الوقود الحيوي يساهم في رفع أسعار المواد الغذائية

الأوروبيون يعيدون التفكير بشأنه ومشاريع لإنتاجه.. وخبراء يؤكدون أن ارتفاع الأسعار يرجع لزيادة الطلب من الصين والهند

خلاف بين الخبراء حول اسباب ارتفاع اسعار المواد الغذائية: الوقود الحيوي أم زيادة الطلب («نيويورك تايمز»)
TT

اقترح مسؤولون أوروبيون تقليصا هائلا في الأهداف التي حددوها مسبقاً لزيادة الاعتماد الأوروبي على أنماط الوقود الحيوي، مما يشكل تحولاً هائلاً في موقف الاتحاد من هذه القضية المحورية المرتبطة بمجالي البيئة والطاقة. وفي الوقت ذاته، صدر تقرير عن الحكومة البريطانية أثار شكوكاً جديدة حول مدى جدوى الاعتماد على الوقود المستخرج من المحاصيل الزراعية كوسيلة للتغلب على مشكلة التغيرات المناخية. وحتى وقت قريب، سعت الحكومات الأوروبية لقيادة باقي العالم نحو استخدام الوقود الحيوي، وحددت هدفاً أمامها تمثل في تلبية 10 في المائة من احتياجات الوقود على صعيد النقل داخل الاتحاد بالاعتماد على صور الوقود الحيوي بحلول عام 2020. إلا أن الحماس تجاه تحقيق هذا الهدف تضاءل في خضم الأدلة المتنامية على أن مثل هذا النمط من الأهداف التي اقترحها الاتحاد يساهم في القضاء على الغابات، التي تزيد بدورها من وتيرة التغيرات المناخية وتسفر عن تفاقم أسعار المواد الغذائية. من ناحيته، اوضح جوان ديلجادو، الباحث المتخصص بمجال الطاقة والتغيرات المناخية لدى «بروجل»، وهي منظمة بحثية تتخذ من بروكسل مقراً لها: «أعتقد أنه عندما ننظر للوراء سنقول إن تلك كانت نقطة التحول في الموقف الأوروبي من الوقود الحيوي. وسيكون من الصعب للغاية بالنسبة لأوروبا الآن التشبث بأهدافها».

على الجانب الآخر وداخل الولايات المتحدة، يتم تخصيص ربع إنتاج البلاد من الذرة لاستخراج الوقود الحيوي. ويقضي مشروع قانون للطاقة تم تمريره العام السابق بأن يتم إنتاج 36 مليار جالون من الوقود الحيوي سنوياً بحلول عام 2022. بيد أن الانتقادات الموجهة إلى هذه السياسة في تنام مستمر، بما في ذلك الدعوات لإنهاء إجراءات الخفض الضريبي المفروضة على الإيثانول المنتج من الذرة. وتتمثل أحد أهم الأسباب وراء ذلك في أنه على امتداد الشهور الـ18 السابقة، كشفت دراسات أن النمط الحالي من صور الوقود الحيوي ـ المعتمدة على المحاصيل الغذائية، مثل الذرة وفول الصويا ـ تسهم في اشتعال أسعار الغذاء نتيجة استغلال الأراضي الزراعية، علاوة على تفاقم مشكلة القضاء على الغابات، وربما تخلف هذه الصور الجديدة من الوقود تداعيات على التغيرات المناخية أسوأ من تلك المرتبطة بالوقود التقليدي المتمثل في النفط. يذكر أن معظم صور الوقود الحيوي على مستوى العالم يجري استخراجها من الذرة داخل الولايات المتحدة والسكر في البرازيل وكل من الحبوب والمحاصيل ذات البذور الزيتية داخل أوروبا. واكتسب تحول التوجه الأوروبي إزاء الوقود الحيوي زخماً كبيراً خلال الأيام الأخيرة، فخلال عطلة نهاية الأسبوع أصدر وزراء الطاقة واحدة من أقوى المؤشرات على أن حكومات الاتحاد الأوروبي على استعداد للتراجع عن هدف الـ10 في المائة الذي سبق وان أقرته. ويوم الاثنين، ألمحت بريطانيا، إحدى أكبر الدول الداعية لزيادة استخدام الوقود الحيوي، إلى اتخاذها مساراً جديداً تجاه القضية، حيث أعلنت وزيرة النقل البريطانية، روث كيلي، عن ضرورة الإبطاء من وتيرة التحرك نحو الاعتماد على الوقود الحيوي، منوهة بتقرير جديد حذر من أن الأهداف التي تم إقرارها فيما يخص إنتاج الوقود الحيوي قد تتسبب في حدوث زيادة عالمية في انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى تفاقم معدلات الفقر داخل أكثر الدول فقراً. وأعلنت روث أمام البرلمان البريطاني أنه: «بالنظر إلى الشكوك والمخاوف المحتملة، ستتبع الحكومة نهجاً أكثر حذراً حتى تتضح الأدلة بصورة أكبر إزاء التداعيات البيئية والاجتماعية المترتبة على أنماط الوقود الحيوي. على الجانب الآخر، صوتت اللجنة المعنية بالشؤون البيئية داخل البرلمان الأوروبي يوم الاثنين لصالح الإجراء وبعثت به إلى البرلمان للتصويت عليه. وقد دعا أعضاء جميع الكتل السياسية الكبرى داخل اللجنة إلى إقرار هدف أدنى بكثير ـ 4 في المائة ـ مشيرين إلى ضرورة مراجعة هذه الإجراءات عام 2015 قبل اتخاذ أي قرار برفع هذا الهدف إلى ما بين 8 في المائة و10 في المائة. ورغم أن تصويت اللجنة غير ملزم، من المؤكد أنه سيزيد الضغوط على المفوضية الأوروبية لإصدار مقترح معدل، حسبما يرى «ديلجادو»، الخبير بمنظمة «بروجل». طبقاً للمقترحات البديلة التي صوتت عليها اللجنة، فإن 20 في المائة من أنماط وقود النقل المتجددة ستأتي من مواد زراعية ـ مثل الطحلب ـ لا تنافس المحاصيل الزراعية على مساحة الأراضي المزروعة. وبمقدور أوروبا الوصول إلى هذا الهدف من خلال الاعتماد على المركبات التي تسير بالغاز الحيوي أو الكهرباء أو الهيدروجين بحلول عام 2015. وبحلول عام 2020، سترتفع هذه النسبة إلى 50 في المائة. كما سيتعين على الدول الالتزام بقواعد الحفاظ على التنمية البيئية والاجتماعية المستدامة. وتهدد هذه التغييرات محاولات المفوضية الأوروبية التأثير على صياغة معايير عالمية لتناول قضية الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية. كما يهدد تراجع الحماس حيال الوقود الحيوي الهدف الذي أقره الاتحاد الأوروبي بتوليد 20 في المائة من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020، بارتفاع عن 8.5 في المائة في الوقت الراهن. وهناك خلاف حول الدور الذي تلعبه أنماط الوقود الحيوي في تفاقم أسعار الغذاء، ويعتقد بعض المحللين أن حركة المعارضة للوقود الحيوي باتت قوية للغاية في الوقت الحاضر. من ناحيتها، نفت المفوضية الأوروبية أن يكون للوقود الحيوي دور في ارتفاع أسعار المواد الغذائية من خلال الحل محل المحاصيل الزراعية الأخرى، وتعهدت بالالتزام بهدفها الخاص بالـ10 في المائة. من جانبه، صرح متحدث رسمي باسم المفوضية، «مايكل مان»، يوم الاثنين بأن السبب وراء تفاقم أسعار المواد الغذائية يعود إلى تزايد الطلب على اللحم ومنتجات الألبان، خاصة داخل الصين والهند، ومرور المحاصيل بمختلف أنحاء العالم بظروف سيئة خلال العامين السابقين وتنامي التكهنات والقيود حول صادرات السلع الغذائية من قبل بعض الدول. في المقابل، أعلنت مؤسسة «نيو إنرجي فاينانس»، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن، الشهر الحالي أن أسعار الحبوب ارتفعت بنسبة 8 في المائة والزيوت بنسبة 17 في المائة جراء السياسات المرتبطة بالاعتماد على الوقود الحيوي. بينما جاءت التأثيرات على أسعار السكر بالغة الضآلة.

* خدمة «نيويورك تايمز» 1