السهلاوي لـ «الشرق الأوسط»: استمرار المضاربات في السوق النفطية يقود العالم لكارثة اقتصادية

الخبير في اقتصادات الطاقة: توجيه ضربة عسكرية الى إيران سيرفع سعر البرميل إلى 350 دولارا

د. السهلاوي خبير اقتصادات الطاقة (تصوير: عمران حيدر)
TT

أكد الدكتور محمد السهلاوي، خبير وأستاذ اقتصادات الطاقة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمدينة الظهران السعودية، أن توجيه ضربة عسكرية لإيران سيفقد السوق العالمي 20 بالمائة من المعروض النفطي، ما سيؤدي إلى رفع قيمة برميل النفط لتتجاوز سقف 350 دولارا.

وبيّن السهلاوي لـ«الشرق الأوسط»، خلال حوار أجري معه في الدمام، أن تضارب المصالح بين المنتجين والمستهلكين والشركات المتعاملة في سوق النفط، وتحول سوق النفط لمرحلة عدم السيطرة، من بين اسباب عدم تمكن المجتمعين في اللقاء الأخير في جدة من الخروج بآلية تضبط أسعار النفط.

وأوضح السهلاوي، الذي شغل في السابق موقع رئيس تحرير مجلة «أوبك»، أن أهم آليات الحد من ارتفاع أسعار البترول، هو فك ارتباط تسعير البترول بالدولار، مشيرا إلى أن ما يزيد على تريليوني دولار يجري استثماره حاليا في عقود النفط الآجلة. وقال إن ترك مصير سوق النفط للمضاربين من غير الرجوع للأساسيات؛ كحقائق العرض والطلب، والأهمية الاستراتيجية للبترول كسلعة استراتيجية، ومدى ارتباطها بالدولار الذي يتأرجح هبوطا تبعا للسياسة النقدية المتبعة حاليا في الولايات المتحدة الأميركية، سيقود العالم إلى كارثة اقتصادية. > هناك تهديدات بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فما هي التوقعات لسعر برميل النفط في حال نفذت هذه الضربة العسكرية؟

ـ في حال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران سيفقد السوق ما يقارب 20 في المائة من المعروض النفطي العالمي، وسترتفع الأسعار آنيا إلى مستوى ربما يتجاوز 350 دولارا ولكن ستتراجع إلى مستويات أقل وتكون فرصة جديدة للمضاربة على البترول.

> لماذا لم يتم التوافق بين المنتجين والمستهلكين والوكالة الدولية للطاقة في لقاء جدة للتوصل إلى ضبط أسعار النفط؟

ـ كان متوقعا ألا يتم التوصل إلى توافق أو حل سريع يؤدي إلى ضبط أسعار النفط في لقاء جدة، نظرا لحجم المشكلة وأبعادها الاقتصادية والسياسية عالميا، ولأن الأمر بدأ يخرج عن السيطرة، وأن أيا من الحلول لن يأتي بنتائج سريعة. هذا عدا عن تضارب المصالح بين المجتمعين، من منتجين ومستهلكين، وشركات ومتعاملين في السوق.

> ما هي الآليات التي يمكن اتخاذها للحد من ارتفاع أسعار البترول، واستقرار السوق؟ وما هي عوامل ارتفاع أسعار النفط؟

ـ لاقتراح آليات تحد من ارتفاع أسعار البترول، وتؤدي إلى استقرار السوق، يجب أن نتطرق للعوامل التي تؤثر على السوق وترفع الأسعار، وأهم تلك العوامل من الناحية النظرية هي أساسيات السوق من العرض والطلب، إضافة إلى وجود عوامل هيكلية تتعلق بالنواحي الفنية من طاقات إنتاجية وتكريرية وتخزينية وإمدادية. والعامل الآخر هو الأحداث والتوترات السياسية التي تؤدي إلى تذبذب الأسعار بشكل مفاجئ وسريع لما لها من احتمالات عسكرية قد تشل تدفق النفط من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك. أما العامل الرئيسي، في خضم فورة الأسعار التي يشهدها السوق حاليا، فهو المضاربات على شراء وبيع العقود الآجلة للبترول، التي كان لانخفاض سعر صرف الدولار الأثر الأكبر في التوجه إلى الاستثمار في السلع وأهمها البترول على حساب سوق الأسهم والمستندات والصكوك. ومن أهم آليات الحد من ارتفاع أسعار البترول فك ارتباط تسعير البترول بالدولار، ما لم تتغير السياسة النقدية والمالية للولايات المتحدة الأميركية. والآلية الأخرى تتعلق بجانب الطلب على البترول، فلا بد من استمرار سياسات الحفاظ على الطاقة والترشيد في استخدام البترول، وخاصة في الدول الأكثر نموا اقتصاديا، كالصين والهند. أما من جانب العرض فيجب الاستثمار في عمليات التنقيب والتطوير عن البترول وتطوير تقنيات الإنتاج والتكرير، كما يتطلب الأمر الشفافية في الإفصاح عن القدرات الإنتاجية للدول المنتجة، وكذلك في الأسواق المالية للحد من عمليات المضاربة الوهمية.

> هل الالتزام بالحصص الإنتاجية للدول المنتجة عامل أساس لضبط أسعار النفط ؟ وهل الفائض البترولي له تأثير في استقرار أسعار النفط؟

ـ الالتزام بحصص الإنتاج بين دول أوبك يصبح ضروريا عندما يتزايد الطلب على البترول وليس عندما يكون الانطباع العام نقصا في الإمدادات كما هو حاصل حاليا. أما بخصوص الفائض البترولي فمن المؤكد أن له تأثيره في استقرار أسعار النفط، لذا يجب أن تكون آليات التسويق والتوزيع وطاقات التكرير قادرة على التعامل مع هذا الفائض.

> ما هي حقائق العرض والطلب في سوق النفط الحالية؟ وهل لعدم تكافؤ معادلة العرض والطلب تأثير على ارتفاع الأسعار؟ وكيف يمكن ضبط الأسعار بناءً على العرض والطلب؟

ـ عندما تحدثنا عن عوامل ارتفاع الأسعار وآليات ضبط هذا الارتفاع تطرقنا إلى العرض والطلب، جميع البيانات الإحصائية تدل على توازن العرض مع الطلب في الوقت الحاضر. ولكن المثير للاهتمام هو أن الطلب يتزايد لدى الدول النامية والصاعدة اقتصاديا كالصين والهند وليس لدى الدول المتقدمة كما كان سائدا في الماضي، وهذا يضع عبئا على تلك الدول للحد من استهلاكها للبترول في وضع سياسات ترشيدية. وربما الزيادة في الأسعار تكون أحد الحلول ولكن ليس بالشكل الذي نراه حاليا. من أجل ذلك فإنه ينبغي على الدول المتقدمة نقل تقنيات أفضل للدول النامية في مجالات الإنتاج والاستهلاك للطاقة، أما بالنسبة للعرض فإن دول أوبك والدول المنتجة من خارجها تضخ للسوق ما يمكن إنتاجه من البترول مستغلة ارتفاع الأسعار ومقابلة الطلب، والنتيجة زيادة في المعروض من النفط من غير تأثير على السعر، ما يعطي مؤشرا على أن هناك عوامل أخرى تتحكم في السوق غير عوامل العرض والطلب.

> وهل لسياسة دعم أسعار النفط التي تنتهجها بعض الدول تأثير مباشر في ارتفاع أسعار البترول؟ وهل يتوجب على تلك الدول وقف هذا الدعم؟

ـ سياسة دعم أسعار النفط تؤثر بشكل عام، ولكن تأثيرها مدمر إذا كان الدعم في دول مستهلكة للنفط، فهي سوف تزيد في الطلب على النفط وتشوه كفاءة الاستهلاك، ولا تعكس السعر الحقيقي، وهذا ما يخشى منه في أن تتبع سياسة الدعم هذه في دول مثل الصين والهند مثلا.

> كم القيمة الإجمالية للمبالغ المستثمرة في مؤشرات النفط العالمية؟

ـ لقد تجاوزت القيمة الإجمالية للمبالغ المستثمرة في مضاربات العقود الآجلة للنفط مئات البلايين من الدولارات، وتتضاعف سنويا لتصل إلى تريليونات من الدولارات، والمستفيد منها بالدرجة الأولى المصارف العالمية والسماسرة والشركات البترولية. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن ما يزيد على تريليوني دولار يجري استثمارها حاليا في عقود النفط الآجلة.

> هل للمضاربة في العقود الآجلة تأثير مباشر على ارتفاع أسعار النفط؟ وكم قيمتها الإجمالية حاليا؟ وهل يمكن أن يترهل سوق النفط بضخ أموال طائلة فيه ما يجعله عرضة للانهيار؟

ـ مما لا شك فيه أن ترك مصير السوق للمضاربة، من غير الرجوع للأساسيات كحقائق العرض والطلب والأهمية الاستراتيجية لسلعة البترول ومدى ارتباطها بالدولار الذي يتأرجح هبوطا تبعا للسياسة النقدية المتبعة حاليا في الولايات المتحدة الأميركية، سوف يقود العالم إلى كارثة اقتصادية أهم مظاهرها التضخم الذي بدأ يدك استقرار الاقتصاد العالمي ويؤذن بانهياره. وإذا استمرت سياسة تخفيض سعر صرف الدولار، على أمل دعمه بأسعار عالية للبترول من خلال المضاربات أو التوترات العسكرية والسياسية، فإن أسعار البترول ستصل إلى مستويات تفوق التوقعات.

> في رأيك، كخبير في اقتصادات الطاقة، كم السعر الواقعي لبرميل النفط حاليا؟ وفي حال واصل سعر البترول ارتفاعه ما الرقم الذي يتوقع أن يصل إليه سعر البرميل في الفترة المقبلة؟

ـ السعر الواقعي لبرميل النفط حاليا هو ما يعكسه العرض والطلب الفعلي، بالإضافة إلى هامش العوامل السياسية والهيكلية، وهو في رأيي 70 دولارا للبرميل. أما إذا استمر الحال على ما هو عليه مما ذكرنا من عوامل مؤثرة على الأسعار فإن سعر البترول سيواصل ارتفاعه، وكنت قد توقعت منذ أكثر من ستة أشهر أن يصل سعر برميل النفط إلى 200 دولار.

> ومن هو الخاسر الأكبر من ارتفاع أسعار النفط : المنتجون أم المستهلكون؟ ولماذا؟ وكم تقدر قيمة خسائرهم؟

ـ الخاسر الأكبر هو النفط، حيث أن معدلات إنتاجه سوف ترتفع على أمل أن يخلق فائضا في الإنتاج مما يكبح جماح الأسعار، وبالتالي يؤدي إلى استنزافه بشكل غير اقتصادي ويشجع الشراهة في استهلاكه. وسوف تستمر الأسعار في الارتفاع وهذا سوف يشجع التحول السريع إلى إنتاج مختلف أنواع الطاقة البديلة. وقد يعتقد البعض أن الدول المنتجة بمنأى عن الخسارة، فالخسارة بالنسبة لهم مركبة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية، أهمها سرعة نضوب أهم مصادر القوة السياسية والاقتصادية لتلك الدول والتحول إلى طاقة بديلة، بالإضافة إلى أن قدرتها الاقتصادية لاستيعاب عوائد الإنتاج الكبيرة محدودة، ما سيؤدي إلى إعادة تدوير مداخيلها إلى المؤسسات المالية العالمية.

> هل لغياب الشفافية بشأن الاحتياطيات المتاحة وكمياتها تأثير على ارتفاع أسعار النفط؟

ـ موضوع الشفافية مهم جدا لـ«الأمن البترولي» لأنه يقلل التكهنات حول مصير الطاقة، وسوف يسهم في استقرار الأسعار.

> كيف سيكون مشهد سوق النفط وأسعاره عند استغلال الاحتياطيات النفطية المجمدة في أميركا وغيرها من الدول؟ وكيف سيؤثر الإنتاج المستقبلي للنفط من تلك الاحتياطيات المجمدة على أعضاء «أوبك»؟

ـ عند استغلال الاحتياطيات النفطية المجمدة في أميركا ودول أخرى ستنخفض الأسعار مؤقتا مع عدم زوال الأسباب الرئيسية في عدم استقرار السوق البترولية، وستواجه بالطبع دول أوبك فائضا بتروليا يدفعها لتخفيض إنتاجها مؤقتا.