الدين العام اللبناني بلغ 44.4 مليار دولار

الأوضاع الداخلية تبطل المعالجة والدعم الخارجي

TT

سجل الدين العام اللبناني ارتفاعا لافتا في النصف الاول للعام الجاري فبلغ 44.4 مليار دولار (موزع مناصفة بين الليرة والدولار) بزيادة نسبتها 8 في المائة عن نهاية العام الماضي، موازيا بذلك ما يزيد عن 173 في المائة قياسا بالناتج المحلي الاجمالي.

ويشكل الدين العام محور الازمة المالية التي يعانيها لبنان لجهة ثقله الشديد على الموازنة العامة، حيث تستهلك خدمة الدين الجزء الاكبر من ايرادات الخزينة (اكثر من 50 في المائة) وتحول منذ سنوات طويلة دون زيادة الانفاق العام على المشاريع الانمائية والاستثمارية بسبب وقوع الموازنة في عجز دائم لتأمين القدرة على خدمة الدين.

ويستعصي حل الازمة المالية العاتية في لبنان من خلال الامكانات الداخلية وحدها بسبب تباطؤ النمو والخسائر الجسيمة المتتالية التي يتلقاها الاقتصاد الوطني ومؤسساته بفعل الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة من جهة، والحوادث الامنية الداخلية من جهة مقابلة.

ولم تنفع جهود المجتمع الدولي وعطاءاته المالية السخية (مساعدات وقروض) خلال مؤتمري باريس ـ 2 وباريس ـ 3 كثيرا في معالجة معضلة الدين العام. لكنها قلّلت نسبيا من تفاقمها السريع واتاحت للحكومة مواجهة بعض المستحقات بتمويلات جديدة ادنى كلفة وأطول اجالا.

وقد خص مؤتمر باريس ـ 2 لبنان بمساعدات وقروض عربية ودولية زادت عن 4.4 مليار دولار، واكبها القطاع المصرفي بتوفير تمويل مباشر بقيمة 3.7 مليار دولار دون فائدة لمدة سنتين، كما شطب البنك المركزي نحو ملياري دولار من محفظة سنداته الحكومية، وأجرى ترتيبات مواكبة لإعادة توزيع المستحقات وآجالها. لكن النتائج المنتظرة لهذه الاجراءات ضاعت جميعها في اتون التطورات المحلية غير المؤاتية وفي مقدمها جريمة اغتيال راعي الخطة المالية داخليا وخارجيا الرئيس الراحل رفيق الحريري.

وابطلت التطورات التالية، بدءا بالعدوان الاسرائيلي التدميري صيف العام 2006 وبعده تفجر الازمة السياسية الداخلية بمظاهرها المتنوعة الممتدة حتى الآن، الجزء الاكبر من مفعول مؤتمر باريس ـ 3 الذي خص لبنان بنحو 7.6 مليار دولار مع ملاحظة توجيه اكثر من ثلث المبلغ لدعم الموازنة والاصلاح المالي الذي تعهدته الحكومة بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.

وبحسب التقرير الاحدث لوزارة المالية عن التقدم في تنفيذ نتائج مؤتمر باريس ـ 3، فقد تم التوقيع على اتفاقات تمويل بقيمة 4.7 مليار دولار، اي ما نسبته 63 في المائة من مجموع تعهدات الجهات المانحة التي شاركت في المؤتمر نهاية يونيو (حزيران) الماضي، لكن ما تسلمه لبنان فعليا يوازي نصف هذه المبالغ.

ويتوقع وزير المال الدكتور محمد شطح ان «يسهم احياء المؤسسات الدستورية في زيادة برمجة تنفيذ التعهدات المالية»، مشيرا الى العمل «لتوجيه الدعم المالي اكثر نحو دعم الموازنة».

واذ تحدث عن «اجراء تقويم للسياسات والوسائل المتبعة في التنفيذ لتحديد افضل السبل للمضي قدما في الاصلاحات وتحقيق تقدم فيها، مع الاخذ في الاعتبار الظروف الراهنة،» اكد ان «من بين ما سيتم التركيز عليه في المرحلة المقبلة العمل من خلال مجلس النواب على اقرار القروض المخصصة للمشاريع، ودرس واقرار مشاريع القوانين المتراكمة».

ورأى شطح ان «الاصلاحات المتعلقة بالادارة المالية وادارة الدين العام، وتلك المتعلقة بالتنافسية والخصخصة والحماية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية، ستؤدي الى اعطاء زخم جديد للتعهدات المالية».

ولاحظ التقرير ان الفصل الثاني من العام الحالي شهد تراجعا في وتيرة برمجة تنفيذ التعهدات المالية نظرا الى الوضع السياسي الصعب الذي كان قائما. فيما القسم الاكبر من المبالغ التي تم توقيع اتفاقات في شأنها كانت تلك المخصصة لدعم الموازنة، وبلغت 1.8 مليار دولار، كما تم التوقيع على اتفاقات تتعلق بنسبة 86 في المائة من المبالغ المخصصة لدعم القطاع الخاص (1.266 مليار دولار اميركي). وقد تم صرف قروض بقيمة 555 مليون دولار (44 في المائة من اجمالي الاتفاقات الموقعة)، عبر مؤسسات عامة ومصارف تجارية.

اما الاتفاقات الخاصة بتمويل المشاريع بلغت نسبتها 22 في المائة من مجمل الاتفاقات الموقعة (1.030 مليار دولار) وشهدت هذه الفئة تطورا بارزا مع التوقيع على اتفاق اطاري بين مجلس الانماء والاعمار والبنك الاسلامي للتنمية يتعلق بعدد من المشاريع تبلغ قيمتها الاجمالية 245 مليون دولار. كما تم توقيع اتفاقات اخرى تبلغ قيمتها 557 مليون دولار، من خلال قنوات عدة، بينها مصرف لبنان (43 مليون دولار، وقع اتفاق في شأنها، وتم صرفها)، ومؤسسات عامة متفرقة (305 ملايين دولار دعما عينيا)، ووكالات الامم المتحدة (122 مليون دولار)، ومنظمات المجتمع المدني (88 مليون دولار).