دراسة: دول الخليج تواجه تحديات كبيرة في عملية تنويع اقتصادها

قالت إن القطاعات الاقتصادية والإنتاجية تتصف بانخفاض الأداء فيها

TT

أفادت دراسة متخصصة، بان دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على تحويل اقتصادياتها من اقتصاديات قائمة على سلعة واحدة إلى اقتصاديات قائمة على التنوع والقوة، إلا انها تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال. وقالت الدراسة، التي تلقت «الشرق الأوسط» أمس الأحد نسخة منها، واجرتها شركة بوز آند كومباني لتقييم التنوع الاقتصادي والاستدامة الناتجة عنه، انها تقوم على عقد مقارنة بين اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي واقتصاديات مجموعة الدول السبع الكبرى والاقتصاديات التحويلية في كل من هونغ كونغ وآيرلندا ونيوزيلندا والنرويج وسنغافورة وكوريا الجنوبية. ووفقا لما أوضحه ربيع أبو شقرا، مدير أول بشركة بوز آند كومباني، «فإن دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، والقائم اقتصادها على المنتجات الهيدروكربونية، التي يعتمد اقتصادها اعتمادا أساسيا على النفط والغاز، تواجه تحديات كبيرة في عملية تنويع اقتصادها، وعلى هذا الأساس تنبع أهمية تسليط الضوء على الحاجة إلى تهيئة اقتصاديات مستدامة». وقد أثبتت الدراسة ثلاث نتائج رئيسية أثناء تحليل التنوع الاقتصادي، أولها، تم تقييم التركيز والتنوع الاقتصادي من خلال تحليل ما إذا كان الناتج المحلي الإجمالي قد تم توزيعه عبر نطاق واسع من القطاعات الاقتصادية، أو عبر نطاق محدود منها. يحدد هذا التقييم نسبة التركيز وحاصل التنويع، حيث تقيس نسبة التركيز، نسبة تركيز الدولة على قطاع معين، في حين أن حاصل التنويع، هو عكس نسبة التركيز، فكلما انخفضت نسبة التركيز ارتفع حاصل التنويع، وبالتالي ارتفع التنوع الاقتصادي للدولة. يقوم حاصل التنويع بتوفير مقياس مبتكر يمكن لصانعي السياسات استخدامه لقياس التنوع الاقتصادي. وقد عبر عن ذلك ربيع أبوشقرا بقوله «تتميّز دول مجلس التعاون الخليجي بأعلى معدلات التركيز فيما يتعلق بمساهمة قطاع ما في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فهي تحقق أقل حاصل للتنويع، ويرجع ذلك للسيطرة التاريخية لقطاع النفط والغاز على اقتصاديات هذه الدول». تعكس حالة النمو في القطاعات غير المرتبطة بالنفط، الآثار التي إصابته من جراء زيادة إيصالات النفط، وما تلاها من التدفقات العالية لرأس المال، ولا يمكن اعتبار هذا النمو جوهريا ومستداما، حيث أنّه يعتمد على حظوظ القطاع المسيطر في السوق. من جهته علق ريتشارد شدياق، نائب رئيس في بوز آند كومباني، ويرأس قطاع الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، قائلا: «لم تحقق القطاعات غير النفطية بدول مجلس التعاون الخليجي النضج الكامل، حيث لم تزل تعاني من فجوات هيكلية». مما يقترح، بحسب الدراسة، أن الأرباح المحققة من مبيعات النفط والغاز، لا يتم استثمارها بفاعلية في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها تستخدم في تمويل الاقتصاديات الداخلية (المحلية) للدولة بدلا من اقتصادياتها الخارجية.

ولذلك فإن الاقتصاد الذي يتمتع بأساس قوي في الصادرات، يساعد على حماية الدولة ضد التغييرات غير المتوقعة في الاقتصاد المحلي، وضد تقلبات أسعار النفط والغاز، وما يليها من آثار سلبية. والنتيجة الثانية التي توصلت اليها الدراسة، ان العديد من اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما اقتصاديات الدول الكبرى منها، عرضة للتغييرات في أسعار النفط. ففي السعودية، كان قطاع النفط والغاز، هو القوة المحركة للناتج المحلي الإجمالي، مما عرضه للتغيير على مر السنين بسبب التغيرات في أسعار النفط والصدمات التي يتعرض لها قطاع النفط والغاز. كما تباينت أيضا معدلات النمو في القطاعات غير النفطية، بسبب التقلبات في أسعار النفط. وهذا يدل على «آثار العدوى»، مما يعني أن تعرّض مجال مالي أو اقتصادي واحد للفشل، يؤدي لامتداد هذا الفشل لباقي المجالات. لكن في المقابل، ووفقا لما أوضحه شادي مجاعص، مدير أول بشركة بوز آند كومباني، « شهدت الإمارات، في الآونة الأخيرة، تحسنا نسبيا في القطاعات غير النفطية، نتيجة للجهود التي تبذلها دبي نحو التنويع الاقتصادي». وفي عام 2005 بإمارة دبي، أصبح قطاع النفط والغاز مصدراً لـ5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. بينما بلغت النسبة في العام نفسه في إمارة أبو ظبي المجاورة لإمارة دبي 59%، حيث لم يزل معدل النمو في القطاعات غير النفطية متأخرا.

وخلصت الدراسة كذلك الى انه ينبغي أن ينعكس تعزيز توزيع العمالة على عملية النمو، حيث أن توزيع العمالة بصفة عامة يعكس ويشكّل توزيع الناتج المحلي الإجمالي في جميع القطاعات. ففي دول مجلس التعاون الخليجي، لا تتوزع العمالة مقارنة مع مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى والاقتصاديات التحويلية، التي تتصّف بالتوزيع المتوازن للعمالة، عبر مجموعة متنوعة من القطاعات المنتجة أو المربحة. بينما يحقق قطاع النفط والغاز 47% من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا إنه يوفر فرص العمل لنسبة تبلغ 1% فقط من السكان في سن العمل، مما يجعل غالبية القوى العاملة محصورةً في القطاعات المنتجة الأقل إنتاجية، التي تحظى بأهمية استراتيجية ثانوية.

وهنا أشار ربيع أبو شقرا الى أن «الخدمات الحكومية تشكل حوالي 20% من إجمالي العمالة بدول مجلس التعاون الخليجي، في حين أن غالبية العمال يعملون لدعم قطاعات اقتصادية أخرى، بدلا من أن يقودوا عملية النمو بأنفسهم، مما يؤدي لظهور صعوبات اقتصادية». وبينت الدراسة ان التركيز الاقتصادي المرتفع يضعف من قابلية الاقتصاد على التعامل مع الأحداث المختلفة، مثل التغييرات في سعر السلعة المهيمنة على الاقتصاد، حيث تسببت صدمات الأسعار في تقلب الدورات التجارية، حيث تتأثر الاقتصاديات بارتفاع وانخفاض أسعار النفط، وممـّا يؤدي لانتقال عدوى التذبذب وعدم الثبات من قطاع النفط إلى القطاعات الأخرى غير النفطية. وتخضع حساسية الاقتصاد لهذه التغيرات في جميع القطاعات التي تساهم في الجزء الأكبر من الناتج الاقتصادي وفي توفير فرص العمل. وهنا عاد ريتشارد شدياق للقول: «تعيق مستويات التذبذب المرتفعة وعدم الثبات، عمليّة تحقيق نمو اقتصادي مستدام، لأن فترات الازدهار عموما لا تعوض بالكامل الآثار السلبية الهيكلية للأوقات السيئة غير المزدهرة، حيث يبقى للصدمات الاقتصادية أثر سلبي ممتد لفترة طويلة». واعتبرت الدراسة مستوى التذبذب المرتفع بدول مجلس التعاون الخليجي الأعلى في القطاعات الاقتصادية التي توظف غالبية سكان هذه الدول. بذلك، ينتج عن ارتفاع التذبذب ارتفاع تواتر حالات البطالة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة الهيكلية. كما يعني أيضاً أن مشكلة البطالة ترجع لأن العمالة المتوفرة لا تتمتع بالمهارات أو المعارف اللازمة لشغل الوظائف المتاحة. لاسيما أنه لا يمكن بسهولة نقل عمالة تتمتع بمهارات ومعارف خاصة إلى قطاعات اقتصادية مختلفة. على الرغم من أن معدلات التذبذب في النمو بدول مجلس التعاون الخليجي ما زالت مرتفعة، إلا أن معدل التذبذب في القطاعات غير النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي شهد انخفاضا على مر الزمن. وقالت الدراسة انه يمكن أن يتم خفض معدل التذبذب المرافق، من خلال تطوير وتنويع القيمة المضافة العالية للصادرات من السلع والخدمات، لاسيما بالنسبة للاقتصاديات القائمة على سلعة واحدة. ووفقا للدكتور مازن رمزي النجار «سيتفوق معدل التذبذب الزائد، الذي يؤدي حتماً لأداء منخفض وللمخاطرة على النمو الاقتصادي المرتفع، والمتسم بكونه نمواً اقتصاديّاً تركيزياً في الوقت ذاته وذلك إذا لم يتم تنفيذ التنوع بفعالية». ويمكن معاينة هذه الظاهرة بإعادة النظر في نسخة من معدل شارب (Sharpe)، الذي يقيس الأداء الاقتصادي المعدل حسب المخاطر.

وفي المتوسط، يزداد معدل التذبذب في الاقتصاديات المتحولة بنسبة 1% مقابل نسبة نمو قدرها 2.52%، في حين أنه بالمقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي فهي تحقق نسبة تذبذب قدرها 1% مقابل معدل نمو قدره 0.69%. والنسبة لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أيّة زيادة في النمو الاقتصادي تزيد من المخاطر الاقتصادية بدلا من تحقيق فوائد اقتصادية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. كيف يمكن للاقتصاديات التي ظلت تعتمد على تصدير سلعة واحدة أن تحد من التذبذب وتحقق الاستدامة؟ هل التنويع الاقتصادي هو جزء رئيسي من تحقيق ذلك؟ وقد عقدت الدراسة مقارنة لتذبذب نمو الناتج المحلي الإجمالي مقابل التركيز الاقتصادي ومعدل المكافأة إلى التذبذب للناتج المحلي الإجمالي (أي نسبة شارب) ضد حاصل التنويع، وأظهرت النتائج وجود علاقة واضحة بين التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وتعاني الدول مثل دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتبع اقتصاديات التركيز من ارتفاع معدل تذبذب النمو، مقارنة بالدول الصناعية السبع أو الدول ذات الاقتصاديات المتحولة. تتمتع الدول ذات المستويات العالية من حاصل التنويع، مثل النرويج وكوريا الجنوبية وايرلندا بارتفاع نسبة شارب، مما يعني تحقيق عائد اقتصادي مرتفع لكل وحدة تذبذب. وقدمت الدراسة في النهاية مجموعة من النتائج الرئيسية والتوصيات الموجهة لصانعي السياسات، أولها ان اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر تركيزاً وتفتقر للتنوع الكافي. مع ذلك، فليس قدرا محتوما على الدول الغنية المنتجة للمواد الهيدروكربونية أن تفتقر للتنوع الاقتصادي، كما يبدو في نموذج اقتصاد النرويج وكندا إلى حد ما. ثانيا، التوزيع المتوازن للعمالة في مجموعة السبع واقتصاديات التحويل، بينما يميل نحو القطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة المنخفضة بدول مجلس التعاون الخليجي. وثالثا، ارتفاع التركيز الاقتصادي يجعل الاقتصاديات عرضة للتأثر بالأحداث الخارجية، مثل التغيرات في أسعار النفط، مما يؤدي إلى التذبذب الاقتصادي.

ورابعا، يمكن تخفيف مجمل التذبذب والآثار غير المباشرة اللاحقة من خلال التطوير والتنويع الفعال للصادرات ذات القيمة المضافة العالية. واخيرا قالت الدراسة انه يمكن تحقيق الحد من التذبذب وتحسين أداء النشاط الفعلي معدل المخاطر من خلال زيادة التنويع الاقتصادي.