لبنان: فورة أكلاف البناء عالية عززتها احتكارات الحديد الخمسة

نقيب مهندسي بيروت: متر «الهواء» المربع في بيروت وصل إلى 6 آلاف دولار

TT

أكد نقيب مهندسي بيروت بلال العلايلي لـ «الشرق الأوسط» ان سعر متر «الهواء» المربع في بيروت وصل الى 6 آلاف دولار بسبب وفرة الطلب وندرة العقارات غير المبنية. واعتبر ان فورة أسعار الشقق عالمية ولكنها أخذت بعداً آخر في لبنان بفعل الاحتكار. وتوقع المزيد من الارتفاع إذا استمرت أسعار المواد الأولية في التصاعد والاختلال الكبير في أسعار صرف العملات الرئيسية. وفي ما يلي حوار مع النقيب الذي انتخب حديثاً على رأس النقابة.

وحول تفسير العلايلي للارتفاعات القياسية وغير المسبوقة في أسعار الشقق السكنية، قال انه لا بد من الاعتراف أولا بان كل مواد البناء ارتفعت أسعارها من بلد المنشأ، وعلى المستوى العالمي، بفعل الطلب المتزايد على هذه المواد، وضعف الدولار الاميركي، وارتفاع سعر اليورو بشكل لم يسبق له مثيل. وتابع: وإذا كان ارتفاع سعر الترابة مقبولاً فلأننا ننتج حاجاتنا محلياً، ولكن المواد الأخرى المستوردة خضعت لزيادات كبيرة، ولاسيما الحديد الذي ارتفعت كلفته بين فبراير (شباط) وابريل (نيسان) من العام الحالي 19% وفق المؤشر الفرنسي الذي يعتمده مجلس الإنماء والاعمار، في حين ارتفع فعلياً عندنا الى 35%.

وهل من سبب ملموس لذلك؟ اجاب «بالتأكيد، هناك خمسة تجار في لبنان يستوردون هذه المادة، وهم يتحكمون في السوق وفق شروطهم. وحتى لو اتيح الاستيراد لتجار جدد، فان الموردين أنفسهم سيمتنعون عن التعاون مع هؤلاء، لأنهم ملتزمون بوكلائهم. ولكن هذا الارتفاع «الاحتكاري» لمادة الحديد ليس هو كل المشكلة. فهناك عوامل أخرى عديدة تدفع الاسعار في اتجاه صعودي متواصل».

ورغم تأكيده ان ظروف لبنان مختلفة، لكنه شدد على انه طالما ان الطلب متواصل على البناء، فلا بد للأسعار من ان ترتفع. ولو لم يكن هناك طلب لما كانت هذه الفورة في البناء برغم الفورة في الاسعار. ويكفي ان نسترشد، والكلام للعلايلي، بأرقام نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس، إذ سجلت في العام 2007 تراخيص ببناء 7 ملايين متر مربع. أما اليوم، فقد سجل من مارس (آذار) حتى الآن تراخيص بناء أكثر من 3 ملايين متر مربع، منها مليونا متر مربع قيد الإنشاء.

وأشار إلى أنه يتوقع صعود الاسعار إذا استمرت أسعار المواد الأولية في الارتفاع وإذا استمر الاختلال الكبير في أسعار صرف العملات الرئيسية. ولاسيما الارتفاع الكبير في أسعار النفط. وثمة دراسات تتوقع بلوغ سعر البرميل 200 دولار، ولكن هناك دراسات أخرى تتوقع عودة هذا السعر الى نحو 110 دولارات في الربع الأخير من العام الحالي. وفي هذه الحال قد نشهد هدوءاً في السوق العقاري، سواء على مستوى البناء او على مستوى الأرض. ومهما بلغت الاكلاف والأسعار تبقى هناك شرائح عديدة قادرة على الشراء، ولاسيما منهم العاملون في الخارج، وبالأخص في دول الخليج العربي طبقا لما قاله الخبير اللبناني.

وقال العلايلي: هناك نسبة عالية من الاكلاف ثابتة، ولا تستطيع الدولة فعل شيء إزاءها. وحتى لو خفضت الضريبة على القيمة المضافة وبعض الرسوم، فإنها لن تقوى على معالجة المشكلة بالشكل المطلوب. كل ما يمكنها فعله هو التصدي لبعض الاحتكارات بما يوائم بين الزيادة في الاسعار الخارجية والاكلاف الحقيقية، بحسب قوله.

وحول كيفية تدخل الدولة، قال نقيب مهندسي بيروت علينا ألا نفرط بما تبقى من المشهد الجمالي المديني لمدينة بيروت. فهناك الكثير من المخالفات المشوهة أصبحت امراً واقعاً بعد تسويقها. وهناك الاختناق الكبير في السيارات. فلنتأمل لو ان وسط بيروت عمّر بالكامل، ثم زدنا عوامل الاستثمار فيه. فهل تستطيع ان تدخل سيارة إليه. وفي اعتقادي ان الدولة يمكنها ان تضبط الاسعار من خلال وضع مؤشر محلي لها بدلاً من اعتماد المؤشرات الأجنبية.

وحول الهدف من وراء قرار نقابة المهندسين وقف الاشتراك في مناقصات الدولة المتعلقة بالمشاريع الإنشائية، أوضح العلايلي: نحن لم نتوافق مع مجلس الإنماء والاعمار على المعايير التي اعتمدها لوضع المؤشر لأنها تضع المتعهد او المقاول دوماً في حالة خسارة، واستغرب كيف قبلت بها نقابة المقاولين، باعتبار انه من الأفضل ان يحتفظ المقاول بأمواله في جيبه، من ان ينخرط في مناقصات القطاع العام. الاسعار تتغير باستمرار. فالمازوت مثلاً ارتفع بنسبة 60% في ستة اشهر، فضلاً عن الحديد، والحفريات، واليد العاملة.

وهل يمكن القول ان قرار النقابتين لا يشمل مناقصات القطاع الخاص؟ قال العلايلي، بالطبع، القرار لا يشمل القطاع الخاص، لأن المتعهد يتقاضى سلفة على المشروع تبلغ نحو 20% يستطيع بواسطتها ان يحجز كل المواد الأولية التي يحتاج إليها في مشروعه. وفي كثير من الأحيان يأخذ الطرفان فروقات الاسعار بعين الاعتبار من دون الحاجة الى مراجعات تبدأ ولا تنتهي كما هي الحال في القطاع العام. نحن نعتقد ان قاعدة مراجعة الاسعار يجب ان تكون الغاية منها المحافظة على ربح المتعهد، وليس التقليل من خسارته، كما هي الحال مع القاعدة التي توافق عليها مجلس الإنماء والاعمار مع نقابة المقاولين بحسب ما أفاد به.

وفيما يتعلق بشروط النقابة للعودة عن قرار مقاطعة مناقصات القطاع العام، أكد العلايلي انه «يجب ان نعلم ان قرار المقاطعة أوقف على الأقل خسارة المتعهدين. ولكي نعود عن هذا القرار، يجب حل مشكلة قواعد مراجعة الاسعار، ومن ثم حل مشكلة المتأخرات عن الفترة الممتدة من العام 2002 وحتى 2007. ونحن ندرك ان قرارنا سينعكس سلباً على قطاع المقاولات بصورة خاصة والاقتصاد الوطني بصورة عامة، من هنا ينبغي تفهم مطالب النقابتين من اجل الانطلاق في تنفيذ المشاريع البالغ عددها حالياً 300 مشروع».

وحول ما يقال ان هناك ظاهرة جديدة في قطاع البناء أفرزتها فورة الاسعار الحالية، وهي تقضي بقبض دفعة أولى من المشتري على ان يتم الاتفاق على السعر عند التسليم، وانها تسبب حدوث مشكلات مثلما التي أحدثتها ظاهرة البيع على الخريطة في وقت من الأوقات. رد الخبير اللبناني بالقول: في كلتا الظاهرتين تحصل مشكلات. ففي ظاهرة البيع على الخريطة قد تباع الشقة الواحدة من أكثر من زبون، ثم يجمع صاحب المشروع أموال الدفعات الأولى ويغادر البلاد، وقد حصلت حوادث كثيرة من هذا النوع، او ان صاحب المشروع لم يلتزم بشروط العقد العادي. وفي الظاهرة الأخرى تكون المشكلات أدهى، خصوصاً في زمن فورات الاسعار، لأن الفارق بين الدفعة الأولى والتسليم قد يمتد سنتين، ومثل هذه الظاهرة شكلت أزمة كبيرة في الجزائر.