تقرير حكومي إماراتي يطالب دول الخليج بتعديل سعر صرف عملاتها والإبقاء على ارتباطها بالدولار

خبير اقتصادي: التضخم جزء من النمو الاقتصادي.. وله إيجابيات على اقتصاديات المنطقة

TT

طالب تقرير رسمي إماراتي الحكومات الخليجية بتعديل سعر صرف عملاتها المحلية مقابل الدولار، معتبرا أن المصلحة الخليجية تقتضي جملة من التعديلات في السياسات الاقتصادية الخليجية استجابة لأسعار النفط المرتفعة.

غير أن التقرير أيد في الوقت موقف الدول الخليجية من استمرار ربط عملاتها بالدولار، مؤكدا أن سياسة ربط العملات الخليجية «خدمت على نحو جيد كملاذ اسمي راسخ في العقود الماضية»، معتبرا أن الربط بالدولار «ليس كله شرا».

وقال التقرير الصادر أمس من دائرة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي إن استمرار الدول الخليجية في العمل بأسعار صرف ثابتة مقابل الدولار، رغم تدهور قيمته بدرجات كبيرة أمام جميع العملات الرئيسية في العالم، ينعكس عليها من خلال الاستمرار في دفع فوارق سعرية كبيرة في تعاملات التجارة الخارجية، وبدوره يساهم في ترسيخ ارتفاع معدلات التضخم في اقتصاداتها المحلية. من جهته، قال لـ«الشرق الأوسط» الخبير الاقتصادي ورئيس قطاع الأصول والاستثمار في بنك أبوظبي الوطني ناظم المقدسي، إن تعديل سعر الصرف بالنسبة للعملات الخليجية «هو الخيار الأفضل الذي نراه كاقتصاديين في المرحلة الراهنة»، وأضاف «نحن مع التأني في أية خطوة مقبلة.. الاقتصاديات الوطنية مثل ناقلة النفط لا يمكن أن تعدل اتجاهها 180 درجة، أنا لأؤيد الحلول الجذرية إطلاقا، لذا فإن اتخاذ قرار خليجي بتعديل سعر الصرف مناسب أكثر منه بفك الارتباط بالدولار».

ويرى المقدسي أن ارتباط العملات الخليجية بالدولار أدى إلى استقرار الاقتصاديات الخليجية في الفترة الماضية، ويضيف «للأسف نحن لا نرى إلا النصف الفارغ من الكأس، وكما للنمو الذي تشهده المنطقة سلبيات أهمها التضخم، لها بالمقابل أيضا إيجابيات عدة».

لعل أهم الايجابيات أن التضخم جزء من هذا النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل استفادت منها دول الخليج وأيضا الدول القريبة منها. ويطالب التقرير دول المجلس باتخاذ خطوات أكثر فعالية وآلية لتقريب السياسات النقدية، لمواجهة انخفاض قيمة الدولار، وحدد التقرير هذه الخطوات بسعر الفائدة وسعر الخصم والأسعار المالية المفتوحة «خصوصا أنه لا يمكن الوصول إلى عملة موحدة من دون توحيد السياسات النقدية والمالية والمصرفية، وهو الشيء المهم حتى الآن بين دول مجلس التعاون بغض النظر عن الصعوبة التي تواجهها دول المجلس للوصول إلى اتحاد جمركي أو سوق مشتركة». وانخفضت قيمة عملات دول المجلس بنسبة تزيد عن 38 في المائة بالأرقام الاسمية منذ عام 2002، بسبب ارتباطها بالدولار. وتوضح تقديرات أن كل من الريال السعودي والدرهم الإماراتي والريال القطري انخفض بنسبة 40 في المائة و37 في المائة و47 في المائة على التوالي بالمعنى الاسمي منذ عام 2002، فيما انخفض سعر الدولار خلال هذه الفترة بنسبة 78 في المائة مقابل اليورو، وخلافا لذلك، انخفضت قيمة الدينار الكويتي بنسبة 23 في المائة فقط.

ويتطلب التقارب النقدي والمالي بين دول مجلس التعاون معايير يصعب تطبيقها على المدى البعيد، ومن أهمها ألا يزيد معدل التضخم أكثر من 2 في المائة على متوسط مرجح جميع الدول الأعضاء، وألا ترتفع الفائدة إلى أكثر من نقطتين على متوسط أفضل 3 دول أعضاء، وألا يزيد العجز في الميزانية على 3 في المائة في ظل أسعار النفط الحالية، ويمكن تعديلها حسب تقلبات الأسعار العالمية، كما تشتمل المقترحات ألا يتعدى الدين العام لدول المجلس نسبة 60 في المائة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي. وفي سياق تبرير التقرير لربط دول الخليج لعملاتها بالدولار، أعتبر أن قرار الدول الخليجية بربط عملاتها بالدولار، اتخذ عندما كانت أسعار النفط منخفضة، ووقتها كان الدولار في أوج قوته.

لكن الوضع اليوم تغير حيث تشهد أسعار النفط ارتفاعا مستمرا بينما تضعف قوة الدولار بالقدر نفسه، وبات من الضروري إعادة النظر في السياسة النقدية، والتفكير جديا في ربط العملات المحلية الخليجية بسلة من العملات، في ظل أنماط التبادل التجاري الحالية لدول مجلس «التعاون»، التي تزداد ارتباطا بآسيا ومنطقة اليورو.

ووفقا للتقرير فإن الدول الخليجية مطالبة بالاستفادة من انخفاض قيمة الدولار، وفي الوقت نفسه التحرك نحو معالجة السياسات النقدية لتجنيب اقتصاداتها تبعات عديدة ومكلفة ناجمة عن انخفاض الدولار أيضا، «حتى لا تخسر الكثير من مكاسب الانخفاض، وفي الوقت نفسه تتحمل تبعاته». ويقول التقرير إن انخفاض قيمة الدولار، واستمرار إيرادات النفط في التزايد لخمس سنوات متتالية، وتوقع استمرارها كذلك لسنين مقبلة، «وما صاحبه من ردود فعل خليجية متباينة، بدا واضحا ان ذلك شكل منعرجا حقيقيا على انسجام السياسات النقدية الخليجية، بما ينعكس على مستقبل العملة الخليجية الموحدة، مما يضاف في النهاية إلى قائمة التحديات والأخطار التي تهدد مشروع هذه العملة».

وأعترف التقرير أن قرار فك الارتباط مع الدولار ليس بالقرار السهل، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب وضع سياسة نقدية بديلة تمنع من عودة التضخم والتقلب في أسعار الصرف. أما محليا، وجه التقرير الحكومي انتقادا قويا للمصرف المركزي الإماراتي لوقوفه «مكتوف الأيدي أمام استفحال ظاهرة التضخم في السوق المحلية»، مشيرا إلى إن هناك عددا من السياسات النقدية والمالية التي بإمكان المصرف المركزي أن يبادر بها في هذا الخصوص، مع الاستمرار في سياسة ربط الدرهم بالدولار، وفي مقدمتها تحديد نسبة نمو السيولة التي يحتاجها الاقتصاد المحلي من دون إحداث ضغوط تضخمية. وبحسب الأرقام الحكومية الرسمية فإن نسب التضخم في الامارات بلغت 11 في المائة، وسط ضغوط محلية متواصلة للحد من الارتفاع المتوالي في نسب التضخم خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وبحسب التقرير فإن الواقع الذي تعيشه دولة الإمارات حاليا «يطرح تساؤلات مهمة حول مدى حدود مصرف الإمارات المركزي في خفض حدة التضخم، في الوقت الذي تتسبب فيه نوبات الانخفاض التي تنتاب الدولار من حين لآخر في تغذية التضخم في السوق المحلية من خلال زيادة تكاليف الواردات المقومة بعملات أخرى».