وزير التجارة الخارجية المغربي: اقتصاد المغرب يمر بمرحلة استدراكية مع السياسات التصنيعية للحكومة

عبد اللطيف معزوز قال إن عجزه التجاري غير مرض لكن لا يقلقه

TT

شبلغ العجز التجاري للمغرب خلال الاشهر الستة الأولى من السنة الجارية 43.94 مليار درهم (6.02 مليار دولار)، وعرف ارتفاعا بنسبة 71.8% مقارنة مع مستواه خلال نفس الفترة من العام الماضي، حسب الإحصائية الشهرية التي أصدرها مكتب الصرف المغربي (مكتب تحويل العملات) أخيرا. وتراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات خلال نفس الفترة من 80.8 في المائة عام 2007 إلى 73.7 في المائة خلال السنة الجارية.

وساهم ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة 5 في المائة، والتي بلغت 25.8 مليار درهم (6.3 مليار دولار) في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، في التخفيف من أثر العجز التجاري على ميزان الأداءات الخارجية، فيما عرفت الاستثمارات الخارجية خلال هذه الفترة استقرارا نسبيا، إذ بلغت 17.5 مليار درهم (2.4 مليار دولار) وعرفت تراجعا طفيفا بنسبة 0.9 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.

وأسفرت أداءات المغرب مع الخارج خلال فترة الستة أشهر الأولى من السنة عن ارتفاع الموجودات الخارجية لمعهد الإصدار المغربي بنسبة 4.2 في المائة، إذ بلغت 195.4 مليار درهم (26.8 مليار دولار). وعلق وزير التجارة الخارجية عبد اللطيف معزوز في حديث لـ «الشرق الأوسط» في الدار البيضاء على مستوى العجز التجاري للمغرب، قائلا بأنه غير مرض، ووصفه بالعادي في ظل ارتفاع أسعار النفط. وأضاف أن هذا العجز لا يقلقه لأنه يرجع في جزء مهم منه إلى ارتفاع الواردات التجهيزية التي تعتبر مؤشرا على ديناميكية الاقتصاد المغربي.

وقال معزوز، إن الاقتصاد المغربي يمر بمرحلة استدراكية في مجال الاستثمارات والتصدير بارتباط مع السياسات التصنيعية الإرادية التي تنهجها الحكومة. وأوضح أن الواردات التجهيزية التي تثقل اليوم كاهل الميزان التجاري، ستعطي أكلها قريبا، عندما تتحول إلى استثمارات ومشاريع منتجة. وفيما يلي نص الحوار:

> كيف تنظر إلى المستوى الذي بلغه عجز الميزان التجاري المغربي؟

ـ يمكن القول بأنه غير مرض، ولكن في نفس الوقت أعتقد أنه عادي، نظرا للظرفية التي نعيشها، فالعجز التجاري هو الفرق بين الصادرات والواردات. فمن جانب الواردات نلاحظ أنها تعرف تطورا جيدا لم يعرف المغرب مثله منذ سنوات. فخلال فترة ما بين سنة 2000 وسنة 2007 عرفت صادراتنا نموا بنسب تفوق 10 في المائة في العام. واليوم نلاحظ أن الصادرات المغربية ارتفعت بنسبة 14.7 في المائة خلال النصف الأول من السنة الحالية مقارنة بنفس الفترة من سنة 2007. وهذا شيء إيجابي ومؤشر قوي على ديناميكية الاقتصاد المغربي. ولكن الملاحظ، مع الأسف، أن الواردات ارتفعت بوتيرة أقوى، وبلغت نسبة ارتفاعها 25.6 في المائة خلال النصف الأول من السنة، نظرا للعوامل التي يعرفها الجميع. ولكني سأقف عند الرقم الاساسي، ألا وهو العجز التجاري الذي بلغ 43.94 مليار درهم (6 مليار دولار) في نهاية يونيو، والذي عرف ارتفاعا بنسبة 71.8 في المائة مقارنة بالمستوى المسجل خلال نفس الفترة من العام الماضي. فزيادة العجز التجاري خلال هذه الفترة بلغت 18.36 مليار درهم (2.5 مليار دولار)، وهو رقم مرتفع، ولكن يجب أن نسجل بأن هذا المبلغ يتضمن 10.64 مليار درهم (1.5 مليار دولار) ناتجة عن ارتفاع قيمة وارداتنا من الطاقة، بالإضافة إلى 6.1 مليار درهم (822 مليون دولار) الناتجة عن زيادة قيمة وارداتنا من المنتجات التجهيزية.

بالنسبة للجزء الناتج عن ارتفاع فاتورة الطاقة ليس لدى المغرب ما يفعله سوى ترشيد استهلاكه والتكيف مع الوضع الجديد لارتفاع أسعار الطاقة. وكما رأيتم قامت الحكومة بإطلاق عدة برامج في هذا الاتجاه. أما بالنسبة للارتفاع الناتج عن زيادة وارداتنا من السلع التجهيزية، فهذا شيء جيد نحمد الله عليه لأنه يؤشر على حيوية الاقتصاد المغربي، ونمو الاستثمار، وبالتالي يقوي الأمل في آفاق جيدة في المستقبل عندما تعطي هذه الاستثمارات أكلها. وهذا التوجه تؤكده أيضا وتيرة نمو وارداتنا من المنتجات النصف مصنعة، والتي ارتفعت بنسبة 15.9 في المائة خلال النصف الأول من السنة الحالية، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. لذلك أنا غير قلق من حدة العجز التجاري، وأنظر بتفاؤل لمستوى الاستثمارات الواعدة بمستقبل أفضل. فالاقتصاد المغربي يجتاز حاليا مرحلة استدراكية في الميدان الاقتصادي. ويمكن القول إنه يستورد حاليا بكثافة المنتجات النصف مصنعة في انتظار استكمال سلسلة القيمة بالنسبة للقطاعات التي نخطط لتطويرها عبر اعتماد سياسة إرادية جريئة. وكمثال على ذلك يمكن أن نسوق صناعة السيارات التي تعرف اليوم تطورا مهما في المغرب مع دخوله أخيرا إلى نادي مصدري السيارات في العالم. فنسبة 60 في المائة من المكونات التي تضمها السيارات التي يصدرها المغرب اليوم تأتي من الخارج، وحصة المغرب في القيمة المضافة لهذه السيارات لا تتجاوز اليوم 40 في المائة. لكن في أفق 2011 نخطط لعكس هذه المعادلة ولتصبح حصة المغرب 60 في المائة من القيمة المضافة للسيارات التي يصدرها. فمصنع «رونو» في طنجة (شمال المغرب) بدأ يشكل قطب اجتذاب للاستثمارات في مكونات السيارات، وبدأ يتكون نسيج من الصناعات التجهيزية المرتبطة بصناعة السيارات في منطقة طنجة.

> يلاحظ بعض المحللين الاقتصاديين المغاربة على الحكومة غياب سياسة تصديرية حقيقية، ويعلقون عليها بأنها تنتهج خطابا تصديريا أكثر مما تعتمد سياسة تصديرية. فما هو تعقيبكم على هذه الانتقادات؟

ـ ربما كان ذلك في الماضي، فمثل هذا الكلام أصبح اليوم متجاوزا، لأن المغرب اعتمد مند أربعة سنوات سياسة تصديرية واضحة المعالم، وذلك في إطار استراتيجيات قطاعية دقيقة. فالحكومة قامت أولا بتشخيص إشكالية التصدير في المغرب، ووجدت بأن هذه الإشكالية تتمحور بشكل أساسي حول الإنتاج. كان علينا أولا أن نوفر إنتاجا قابلا للتصدير بالكميات والجودة المطلوبين، وهكذا جاءت السلسة الأولى من السياسات القطاعية الإرادية التي اعتمدتها الحكومة والرامية إلى الرفع من مستوى الإنتاج وتنويعه مع التركيز على الفروع التي يتوفر فيها المغرب على ميزات تنافسية مؤكدة. ومن بين هذه السياسات التي بدأت تعطي أولى ثمارها «مخطط الانبثاق» للنهوض بالصناعة، و«المخطط الأزرق» للنهوض بالعرض السياحي للمغرب، وأخيرا «المخطط الأخضر» لتطوير الإنتاج الزراعي. وبالموازاة مع ذلك أطلقت الحكومة برنامج السلسلة الثانية المتعلقة بتطوير التجهيزات الصناعية واللوجستيكية، بما في ذلك إعداد مناطق الأنشطة وبنيات الاستقبال الملائمة للقطاعات الإنتاجية المستهدفة، وتطوير وسائل الاتصالات والنقل والتجهيزات الاساسية من موانئ وطرق برية وسكك حديدية. والآن نحن بصدد استكمال هذه السلسلة عبر إعداد المخطط المديري للوجستيك ،الذي سيصدر قريبا. أما السلسلة الثالثة والأخيرة من هذه السياسات فتتعلق بالتسويق، فاليوم أصبحت لدينا رؤية واضحة حول المنتوج الذي نرغب في تسويقه، بالتالي أصبح من السهل البحث عن الأسواق التي سنذهب إليها بهذا المنتوج. وهنا أود الإشارة إلى أن المغرب دشن هذه السلسلة الثالثة بعملية جريئة كثيرا، تتمثل في التوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة التي تربطنا اليوم مع 55 دولة، والتي تضم ما يناهز مليار مستهلك. فهذه سوق مهمة بالنسبة للمقاولة المغربية. صحيح أن نتائج هذه الاتفاقيات قد تكون عكسية إلى حد ما لأن العرض المغربي لايزال في طور الإعداد، ولكن في المستقبل القريب ستصبح كل هذه البلدان سوقا مهمة للمنتجات المغربية. ونحن اليوم بصدد إجراء دراسة ستعطينا تشخيصا دقيقا لكيفية ولوج هذه الاسواق، وبأية منتجات وأسبقيات، والتي ستساعدنا على تحديد الأهداف والأولويات بالنسبة لكل سوق على حدة. ونتيجة لهذه الدراسة التي ستصدر قبل نهاية العام الحالي، سوف يتوفر المغرب على خارطة طريق حول كيفية الحضور في الاسواق المستهدفة وبأية وسائل انطلاقا مما هو موجود لدينا من منتجات وما هو في طور الإنجاز.

> يبدو من تجربة بعض المستثمرين أن اتفاقيات التجارة الحرة لا تفي دائما بوعودها. فعلى سبيل المثال، وضعت مجموعة «رونو» الفرنسية لصناعة السيارات نصب عينيها، عند استثمارها في شركة «صوماكا» المغربية، الفرص التصديرية المتاحة في إطار اتفاقية أغادير للتجارة الحرة بين المغرب ومصر وتونس والأردن. إلا أنها واجهت صعوبات في ولوج هذه الأسواق رغم دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التطبيق. ماهو تعليقكم؟

ـ أود أن أوضح أولا أن الاسواق المستهدفة من قبل استثمارات صناعة «رونو» في المغرب لا تقتصر على بلدان اتفاقية أغادير وحدها. لأنه لا يمكن تسويق 400 ألف سيارة المرتقب انتاجها من طرف «رونو» في المغرب في هذه الدول الأربع وحدها. أما بالنسبة لشركة «صوماكا» فقد واجهت فعلا بعض المشاكل في تسويق سياراتها في إطار اتفاقية أغادير، خاصة في السوق المصرية. واليوم يمكن أن أؤكد لكم بأن هذه المشكلة لم تعد موجودة، وأصبح بإمكان «صوماكا» تسويق منتجاتها في السوق المصرية. فالكرة اليوم عند «صوماكا»، وهي التي يجب أن تنتج.

> ما هي طبيعة المشكلة التي واجهتها «صوماكا»، وكيف تم حلها؟

ـ المشكلة التي صادفناها تتعلق بقراءة مصر لاتفاقية أغادير. لأن الخاصية الأساسية لاتفاقية أغادير هي ارتكازها على مبدأ تراكم المنشأ بين الدول الأربع المشاركة في الاتفاقية بالإضافة إلى 27 دولة مندمجة في الاتحاد الأوروبي، فالاتفاقية تشترط لكي تسري بنود التجارة الحرة على بضاعة معينة أن يكون مصدر 60 في المائة من القيمة المضافة لهذه البضاعة في دول اتفاقية أغادير زائد الاتحاد الأوروبي، أي 31 دولة. والاعتراض المصري كان يرتكز على أن اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوروبي لم تدخل بعد حيز التنفيذ. إن الحل الذي وجدناه لهذه المعضلة هو البرهنة على أن المنتوج المغربي يتضمن كمية من القيمة المضافة محليا تؤهله لولوج السوق المصرية. وجاء الخبراء المصريون وتأكدوا بأنفسهم من أكثر من 40 في المائة من القيمة المضافة للسيارات المصنعة في المغرب ذات مصدر محلي.

> باستثناء قطاع صناعة السيارات، ما هي القطاعات التصديرية الأخرى، التي يعول عليها المغرب مستقبلا؟

ـ كل القطاعات التي يشملها مخطط «انبثاق»، انطلاقا من الحرف التقليدية، وصولا إلى صناعة الطائرات، بالإضافة طبعا إلى القطاع الزراعي. وهناك أيضا بعض الفروع الصناعية الصاعدة والتي لدينا فيها سياسة إرادية لتطويرها، وأبرز مثال على ذلك قطاع إنتاج البطاقات الالكترونية الذكية، اذ تمكن فيه المغرب حاليا من ولوج أكثر من 40 سوقا دولية بما في ذلك اليابان. سياستنا تعتمد على التنويع المعقلن للمنتجات من دون الوقوع في التشتت نظرا لمحدودية الإمكانيات. فكل سوق تأتي بخصوصياتها. فعندما نذهب إلى سوق مستهدفة من قبل المنتجات التي لدينا لها مخطط، قد نكتشف إمكانيات جديدة في تلك السوق تستدعي منا تطوير منتجات جديدة لم تكن مدرجة في مخططاتنا. عند ذلك وحسب الإمكانيات نحاول التأقلم مع ما يتطلبه تثمين تلك الإمكانيات.

> لنعد إلى الواردات. فمهما تطورت الصادرات فإن ارتفاع وتيرة الواردات يقوض الإنجازات في مجال التصدير. فما هي سياسة الحكومة المغربية للتحكم في الواردات؟

ـ أعتقد أن أول وسيلة لترشيد الواردات هي الإنتاج الوطني. عندما يكون لدينا انتاج وطني كاف وتنافسي ستتقلص الواردات. ونحن كوزارة نقوم بإعداد مجموعة من النصوص التي يسمح لنا بها القانون الدولي والمعاهدات الدولية من أجل التحكم في الهجومات التي يمكن أن تتعرض لها السوق المغربية من الخارج. ومن ناحية أخرى نخطط لإطلاق خطة إعلامية من أجل المنتوج الوطني، لكي نصالح المغاربة مع المنتوج الوطني.

> ومادا بشأن إشكالية الطاقة؟

ـ هناك سياسة حكومية في ما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة والاقتصاد فيه، وهناك العديد من البرامج المحكمة، والتي تم إطلاقها في هذا الصدد. كما تقوم العديد من الشركات الدولية بالبحث عن الطاقة داخل المغرب. وهناك كذلك اهتمام كبير للمستثمرين بتطوير الطاقات المتجدد والبديلة في المغرب، وأعتقد أن المفاجأة ستكون في هذا المجال عما قريب.