العصر الذي تخضع فيه التجارة الحرة إلى قوانين وضعها الغرب انتهى

لا يشعر الصينيون بضرورة تقبل ما يمليه الآخرون عليهم

تزايد النفوذ الصيني مع نجاح تجربتها الاقتصادية («نيويورك تايمز»)
TT

على مدار العقدين الماضيين، خططت الصين لتحويل قوة العولمة إلى أكثر مشروع ناجح في مكافحة الفقر يشهده العالم. إذن كيف يمكن تفسير حقيقة أنه عندما انتهت آخر جولة من المباحثات حول التجارة العالمية إلى الأبد في الأسبوع الماضي، لتنتهي معها سبعة أعوام من المفاوضات من أجل تخفيض التعريفات الجمركية، وتحرير التجارة حول العالم، كانت الصين هي السبب في ذلك؟

تتعلق الإجابة إلى حد كبير بالتغيير الذي شهده العالم، وخاصة الصين، وكذلك بكيفية رؤية الصينيين لمستقبل العالم. في ذلك العالم، سيصبح لدى دول مثل الصين والهند المزيد من النفوذ على طاولة المفاوضات، لأنها ستحظى بقوة اقتصادية أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي.

هذا لا يعني أن الصينيين يعتقدون أن عصر العولمة العظيم قد انتهى. فهم أبعد ما يكونون عن ذلك. فقد بنيت بكين المتلألئة اليوم على الدولار واليورو والين الذي تحصل عليه من جميع أنحاء العالم، وهي الآن تقرضه مجددا للولايات المتحدة.

ولكن يبدو بالقطع أن العصر الذي تخضع فيه التجارة الحرة إلى مجموعة قوانين وضعها الغرب، وتتبعها الدول النامية، قد انتهى، ويشعر القليلون بالأسى من أجل ذلك. وحتى في أميركا، حيث افترض المؤيدون للتجارة الحرة أن دولتهم ستكون الرابح الأكبر، يتخذ المؤيدون للنظام موقف الدفاع.

بعد ثمانية أعوام فقط من مغادرة بيل كلينتون للبيت الأبيض متحدثا عن فضل التجارة الحرة في جميع نقاط القوة التي تتمتع بها أميركا، وخاصة براعتها في الابتكار، يحاول السناتور باراك أوباما أن يعيد منصب البيت الأبيض للديمقراطيين بالحديث عن إعادة المفاوضات حول اتفاقيات التجارة التي عقدها كلينتون، بداية باتفاقية التجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية (نافتا).

يعاد التفكير في هذا النظام أيضا في الصين والهند ودول أخرى أمضت فترة التسعينات تحاول أن تدخل في السوق التجارية العالمية بقبول قواعد الغرب. وتقدموا بطلبات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مستفيدين من سلطاتها للإسراع بعجلة الإصلاحات في بلادهم ولضخ المزيد من الصادرات زهيدة الأسعار. ولكن الآن، فقد انتهت هذه الدول من تلك المرحلة.

وعندما نزعت الصين آخر سبل الحياة عن جولة الدوحة لمفاوضات تحرير التجارة الأسبوع الماضي، حيث اتحدت مع الهند لتعلنا أنهما لن يتوقفا عن حماية مزارعيهما في مقابل تخفيض التعريفات أمام صادراتهما الصناعية المتزايدة، لم تكن هذه مفاجأة.

لا يتعلق الأمر بمعدلات التعريفات. ولكنه يتعلق بتحول أساسي في القوة: القدرة التصنيعية المعقدة والمهارة ورأس المال، التي بدأت الولايات المتحدة، المنهمكة في حربين، في إعطائها حقها. «هذا لا يعني نهاية العولمة، أو نهاية التجارة، أو العودة إلى مذهب حماية الإنتاج القومي السابق للحرب العالمية الثانية»، هذا ما قاله آدم سيغال، العضو رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية، كما أنه متخصص في دراسة شؤون الصين. «كل ما يشعر به الصينيون هو أنه لم يعد لازما تحمل أن يملي آخرون عليهم كيفية إدارة اقتصادهم، وبصفة خاصة الولايات المتحدة».

قد يبدو السبب الظاهري للموت المفاجئ لمفاوضات اتفاقية التجارة التي انتهت الأسبوع الماضي، هو الصدمة العنيفة التي وجهتها الهند، التي لا يمكن لحكومتها الالتزام بزيادة فتح أسواقها الزراعية. وكانت هناك أسباب ظاهرة أخرى أيضا. لم يرد أحد أن يعقد صفقة مع رئيس أميركي منتهية ولايته. ووقفت الصين، التي ينفتح اقتصادها أكثر من الكثير من الدول، إلى جوار الهند. بالنسبة للصينيين، يتعلق الأمر كله بالاستقرار، ويعرب مزارعو الصين الفقراء، الذين يبدو أن الدولة تخشاهم، عن ضجرهم بما يكفي هذه الأيام.

ولكن في رأي تشارلين بارشيفسكي، الممثلة التجارية للولايات المتحدة في إدارة كلينتون، كان هناك سبب آخر أيضا: «لم يعد نموذج جولة المفاوضات العالمية» قابلا للتطبيق. فهذا لا علاقة له بالموضوع. فلديك تدفق تجاري حول العالم، في الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويتوقف كل شيء لعدة أعوام لأنك تتناقش في أمور تتعلق بالمنتجات الزراعية».

تفضل بارشيفسكي نهجا مختلفا تماما: توقيع عدد محدد من أصحاب الأدوار الكبرى على اتفاقيات محددة تتعلق بأهم الصناعات.

في التسعينات، عندما تمت تجربة هذا الأمر، لاقى قبولا لدى بعض الاقتصادات الناشئة الأكثر طموحا. ولكن بالنسبة لمراسل عاش في آسيا في فترة الثمانينات والتسعينات مغطيا أخبار نموها الاقتصادي، سيكتشف إذا عاد في رحلة إلى الصين أن القوة الاقتصادية شهدت تحولا كبيرا.

قبل أن يبتعد الاقتصاد الياباني عن مرحلة الخطر، كان هناك جدل دائر في آسيا حول ما إذا كان من الحكمة إتباع «النموذج الياباني»، بشركاته العملاقة، ووظائف مدى الحياة، وسيطرة الدولة على الصناعات الإستراتيجية، أو «النموذج الأميركي» حيث الأسواق التي لا تخضع لأية قيود.

عندما كان الاقتصاد الياباني في ارتفاع، كان مديرو الشركات الأميركيون يأتون لمعاينة مدينة تويوتا ودراسة أسلوب الصناعة المعروف باسم «حسب الطلب» لزيادة الفاعلية. وعندما وصل الاقتصاد الأميركي إلى ذروته في أواخر التسعينات، اتبع العالم طريق الرأسماليين المضاربين.

لا يوجد «نموذج صيني» واحد لتحقيق نمو اقتصادي كبير. ولكنه خليط. فقد استعار الصينيون من الأوروبيين واليابانيين مفهوم حماية الصناعات الضرورية. لذلك تعقد الدول صفقات بترول حصرية مع أفريقيا، ولكنها تبقي سيطرة غير محكمة ولكنها حديدية على المنافذ الإعلامية، وتتدخل بشدة ـ لدرجة إعدام عدد من الأشخاص، إذا لزم الأمر ـ لمواجهة الفضائح المتعلقة بالغذاء الفاسد أو السلع المعطوبة.

ولكن لاحظ الصينيون سريعا أن سقوط اليابان يرجع إلى حد ما، إلى عدم وجود ثقافة الابتكار لديها. وعلم الصينيون أنهم لا يريدون أن يظلوا يجمعون بضائع قليلة التكلفة لمدة طويلة، لذا يجربون عن طريق شركات مثل لينوفو. وهي شركة تصنيع كومبيوتر معقدة، وهي أيضا الشركة الصينية الراعية للأولمبياد. كما فاز تصميمها بمسابقة الشعلة الأولمبية، وهي رمز لصعود الصين إلى مرتبة مقاربة للقوى العظمى، والتي أيضا رمزت، أثناء جولتها حول العالم، إلى القمع الصيني لإقليم التبت وما وراء ذلك.

تصنع «لينوفو» أجهزة كومبيوتر محمولة ماركة ThinkPad، وقد حصلت عليها بشراء كافة عمليات الكومبيوتر الشخصية من IBM منذ عامين ونصف العام. لذلك ربما لا يكون من المفاجئ أن الشعلة، التي ترتفع وسط السحاب الأثير، تعطي شعورا مميزا بكومبيوتر محمول أنيق.

ينتج المعمل الذي صنع الشعلة، مجموعة جديدة من أجهزة الكومبيوتر المحمولة الخفيفة الأنيقة التي صممها مجموعة من الصينيين الشباب الذين أصبحوا متخصصين عالميين.

ولكن عندما سألتهم عن آرائهم في أن شعلتهم أصبحت رمزا ليس فقط لافتخار الصين، ولكن لمعارضتها، توقف عضو في فريق التصميم وقال: «نحن لا نتحدث كثيرا عن السياسة. فلدينا الكثير لنقوم به».

* خدمة «نيويورك تايمز»