صعوبات الاقتصاد الصيني قللت من ضغوط التضخم في أنحاء العالم

مخاوف مفاجئة بشأن تباطؤ الاقتصاد في الصين

عقدت اللجنة التنفيذية في الحزب الشيوعي اجتماعات لاستبدال الأهداف الاقتصادية السابقة بأخرى لمنع المزيد من التباطؤ («نيويورك تايمز»)
TT

كان العديد من الصينيين يتوقعون تباطؤا في الاقتصاد بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية، لكن هذا التباطؤ بدأ بالفعل قبل أن تبدأ الدورة.

وقد أفادت العديد من المصانع في الصين بأنها شهدت انخفاض الطلبات الجديدة خلال الشهر الماضي. وقد ازداد الطلب قليلا على التصدير. وكذلك فإن سوق العقارات تشهد حالة من الضعف حيث انخفضت أسعار الشقق في الجنوب الشرقي من الصين، وهي المنطقة التي شهدت عددا كبيرا من الأزمات الاقتصادية. وقد بدأ الشعور بهذه التطورات التي لا تتعلق في واقع الأمر كثيرا بدورة الألعاب الأولمبية (حيث إن دورة الألعاب الأولمبية التي تفتتح يوم الجمعة المقبل لا تقارن بحجم الاقتصاد الصيني) في جميع أنحاء العالم. ويعتبر تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني أحد عوامل انخفاض أسعار البنزين في الولايات المتحدة على سبيل المثال. وبالمثل، فإن الأسعار العالمية للمعادن مثل النحاس والقصدير والزنك والألومنيوم انخفضت بشدة خلال الأسابيع الماضية، حيث أغلقت المصانع الصينية أبوابها، أو قامت بتخفيض إنتاجها. وعلى الرغم من أن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد الصيني قللت من ضغوط التضخم في جميع أنحاء العالم، إلا أنه تهدد بمزيد من التباطؤ الذي يؤثر بالفعل على نمو الاقتصاد العالمي. ويقول هونغ ليانغ وهو اقتصادي صيني كبير في مؤسسة غولدمان ساكس: «إن الاقتصاد الصيني تباطأ كثيرا بالفعل لكنه سوف يواصل المزيد من التباطؤ».

ويتوقع خبراء الاقتصاد أن ينخفض معدل النمو من النسبة الحالية التي تبلغ 11 في المائة أو أكثر إلى 9 أو 9.5 في المائة خلال العام المقبل. ومعظم دول العالم تحسد الصين على هذا المعدل، لكن معدل النمو الذي يبلغ 9 في المائة في دولة مثل الصين من شأنه أن يجعل أمر حصول ملايين من الصينيين ـ الذين ينتقلون من الريف إلى المدن بحثا عن عمل ـ على وظائف، أمرا في غاية الصعوبة. ومن شأن أي تباطؤ في نمو الاقتصاد أن يعمل على إحداث أزمة للعمال الذين يحصلون على زيادات في رواتبهم كل عام، حيث تعاني الكثير من الشركات في العثور على ما يكفي من العمال للعمل في المصانع الخاصة بها.

وسوف تكون كيفية إدارة السلطات الصينية للتباطؤ الاقتصادي وتأثيره على حياة 1.3 مليار صيني، اختبارا للنظام الحاكم، ويبدو أن النظام يستجيب بسرعة لعلاج هذه الأزمة. وقد عقدت اللجنة التنفيذية في الحزب الشيوعي اجتماعات في 25 من يوليو (تموز) لاستبدال الأهداف الاقتصادية السابقة بأخرى جديدة، لمنع المزيد من التباطؤ الاقتصادي والتحكم في التضخم. وكما أعلن الرئيس هو جينتاو في لقاءات أخيرة، فإن الأهداف الآن تدور حول تسريع واستمرار النمو الاقتصادي مع الاستمرار في ضبط التضخم. وقد أفاد الرئيس في لقاء صحافي، من النادر عقده، يوم الجمعة الماضي بقوله: «يجب علينا أن نحافظ على النمو الاقتصادي والتطور السريع وعلينا أن نتحكم في ارتفاع الأسعار».

وبعد أن قام خبراء الاقتصاد الصينيون ببعض الإجراءات التي من شأنها الحد من النمو الاقتصادي خلال السنوات الخمس الماضية والتحكم في التضخم، فإنهم الآن يقومون بإزالة بعض هذه الإجراءات من أجل منع النمو الاقتصادي من أن يشهد المزيد من التباطؤ.

وعلى سبيل المثال، فبعد ترك العملة الصينية ترتفع بشكل غير مسبوق أمام الدولار في النصف الأول من العام الجاري، عمل البنك المركزي الصيني على خفض قيمة عملته أمام الدولار في الأيام الأربعة الأخيرة بما في ذلك الانخفاض الذي حدث يوم الاثنين بنسبة 0.13 في المائة. ومن شأن ذلك أن يساعد المصدرين الصينيين على الاستمرار في المنافسة داخل أسواق التصدير الأجنبية على الرغم من مخاطرة إغضاب الولايات المتحدة والشركاء التجاريين الآخرين. وفي الأيام العديدة الماضية، رفعت السلطات الصينية أيضا من ضرائب تصدير الملابس على الشركات ـ وهي الصناعة التي تعرضت للضعف بسبب التشريعات التي يضعها المشرعون الذين يرغبون في الاهتمام بالصناعات الأكثر تقنية. كما اتجه صانعو السياسات إلى تسهيل حدود قروض الائتمان من البنوك أيضا. ويعتبر انخفاض الطلب من جانب الولايات المتحدة خلال العام الماضي والآن من أوروبا جزءا من المشكلة الأخيرة في الصين. وفي مساء يوم الأحد، كان الميناء هنا نصف مليء بالحاويات، على خلاف ما كان عليه الحال دائما، وهو ما يعكس تباطؤ نمو الصادرات.

وقد كان ضعف الصادرات باديا على وجه الخصوص في صناعات السلع الخفيفة من الجنوب الشرقي في الصين، وهو أحد أهم منطقتين للتصدير في الصين، إلى جانب منطقة دلتا نهر يانغتسي حول شنغهاي. وفي شركة ينويان باغز لصناعة الحقائب في دونغوان التي تبعد نحو 40 ميلا باتجاه نهر بيرل عن هونغ كونغ، انخفضت المبيعات إلى الولايات المتحدة بنحو 20 في المائة خلال العام الماضي. ويقول جيم جيانغ وهو مدير مبيعات الشركة: «كان علينا أن نخفض طلباتنا كذلك للموردين المحليين الذين يقدمون لنا المواد الأولية مثل النيلون والبوليستر».

وقد خفضت شركة جاي دي باور من توقعاتها لمبيعات السيارات في الصين خلال هذا العام إلى 5.95 مليون سيارة ـ بارتفاع طفيف عن العام السابق الذي بلغت المبيعات فيه 5.42 مليون، ولكن بانخفاض عن توقعات سابقة بوصول المبيعات إلى نحو 6.2 مليون. وهناك علامات أخرى على تباطؤ الاقتصاد الصيني حيث تشهد سوق العقارات حاليا ضعفا بعد سنوات من ارتفاع الأسعار الذي قد يسبب فقاعة اقتصادية محتملة. ومرة أخرى، يبدو الضعف ظاهرا في جنوب الصين. وقد أفاد مين هوا وهو سمسار عقارات في شانزهين، وهي مدينة يسكنها نحو 12 مليون نسمة على الأقل بالقرب من هونغ كونغ، بأن أسعار العقارات السكنية قد انخفضت بنسبة 10 في المائة خلال العام الماضي في المناطق التي تشهد رواجا كبيرا حول وسط المدينة وانخفضت بنسبة بلغت 40 في المائة في المناطق البعيدة. ويقول: «لقد شهدنا عددا قليلا من المشترين خلال الأشهر القليلة الماضية»، وهناك عدد قليل من المقاطعات مثل شاندونغ وشانزي التي تشهد نقصا في إمدادات الطاقة. ويجبر هذا النقص تلك المصانع على تقليل ساعات العمل بسبب نقص الفحم الذي يستخدم في إمداد العديد من مصانع الطاقة التي تم افتتاحها في السنتين الأخيرتين. ويمثل عدد السكان في بكين أكثر قليلا من 1 في المائة من تعداد الشعب الصيني وأقل قليلا من نحو 5 في المائة من الناتج القومي، ولذلك فمن غير المتوقع أن يؤثر الإنفاق المتزايد في منطقة بكين على المواقع الأولمبية في رفع النمو خلال الأشهر الماضية أو في خفض النمو مع انتهاء عمليات البناء الآن. لكن الخوف من التباطؤ الاقتصادي بعد دورة الألعاب الأولمبية أصبح جزءا من الثقافة العامة في الصين، وموضوعا يحظى بأهمية كبيرة بين المستثمرين في سوق الأسهم التي انخفضت بأكثر من النصف بعد الارتفاع القياسي الذي حدث في شهر أكتوبر (تشرين الأول).

ويبدو أن الزلزال الذي وقع في مقاطعة سيشوان خلال شهر مايو (أيار) الماضي لم يؤثر كثيرا على الاقتصاد، بل ربما يكون قد ساعد على نمو الاقتصاد مع اتجاه المدن إلى إعادة البناء من خلال حصولها على المزيد من المساعدات الحكومية.

وبصورة أكثر شمولا، فإن الاستثمارات الصينية الضخمة في بناء طرق وموانئ وخطوط سكك حديدية جديدة وغيرها من شبكات المواصلات، بدأت في كسب المزيد من الأرباح التي يمكن أن تساعد الاقتصاد على النمو. وما زال الاستثمار الأجنبي يتجه إلى الصين ويزداد توجيهه إلى صناعات التقنية العالية على الرغم من أن بعض البلاد الآسيوية الأخرى ما زالت تجذب المزيد من الاستثمارات أيضا. ويقول كريس ويدورد وهو مدير تنفيذي في ريدر الصين وهي من أكبر الشركات التي تعمل في مجال شحن قطع غيار السيارات إن الشركات الأميركية ما زالت تتوسع في الصين على الرغم من انخفاض الصادرات الصينية، ويقول: «لقد توجه قدر كبير من الاستثمار إلى البنية التحتية وهي ليست مجرد البنية التحتية المادية وإنما هي تدريب وتطوير الأفراد».

* خدمة «نيويورك تايمز»