أميركا لا تتجه إلى «الكساد الكبير»

رغم أن الاقتصاد يتلقى اللكمات الواحدة تلو الأخرى

القطاع العقاري ساهم في تعميق الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة
TT

بصورة عامة، يتفق معظم خبراء الاقتصاد البارزين على أن الولايات المتحدة لا تتجه إلى مرحلة «كساد كبير»، حتى لو استمر الوضع الاقتصادي في التردي.

وقد أشار ثمانية اقتصاديين بارزين في مقابلات أجريت معهم إلى أن الحكومة في الولايات المتحدة تلعب دورا أكبر في السعي من أجل التقليل من آثار الركود الذي يعاني منه قطاع الإسكان والخسائر التي تتكبدها المؤسسات الاقتصادية والزيادة التي تشهدها الولايات المتحدة في معدلات البطالة. أضف إلى ذلك، فإن الأوضاع نفسها ليست على نفس الدرجة من السوء التي كانت إبّان «الكساد الكبير». ويقول ريتشارد باركر، وهو زميل بارز في مركز «شرونستين» بجامعة هارفارد: «في الوقت الحالي، الحكومة أكبر وهي تلعب دورا رئيسيا. وفي المقابل لم يكن لدى الحكومة إبّان فترة الكساد الكبير الوسائل أو القدرة على حماية الاقتصاد». ولكن ثمة تباين بين وجهات نظر الاقتصاديين، الذين يتنوعون بين أكاديميين وباحثين محافظين وليبراليين، حول إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا التراجع الاقتصادي، والذي يتأثر بصورة أساسية بأسوأ وضع لقطاع الإسكان منذ فترة «الكساد الكبير».

من جانبه، يقول لورانس ميشل، رئيس معهد السياسات الاقتصادية وهي منظمة بحثية ليبرالية في واشنطن: «أعتقد أننا سنشهد طلبا ضعيفا على العمالة، وبالتبعية تراجعا في مستويات المعيشية بالنسبة لأغلبية المواطنين الاميركيين على مدى عدة أعوام». ويضيف: «يخسر المواطنون وظائفهم. إنهم يعانون من مشكلتين حيث يقل النمو في الأجور في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات التضخم، وبذلك يخسر المواطنون في كلا الاتجاهين». ولكن، يرى آخرون أنه من المحتمل أن يشهد الاقتصادي الاميركي نموا خلال النصف الثاني من العام الجاري على الرغم من وتيرة التراجع الحالية. ويقول تشارلز كالوميريس، وهو أكاديمي زائر في «معهد المشاريع التجارية الاميركي» المحافظ بواشنطن: «عندما تقرأ العنوان الرئيسي في المجلات والصحف وتنظر للعالم من حولك تحس أن النهاية قد أوشكت، ولكني لا أعتقد ذلك».

وقد بدأ كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الاميركية في التدخل في الأوضاع الحالية، حيث قام «الاحتياطي الفيدرالي» بخفض معدل التمويل الفيدرالي إلى 2 في المائة، مقارنة بـ5.23 في المائة في أغسطس (آب) الحالي، على الرغم من أنه ترك المعدلات دون أن يدخل عليها أي تغير في اجتماعه يوم الثلاثاء. وفي مارس (آذار) الماضي قامت الحكومة بإعداد خطة إنقاذ لـ«بير ستيرنز» عندما أصبح من الواضح أن البنك الاستثماري على وشك الانهيار. وخلال الشهر الماضي، وافق الكونغرس على تشريع يتضمن على قروض لأصحاب المنازل الذين يواجهون أحكاما بنزع الملكية ومن المحتمل أن يتم تقديم بعض المساعدات إلى عمالقة الرهن العقاري «فاني ماي» و«فدردي ماك». وألقى معظم الاقتصاديين الذين أجريت معهم مقابلات باللائمة على آلن غرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في الفترة من 1987 حتى 2006، وذلك بسبب عدم ميله للتعامل بحزم مع الزيادة في أسعار الإسكان. ويقول غرالد أودريسكول، الذي كان يعمل نائبا لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس في الفترة من 1982 حتى 1994: «ليس الأمر كله معلق بمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ولكنه جزء كبير من المشكلة». ويضيف أورديسكول، وهو في الوقت الحالي زميلا بارزا في معهد «كاتو» البحثي الليبرالي: «لقد أتاح لتك المخاطر كي تقع، والدرس الذي نتعلمه هو أنه لا يمكن أن نسمح لتلك المخاطر أن تستمر من دون أن نتعامل معها ومن دون أن تكون هناك سياسة للتعامل معها».

ويقول الاقتصاديون إن اللائمة يجب أن تلقى أيضا على آخرين وعلى رأسهم المستثمرين والبنوك وهيئات التقييم ومعهم الرئيس الحالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي، وإدارات الرئيسين بوش وكلينتون. ويقول دين باكر، وهو مدير مشارك في مركز أبحاث السياسات والأبحاث الاقتصادية الليبرالي: «كانوا يعتقدون أن من الجيد أن يظل سوق الأسهم في ارتفاع مستمر. بعد ذلك، بالطبع، قامت وول ستريت بما تحب. إنه مزيج من اللامسؤولية والجشع بكل ما تحمل الكلمة من معان».

ويتفق الاقتصاديون على أن تلك المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد كان من الممكن تجاوزها، إذا ما كان لدى اللاعبين المشاركين نظرة أكثر واقعية بشأن المستقبل. وقد تفاقمت المشاكل الاقتصادية بسبب عدم تماشي متوسط الأجور مع معدلات التضخم، في الوقت الذي أخذت فيه البطالة تزحف بصورة أكبر، حيث ما زالت البطالة تبلغ 5.7 في المائة، في الوقت التي كانت تبلغ ربع القوة الاميركية العاملة في عام 1933. كما خسر الاقتصاد ثلث قيمته في الفترة من 1929 حتى 1933. ويشبه بيتر كابلي، أستاذ الإدارة بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، الوضع الاقتصادي بلاعب الملاكمة، حيث يقول: «تتوالي عليه اللكمات ولا فرصة لديه كي يلتقط أنفاسه، لو توقفت اللكمات ولو لثانية لكان من الممكن أن يلتقط الاقتصاد أنفاسه ويلملم من نفسه».

ويرى الاقتصاديون المحافظون أن قوى السوق سوف تلعب دورا كبيرا في رفع مستوى الاقتصاد. ويقول جاي دي فوستر، زميل بارز في مؤسسة «هريتادج» والمحافظة بواشنطن: «سيتعافى الاقتصاد ولكن ليس بفضل الإدارة في واشنطن، فليس هناك الكثير الذي يمكن أن تلعبه السياسة في هذا الأمر».

ويقول تشارلز كالوميريس: «نحتاج إلى بعض اللوائح، لوائح أكثر ذكاء، حتى نمنع سوء استخدام شبكة الأمان، ولكن في أول الأمر نريد أن نصلح من اللوائح التي تعاني من بعض المشاكل».

ولكن، يرى الاقتصاديون الليبراليون أننا في حاجة إلى مزيد من اللوائح الحكومية والسياسات والمفاوضات الدولية وأسعار أقل للسلع واستقرار في القطاع المالي، بما في «فاني ماي» و«فريدي ماك». ويتفق جميع الاقتصاديين على أن المسؤولين يجب أن يكونوا أكثر اهتماما بـ«فاني وفريدي». ويقول أودريسكول من مؤسسة كاتو: «الجميع لا يكترث للوضع، فقد رفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي متعمدا تنظيم قطاع الرهن العقاري على عكس ما كان من المفترض أن يقوم به. أنا لست من المؤيدين المتحمسين للنظم الحكومية، ولكن في بعض الأحيان يكون في استطاعة الحكومة القيام ببعض المساعدة، وفي تلك الحالات عليها أن تقوم بذلك».

ويقول باركر من هارفارد: «التذبذبات الكبيرة تجعل من الصعب على الأسر الاميركية أن تحسن من مستوى معيشتها. هناك حاجة إلى عقد توازن بين مساحة الحرية والآمان الذي يجب أن ينعم به المواطنون، تلك هي الديمقراطية، ولكن علينا أن نختار بين ديمقراطية يتحكم فيها السوق وأسواق تتحكم فيها الديمقراطية».

* خدمة «نيويورك تايمز»