أكثر البرامج جذبا لإدارة العمليات الأساسية على أجهزة الكومبيوتر الشخصية، ولكن استخدم السيد غيتس مبدئين ذوي صلة وهما تكوين مجموعة من الخدمات تعتمد كل منها على الأخرى وقيمة بناء منبرا للتقنية. وببساطة، فعن طريق البرامج التي تعتمد على بعضها البعض ترتفع قيمة المنتج حيث يستخدمه الكثير من الناس. أما منبر التقنية فهي عبارة عن مجموعة من الخدمات والوسائل التي يمكن للآخرين استخدامها لعمل منتجاتهم وخدماتهم الخاصة. وكلما زاد عدد من يستخدمون تلك الوسائل أصبح ذلك المنبر أكثر شعبية. استفاد غيتس من كلا الفكرتين ودمجهما سويا لإحكام سيطرة مايكروسوفت على أجهزة الكومبيوتر الشخصية، ليمد تأثيره مع الشركات التي تصنع أجهزة الكومبيوتر وتلك التي تقوم بتطوير البرامج. وفي الوقت الحالي، هناك الآلاف من تطبيقات البرامج التي تعتمد على برنامج التشغيل ويندوز، ومنها برامج متخصصة مثل تلك التي توجد على مكاتب الأطباء وفي المصانع والمحلات التجارية. يقول مايكل كوسومانو، وهو أستاذ بمعهد ماساتشوستس للتقنية: «نظر غيتس إلى برامج الكومبيوتر على أنها شيء منفصل عن الأجزاء الصلبة، وتمكن من التعرف على قوة التأثيرات المتتابعة المرتبطة ببرمجيات الكومبيوتر».

ويشير الأستاذ كوسومانو إلى أن ذلك هو الاختلاف البارز بين نهجي مايكروسوفت و«أبل»، فقد ركزت «أبل» على صنع منتجات بارزة في الوقت الذي نمّت مايكروسوفت منظومة متنامية من برمجيات الكومبيوتر التي تستخدم وتعتمد على تقنية مايكروسوفت. ويضيف، أن النتيجة كانت أن «أبل» استمرت في إصدار المنتجات البارزة بينما كانت أكثر من 90 في المائة من أجهزة الكومبيوتر الشخصية تستخدم برامج مايكروسوفت. في الأعوام الأولى، لم يكن من الواضح إلى أي مدى يسعى السيد غيتس وراء الفرص التي تلوح له، ولكن كانت لديه بالتأكيد طموحات كبيرة. عندما كان يدرس في هارفارد كان غيتس يأسف لأن الكثير الكثير من زملائه يسعون وراء نجاحات ضيقة بدلا من أن يكونوا على استعداد لتحمل مخاطر كبيرة والقيام بأشياء عظيمة، هكذا يسترجع مايكل كاتز، الأستاذ بجامعة نيويورك الذي كان في هارفارد في ذلك الوقت. وفي دراسة بكلية التجارة بهارفارد، نشرت عام 1994، تحدث السيد غيتس عن استراتيجية مايكروسوفت من ناحية التأثيرات المتتابعة والمعايير التكنولوجية، التي ساهمت مجتمعة في تولي الشركة القيادة في الأسواق. قال غيتس: «نحن نبحث عن أنشطة تجارية يمكننا من خلالها كسب حصص أكبر في السوق وليس مجرد 30-35 في المائة».

في الماضي، واجهت مايكروسوفت الكثير من التحديات وتغلبت على الكثير من المنافسين، حتى عندما دخلت متأخرة في الأسواق كما كان الحال في الموجة الأولى من تقنية الإنترنت. تسبب قرار السيد غيتس عام 1995 بالدخول في تقنية استعراض الإنترنت ومنافسة شركة «نتسكاب كوميونيكاشنز» في أزمة احتكار مع الحكومة. ولكنه، كما يقول ميتشل كابور، منافسه لفترة طويلة: «تمكن من بسط سيطرة مايكروسوفت لعقد من الزمان».

ومع ذلك، يقول بعض المحللين إن مايكروسوفت تعاني في الجولة الحالية من المنافسة في مجال الإنترنت، وتواجه الكثير من المنافسين، أبرزهم غوغل. وتعد حصة مايكروسوفت من البحث على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة أقل من 10 في المائة، مقابل أكثر من 60 في المائة لغوغل ونحو 20 في المائة لياهو. وخدمة البحث هي جزء من مجموعة من الخدمات على الشبكة العنكبوتية، التي تضم أشياء أخرى مثل «فيس بوك» و«ماي سباس»، والبدائل الأخرى التي تعتمد على الإنترنت لبرامج سطح المكتب العادية مثل التراسل عن طريق البريد الإلكتروني ومعالجة الكلمات وجداول البيانات. وتكون برامج سطح المكتب التقليدية أقل أهمية عندما تكون هناك برامج أكثر يمكن الوصول إليها عن طريق مستعرض الإنترنت وتسليمها عن طريق الإنترنت من مراكز البيانات الضخمة التي تديرها غوغل والآخرون. ولا يبدو أن هناك خوفا كبيرا داخل مايكروسوفت على الرغم من موقعها المتأخر في هذا المجال وفشلها في شراء ياهو مقابل 47.5 مليار دولار. ويقول كريغ مونداي، وهو رئيس الأبحاث والاستراتيجيات بشركة مايكروسوفت، إن الشركة لا تنظر إلى التطور في مجال الحوسبة على أنها ثورة من شأنها أن تعرض الشركة لمخاطر. ويقول مونداي إن مايكروسوفت تستعد لعالم أوسع يضم كلا من الحوسبة السحابية وآلات العملاء، ليس فقط فيما يتعلق بأجهزة الكومبيوتر الشخصية، ولكن معها أجهزة الجوال والسيارات وأجهزة التلفزيون، الجميع سيستخدم برامج مايكروسوفت.

* خدمة نيويورك تايمز