كيف تختار الدول عملات الارتباط؟

وسط كثرة الحديث في الخليج عن فك التمسك بالدولار

TT

كتب الكثيرون في العقود الأخيرة عن الظروف التي تختار فيها الدول، أو يكون واجبا عليها، تثبيت أو تعويم سعر الصرف. ولكن حتى الآن، لا نعرف إلا القليل جدا عن أسباب تثبيت السعر أو بشكل أكثر تحديدا، كيف تختار الدول بين عملات الارتباط. إن معرفة كيف يحدث ذلك أمر شديد الأهمية، حيث إن عددا متزايدا من الدول يخطط لإنشاء اتحادات نقدية لربط أسعار الصرف بعملة عالمية رئيسة. بينما يؤدي هبوط سعر الدولار إلى تخلي بعض الدول، عن تثبيت سعر الدولار الحالي.

إن مثل هذه التغييرات في اختيار كيفية تثبيت سعر الصرف قد يكون له أثر مهم على نموذج التجارة الدولية، وقد يؤثر أيضا على نماذج تراكم الاحتياطي النقدي، مع أهمية تثبيت العملة كعامل مهم لتحديد فئات العملات في احتياطي البنك المركزي.

وفي ضوء ما سبق، أن جميع الدول التي اختارت ربط سعر صرف عملاتها وفقا لعملة أخرى رضوخا للأمر الواقع، قد تحولت خلال الخمسين عاما الماضية إلى استخدام إما الدولار الاميركي أو اليورو كعملات مثبتة لسعر الصرف (عملات ارتباط) طبقا لما أفاد به تقرير أخير لصندوق النقد الدولي.

ونجد أن العنصر الرئيس، الذي يفسر سبب اختيار عملة ارتباط محددة، بحسب التقرير، هو وجود شبكة تجارة خارجية. وتنشأ مثل تلك الشبكات الخارجية، لأن فوائد استخدام عملة ارتباط محددة تزداد بزيادة حجم التجارة مع الدول التي تستخدم نفس عملة الارتباط. ومع ازدياد شعبية عملات ارتباط محددة، فإن ذلك يعني تضاؤل فائدة الخيارات الأخرى.

وهناك عوامل أخرى مختلفة تؤثر في اختيار عملة الارتباط. فقد وجد التقرير عنصرين آخرين مهمين، يحددان عملة الارتباط، وهما: مدى تحمل هذه العملة لصدمات الإنتاج والالتزامات المتعلقة بتحديد هذه العملة. وفي مايو (أيار) عام 2007، استخدمت الكويت سلة عملات لتثبيت سعر الصرف بدلا من الدولار، الذي استخدمته لمدة أربعة أعوام كعملة ارتباط. وفي أواخر يناير (كانون الثاني) عام 2008، صرح مسؤولون قطريون بأنهم يفكرون في إعادة تقييم ربط عملتهم بالدولار أو إعادة ربطها بسلة من العملات ذات القيمة التجارية الأعلى. وتدور التكهنات حول أن دولا أخرى في مجلس التعاون الخليجي ستحذو حذو قطر، لأن ارتفاع أسعار البترول وهبوط قيمة الدولار معا، سيؤديان إلى تضخم هائل في تلك الدول. ولذا فقد ذكرت «الإكونوميست» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007 أن «الدول الخليجية تحتاج إلى التخلص من ربط عملتها بالدولار الآن». وقد وجد التقرير أيضا أن خيار عملة الارتباط السابقة عنصر مهم في تحديد عملة الارتباط المستقبلية. وهذا يعني أن اختيار عملة الارتباط أمر ملح، فضلا على اختبار عوامل تحديد تثبيت سعر الصرف في مقابل تعويمه. وتوجد عوامل مثل الانفتاح التجاري والرأسمالي، وحجم الاقتصاد، والغطاء النقدي، والتنمية المالية، والحاجة إلى مصداقية نقدية، والحساسية تجاه الكوارث الفعلية والمفترضة. وقد وجد صندوق النقد الدولي أن بعض تلك العوامل يحدد بشكل كبير إما تثبيت سعر الصرف أو تعويمه، على الرغم من أن احتمالات لجوء الدول الكبرى إلى تثبيت سعر الصرف أقل بكثير.

ويشير اكتشاف الدور المهم الذي تلعبه الشبكات الخارجية، في تحديد عملة الارتباط إلى معنيين أساسيين. المعنى الأول هو أنه، بسبب التأثير المتزايد للتضخم، فقد يكون توزيع عملات الارتباط الحالي جيدا.

وربما تكون هناك دول قد أجبرت على استخدام عملة ارتباط محددة، بسبب ظروف عشوائية أو خاصة. ولكن قد يكون الأمر الآن أفضل اجتماعيا، وليس فرديا، بالنسبة لهذه الدول لتتحول بصورة جماعية إلى عملة ارتباط أخرى (أو إلى نظام التعويم). ونتيجة لهذا الاضطرار إلى عملة جيدة جزئيا، فمن الممكن أن تصبح قيمة تلك العملة مبالغا فيها.

أما المعنى الثاني، فهو أن تغييرات عملات الارتباط في عدد قليل من الدول، من الممكن أن يؤدي إلى آثار كبيرة وسريعة على جغرافية نظام النقد العالمي.

فعلى سبيل المثال، بمجرد أن تركت بعض الدول المهمة استخدام الدولار كعملة ارتباط (بسبب مخاوف من تأثير عجز الموازنة الاميركية مثلا)، ربما يشجع ذلك الدول الأخرى الشريكة تجاريا لهذه الدول وتفعل مثلها، مما يفقد الدولار شعبيته وقيمته سريعا.

وقد حدث موقف مشابه في أوائل السبعينات، عندما اختفى الجنيه الإسترليني كعملة ارتباط، على الرغم من مكانته العالمية لمدة 150 عاما قبل ذلك.