البرازيل تنمو بينما تكافح الدول الكبرى

تسير في أكبر توسع اقتصادي لها في غضون ثلاثة عقود

بنديتا سوسا في مصنع ملابس الجينز الذي يوظف 25 شخصا (نيويورك تايمز)
TT

حصلت بنديتا سوسا، التي كانت تحصل على قوت يومها بالكاد في واحدة من أفقر المناطق في البرازيل، على قرض صغير منذ خمسة أعوام لشراء ماكينتي حياكة والبدء في عملها التجاري الخاص في صناعة الملابس الداخلية للسيدات.

اليوم، تستعين سوسا، وهي أم لثلاثة أبناء بدأت في العمل في مصنع ملابس الجينز بأجر متدني، بـ25 عاملا في مصنع بسيط مكون من غرفتين ينتج 55.000 زوج من الملابس الداخلية القطنية في الشهر. وقد تكون ابنتها، التي تدرس لتصبح صيدلانية، أول فرد في الأسرة ينهي دراسته الجامعية.

«لا يمكنك تخيل السعادة التي أشعر بها»، هذا ما قالته سوسا (43 عاما) أمام مصنعها «بيغ ماتيوس» الذي يأتي على اسم أحد أبنائها. «لقد جئت من الريف إلى المدينة. وكافحت كثيرا، واليوم يتعلم أبنائي، وأحدهم في الجامعة وآخران في المدرسة. إنها نعمة من الله». اليوم بلادها في موقع مماثل لها. فقد وصلت البرازيل، وبها أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية، إلى إدراك قوتها التي طال انتظارها كصاحبة دور عالمي، كما يقول خبراء الاقتصاد، حيث تسير الدولة في أكبر توسع اقتصادي لها في غضون ثلاثة عقود.

يصل الشعور بهذا النمو إلى جميع أجزاء الاقتصاد تقريبا، مما نشأ عنه ظهور طبقة جديدة من الأغنياء جدا، وحتى الأشخاص مثل سوسا ارتفعوا إلى الطبقة المتوسطة المتزايدة. وعلى الرغم من مخاوف المستثمرين من النزعة اليسارية للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عندما انتخب عام 2002، إلا أنه كان يمر سريعا فيما تعلق بالأمور الاقتصادية، متجنبا الاندفاع الشعبي لزعماء فنزويلا وبوليفيا.

فقد دعم النمو في البرازيل من خلال مزيج ماهر من احترام الأسواق المالية والبرامج الاجتماعية المستهدفة، والتي ترفع الملايين من الفقر، كما يقول ديفيد فلايشر المحلل السياسي والأستاذ المتفرغ بجامعة برازيليا، وسوسا واحدة من هؤلاء المستفيدين.

قللت البرازيل، التي طويلا ما اشتهرت بعدم المساواة في توزيع الثروات، من حجم فجوة الدخل بنسبة 6 في المائة منذ عام 2001، وهي في ذلك أكثر من أية جولة أخرى في أميركا الجنوبية هذا العقد، وفقا لما قاله فرانسيسكو فيريرا الخبير الاقتصادي في البنك الدولي.

وبينما يجد أصحاب أعلى الدخول في البرازيل، والذين تبلغ نسبتهم 10 في المائة، دخلهم التراكمي تزايد بنسبة 7 في المائة من عام 2001 إلى عام 2006، وجد آخر 10 في المائة من أصحاب الدخول المتدنية دخلهم التراكمي يقفز بنسبة 58 في المائة، وفقا لما صرح به مارسيلو نيري مدير مركز السياسات الاجتماعية في مؤسسة غيتوليو فارغاس في ريو دي جنيرو.

ويقول فيريرا إن البرازيل أيضا تفوق معظم دول الجوار في أميركا اللاتينية في الإنفاق على البرامج الاجتماعية، ويستمر إجمالي الإنفاق العام في الاقتراب من أربعة أضعاف ما تنفقه المكسيك في نسبة الإنتاج القومي الكلي. وما زال من المتوقع أن تستمر قوة التوسع الاقتصادي. وبينما تكافح الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في مواجهة الركود والهبوط بعد أزمة الإسكان، أظهر الاقتصاد البرازيلي نقاط ضعف القوى الناشئة الأخرى.

لقد تنوعت قاعدتها الصناعية على نطاق واسع، وأصبحت لديها قدرة على توسيع القطاع الزراعي المزدهر بزراعة أراض جديدة، وتملك ثروة هائلة من موارد طبيعية لا تنضب. وتضع اكتشافات البترول الجديدة البرازيل في مصاف القوى البترولية العالمية خلال العقد المقبل. ولكن على الرغم من أن الصادرات من السلع مثل البترول والمنتجات الزراعية حققت جزءا كبيرا من النمو، إلا أن البرازيل تقلل من اعتمادها عليها، كما قال خبراء الاقتصاد، حيث تستفيد من سوق محلي ضخم، 185 مليون نسمة، يزداد ثراء بفضل نجاح أفراد مثل سوسا. في الحقيقة، مع وجود عملة قوية ووضع حد معقول للتضخم، يسرف البرازيليون في الإنفاق الذي أصبح المحرك الأساسي للاقتصاد، الذي نما بنسبة 5.4 في المائة العام الماضي.

إنهم يشترون كلا من البضائع البرازيلية وكميات متزايدة من البضائع المستوردة. وخفف العديد من الأعمال التجارية شروط الائتمان لتسمح للبرازيليين بشراء ثلاجات وسيارات، وحتى إجراء عمليات تجميل والدفع على مدى سنوات بدلا من شهور، على الرغم من وجود أعلى معدلات الفائدة في العالم. وفي يونيو (حزيران)، وصل عدد بطاقات الائتمان الصادرة في الدولة 100 مليون بطاقة، وفي ذلك زيادة بنسبة 17 في المائة عن العام الماضي. قالت سونيا ميتايني المتحدثة باسم سلسلة محلات الأثاث البرازيلية ذات الأسعار المعتدلة، كاساس باهيا، إن عدد العملاء الذين يشترون بالتقسيط تضاعف ثلاث مرات تقريبا حيث وصل إلى 29.3 مليون من عام 2002 إلى عام 2007.

ظنت تاتيانا ويليكسون، وهي ممثلة مسرحية في ريو دي جانيرو تبلغ من العمر 31 عاما، إنها تدفع كل ما تقدر عليه في عمليات التجميل بعد أن خضعت لعمليات شفط الدهون في المعدة والظهر والساقين وحقن بالدهون في أردافها. ولكن عندما أعلنت عيادة بيو بيللا في بارا دا تيجوكا أنه يمكنها تسديد نفقات عملية تكبير للثدي على 24 قسطا، قررت أن تخوض المغامرة، وأضافت: « تبقى لدي تسديد ستة أقساط، ولكن الأمر يستحق هذا». يوجد المزيد من المظاهر الأخرى للثروة الجديدة. في ماكاي، وهي مدينة يزدهر فيها إنتاج البترول بالقرب من ريو دي جانيرو، يتسابق المقاولون على الانتهاء من بناء مراكز تجارية جديدة ومنازل فاخرة لتكفي الطلب من شركات خدمات البترول التي تنمو سريعا. وفي ميناء في أنغرا دوس ريس، وهي مدينة مشهورة بجزرها الرائعة، وجد 25.000 عامل عملا في بناء منصات بترول برازيلية جديدة. وقد فاجأت بتروبراس، وهي شركة بترول وطنية برازيلية، عالم البترول في نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أعلنت حقل توبي البحري قبالة سواحل ريو دي جانيرو قد ينتج من خمسة إلى ثمانية مليارات برميل من البترول. ويعتقد المحللون أنه من الممكن أن تكون هناك مليارات من البراميل في المناطق المحيطة، مما يجعل من البرازيل الثانية بعد فنزويلا في دول أميركا اللاتينية في إنتاج البترول. على الرغم من أن استخلاص البترول باهظ التكاليف ومعقد، إلا أن بتروبراس صرحت أنها تتوقع إنتاج ما يصل إلى 100.000 برميل في اليوم من حقل توبي بحلول عام 2010، وما يصل إلى مليون برميل في اليوم في الخمسة أو سبعة أعوام التالية.

تبدأ العمليات الجديدة في مجال البترول في تحقيق انتعاش في الاستثمارات في ريو دي جانيرو، مع توقع تدفق حوالي 107 مليارات ريال برازيلي إلى الولاية بحلول عام 2010، وفقا لحكومة ريو دي جانيرو، ومن المتوقع أن تستثمر بتروبراس وحدها 40.5 مليار دولار بحلول عام 2012.

ويقول بعض الاقتصاديين إن البطء في اقتصاد باقي دول العالم، وخاصة في آسيا، التي تحصل على معظم الصادرات البرازيلية من فول الصويا والحديد الخام، قد تضغط على معدل النمو في البرازيل. «ولكن هذا الاحتمال ضعيف»، كما يقول ألفريدو كوتينو، الخبير الاقتصادي في شؤون أميركا اللاتينية في موقع ( Moody"s economy.com.) في الحقيقة، البرازيل أقل عرضة لتأثر بالاقتصاد الأميركي المتأرجح، بفضل تنوع مجالات الاقتصاد البرازيلي في الأعوام الأخيرة، على العكس من العديد من دول أميركا اللاتينية الأخرى.

وتمثل صادرات البرازيل إلى الولايات المتحدة 2.5 في المائة فقط من الإنتاج القومي الكلي، مقارنة بنسبة 25 في المائة من الإنتاج القومي الكلي تمثلها الصادرات المكسيكية، وفقا لموقع Moody"s.

ويقول دون حنا رئيس اقتصاديات السوق الناشئة في سيتي بنك: «الأمر الذي يجعل البرازيل أكثر مرونة هو أن بقية العالم ليس له أهمية كبيرة». لقد ساعدت بقية دول العالم بالتأكيد. ونشأ عن ارتفاع الأسعار العالمية للمعادن والسلع الأخرى ظهور طبقة جديدة من الأثرياء جدا. فقد زاد عدد البرازيليين الذين يملكون ثروات سيولة تتعدى المليون دولار بنسبة 19 في المائة العام الماضي، وبذلك أصبحت البرازيل في المرحلة الثالثة بعد الصين أو الهند، وفقا لبحث أجرته شركتا ميريل لينش وكابجيميني. وفي الوقت نفسه، وقد ركز الرئيس دا سيلفا على الكثير من البرامج الاجتماعية التي بدأت منذ 10 أعوام أثناء حكم الرئيس فرناندو انريك كاردوسو، الذي بدأ في العديد من الإصلاحات الهيكلية التي وضعت أساسا لنمو البرازيل المستقر اليوم. وعلى سبيل المثال، تدين سوسا بنجاح مشروعها التجاري للقروض التي حصلت عليها من البنك الذي يقع في الشمال الشرقي، وهو بنك حكومي يمنح قروضا صغيرة لـ330.000 شخص لإقامة مشروعات تجارية في منطقة سريعة النمو.

وتمنح برامج أخرى، مثل بولسا فاميليا (منحة الأسرة)، معونات صغيرة للملايين من الفقراء البرازيليين لشراء الطعام والاحتياجات الضرورية الأخرى. وقد حقق برنامج بولسا فاميليا، الذي يستفيد منه 45 مليون شخص في البلاد بتوزيع ميزانية سنوية قيمتها 8.75 مليار ريال برازيلي (أو حوالي 4 مليارات دولار)، أثرا كبيرا في زيادة دخل الفرد بنسبة تفوق الحد الأدنى للأجور، الذي ارتفع بنسبة 36 في المائة منذ عام 2003.

وقد ساعدت طبيعة مثل هذه البرامج الاجتماعية في اتساع نطاق كل من التوظيف الرسمي وغير الرسمي، بالإضافة إلى الطبقة المتوسطة البرازيلية. وقد انخفض عدد الأشخاص تحت خط الفقر، والذين يتم تعريفهم بأصحاب الدخول التي تقل عن 80 دولارا في الشهر، بنسبة 32 في المائة من عام 2004 إلى عام 2006، كما قال نيري.

إن هذه البرامج مؤثرة بشكل خاص في شمال شرق البرازيل، الذي كان في الماضي أحد أفقر المناطق في البلاد. ويحصل سكان هذا الإقليم على أكثر من نصف 5.5 مليار دولار الذي أنفق من خلال البرامج الاجتماعية من عام 2003 حتى عام 2006، وفقا لما ذكرته إحدى الهيئات التابعة لوزارة الطاقة.

يستغل الأشخاص هنا الثروات الجديدة في شراء بضائع مثل التليفزيونات والثلاجات بمعدل أسرع من بقية المناطق في البرازيل. وأضافت وكالة الطاقة أن الشمال الشرقي قد فاق جنوب البلاد في استهلاك الكهرباء هذا العام، لأول مرة في تاريخ البرازيل. لقد تجاوز العديد من الأسر الفجوة بينها وبين الطبقة المتوسطة بفضل برنامج بولسا فاميليا، الذي قدم لهم احتياجاتهم الأساسية، ثم منحهم قروضا صغيرة للبدء في مشروعاتهم الخاصة والهرب من الاقتصاد الرسمي. هذا ما فعلته ماريا أكسليادورا سامبايو وزوجها في فورتاليزا، وهي مدينة ساحلية يسكنها 2.4 مليون نسمة. فقد حصلا على منحة الأسرة تبلغ قيمتها 30 دولارا في الشهر، وأنفقوها على تربية أبنائهم الثلاثة. ومنذ عامين، حصلت ماريا على قرض صغير قيمته 190 دولارا لشراء طلاء للأظافر، وبدأت في مشروعها الخاص، الذي تديره خارج منزلها.

اليوم، تحصل ماريا على 70 دولارا في اليوم من طلاء الأظافر، وهو ما يقابل أربعة أضعاف أدنى دخل في الشهر. وتخطط أن تحصل على قرض جديد بقيمة 140 دولارا لتشتري موقد لتعقيم قصافات الأظافر، وهي اليوم تفعل هذا بالماء الساخن.

سمح نجاح مشروعها للزوجين بتجديد منزلهما وشراء تليفزيون وهاتف جوال. واستطاع زوجها، الذي يعمل في أحد المصانع، أن يشتري هذا الشهر آلة الدرامز الموسيقية التي كان يحلم بها، ويقول إنه يخطط أن يكون فرقة موسيقية تلعب الموسيقى الشعبية في الشمال الشرقي. وتقول ماريا التي تبلغ من العمر 28 عاما: «أشعر أننا جزء من هؤلاء الناس الذين يرتفع مستواهم في هذا العالم. عندما لا تملك شيئا، عندما لا يكون لديك عمل، فأنت لا أحد، مجرد بعوضة. وأنا كنت لا شيء. واليوم أشعر أنني في نعيم».

* خدمة «نيويورك تايمز»