نحن لا نضرب الودع.. ولكن

سعود الأحمد

TT

في مقال الأسبوع الماضي، أشرت إلى أننا عندما نطلق بعض التوقعات ويحصل ما توقعنا، فإن ذلك لا يعني أننا نتحدث بالاستناد إلى معلومات متاحة لنا من دون غيرنا، وإذا حصل ما توقعنا فليس ذلك لأننا مجرد محظوظين. لكن يبدو أنني بقدر ما أردت أن أوضح هذا الأمر، بقدر ما زاده غموضا! والذي حدث.. بأنني ذكرت بأن ارتفاع أسعار النفط لا بد أن يؤثر في المستوى العام للأسعار، من منطلق علمي بأنه ما من سلعة أو خدمة إلا ويدخل النفط في تكلفتها النهائية. وقلت إن أسعار السلع (حالياً) تمر بما يسمى أسعار فترة التمرير Pass Through Price. بمعنى أن المستوى العام للأسعار مقبل على مزيد من الارتفاع. وضربت لذلك مثالين هما الحديد والرز إدراكاً مني بأن الحديد من أهم مكونات البناء، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار العقار. ولأن الرز خير مثال لأهم سلعة غذائية.

ولأن المقال نشر بيوم الاثنين الماضي، وأن جريدة «الحياة» نشرت يوم الثلاثاء خبرين مستقلين بنفس الصفحة الاقتصادية رقم (22). الأول بقلم المحرر سعد الأسمري بعنوان «أسعار الرز تقفز 15 في المئة.. والمستهلكون مستاؤون من غياب الرقابة»، والخبر الثاني حرره الزميل زياد الزيادي بعنوان «توقعات بزيادة 300 ريال في أسعار الحديد.. اليوم»؛ أحد القراء اتصل مشيراً إلى هذين الخبرين ويطلب مني أن أبرر: كيف اخترت هذين السلعتين بمقال الاثنين! ويصدر خبرين عنهما بيوم الثلاثاء؟! وبالطبع هو يعتقد أنني صحفي مطلع على المطبخ الصحفي، ولذلك حصلت على المعلومة دون غيري. والحقيقة أن المعلومة في الأصل متاحة للجميع. وبالمناسبة فالكتاب لا يحضرون لمقر الصحيفة، ومعظمهم (وأنا منهم) يمضي عليه أعوام لا يزور فيها مبنى الصحيفة التي يكتب فيها. وللمعلومية فقد كان هذا رأيي منذ نهاية عام 2003، عندما تكرر ظهوري الإعلامي، أطلق توقعاتي (المؤكدة) بأن أسعار النفط سوف تحلق عالياً. وفي ذلك الوقت كان أكبر خبراء العالم (ومنهم وزراء طاقة سابقين) يقولون بأن النفط مقبل على نفق مظلم. وكان صوتي الخافت عكس التيار. ومن ذلك خرجت على برنامج (مباشر) للحوار والدفاع عن رأيي بقناة الأوربت (آنذاك) وقلت إن النفط سيرتفع. بل وقبل ذلك كتبت عن توقعاتي بأنه لا بد أن يستعيد وضعه، وكتبت مقالاً في الزميلة الاقتصادية بعام 2000 بعنوان «السعر العادل للنفط» واقترحت أن يقيم النفط وهو في وضعه (آنذاك) بالأخذ في الاعتبار قوته التبادلية، وأن يتم تقييم سعره بنفس الطريقة التي تم تقييم أسعار عملات الدول الأوربية. أي بقاعدة (PPP) Purchase Power Parities . وبعد أن استمرت قفزات أسعار النفط، ذكرت في أكثر من مناسبة بأن أسعار السلع ستتأثر بارتفاع أسعار النفط. وتحدثت عن توجه أسعار النفط في 13 أغسطس 2004 بعنوان «هل ينخفض سعر النفط؟». ومن ثم كتبت في هذه الزاوية بنهاية عام 2004 بعنوان «كل الأسعار سترتفع». ولا زال مدير التحرير الأسبق (الأستاذ/ علي المزيد) يُذكر بذلك المقال وأن توقعاته قد حدثت. وكتبت مقال بتاريخ 31 أغسطس 2005 بعنوان «استغلوا بداية الطفرة».. والشاهد هنا أنني أؤكد على أن هناك استمرارا في ارتفاع المستوى العام للأسعار. وفي نوفمبر 2007 كتبت مقال بعنوان «لا تحتفظوا بالنقدية»، وفي مارس الماضي كتبت مقال بعنوان «نعم.. لا تحتفظوا بالنقدية». وبعبارة أخرى أن أسعار السلع بالأسواق المحلية والعالمية تمر بمرحلة فترة تمرير، منذ عدة سنوات بسبب التضخم العالمي والقفزات المتتالية لأسعار النفط. وختاماً.. أؤكد أن المسألة ليس فيها أسرار ولا ضرب ودع كما يعتقد البعض. لكنها قواعد اقتصادية نظرية، يمكن تطبيقها على الواقع العملي، للوصول إلى قناعات يمكن تعميمها. وبصفة عامة فالمهم في التوقعات أن تستند إلى أسس علمية ومنطقية، وهو ما ذكره أستاذ اقتصاد الطاقة بجامعة أوهايو البروفسور أنس الحجي، في مقال ذكرني فيه بالاسم مؤيداً ما ذكرته بأن الأهم بالتوقعات أن تستند إلى أسس علمية.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]