كييبر كشف عن تهرب من الضرائب بمليارات الدولارات

فضيحة الحسابات السرية في ليختنشتاين

هانز اولريتش كروك المدعي الالماني، خلال مؤتمر صحافي عقده في شهر فبراير الماضي كشف فيه ان عددا متزايدا من دافعي الضرائب الالمان بدأوا في تسوية ضرائبهم بعد الكشف عن فضيحة التهرب من الضرائب عبر الحسابات السرية في ليختنشتاين (رويترز)
TT

في عام 2004، أخبر هنريتش كييبر أحد علماء علم النفس الجنائي في فيينا، أنه لم يعد لديه أي نية للعودة إلى إمارة ليختنشتاين، وهي إحدى الدول المتعهدة بتقديم الخدمات البنكية الخاصة الغامضة لأثرياء العالم. إلا أنه بات من الواضح أن تعهد كييبر ـ بأن يعيد جميع البيانات السرية للعملاء التي تمت سرقتها عام 2002 من إل جي تي غروب، القلعة المالية المملوكة لأفراد العائلة الملكية لإمارة ليختنشتاين ـ لم يكن صادقاً. ويقول ولفغانغ مولر محامي كييبر في عاصمة ليختنشتاين فادوز الذي دفع أتعابه بنك إل جي تي، «لقد وثقنا جميعاً فيه في تلك الأثناء، إلا أنه كانت لديه نسخة» من البيانات المسروقة. وحالياً تم وضع كييبر على قائمة الإنتربول للبحث عنه، وتجدر الإشارة إلى أنه مختبئ حالياً بعد أن باع النسخ التي بحوزته إلى العديد من الحكومات الأجنبية. لقد اقترف كييبر، وهو موظف ادخال بيانات سابق في البنك، أكبر الفضائح البنكية الخاصة على مدار سنوات.

وفي الوقت الحالي، تقوم العديد من سلطات الضرائب العالمية، ومنها وكالة تحصيل الضرائب التابعة لوزارة العدل الأميركية، باستخدام البيانات التي حصلت عليها لزيادة عمليات المراقبة والفحص الخاصة بها على العملاء السابقين لبنك إل جي تي. إلا أن قضية كييبر لا تتمثل فقط في الكشف عن الأسرار البنكية لمجموعة إل جي تي غروب وتعريض تلك الإمارة الصغيرة لمغبة إدراج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لها على أنها من الدول التي تعتبر ملاذاً آمناً لغسيل الأموال. فقد كشفت أيضاً عن مجموعة من الشخصيات الذين لم يكن متوقعاً تورطهم في تلك القضية. وطبقاً لأحد الأشخاص الذي كشف بعض تفاصيل القضية، فإن عملية توسيع التحقيقات تهدد بتسليط دائرة الضوء على الكثير من عملاء إل جي تي، ومنهم بعض المجرمين المدانين في قضايا مختلفة وبعض المسؤولين الأجانب، بالإضافة إلى الأدوار التي اضطلعت بها البنوك الأخرى وموظفوها لدى الولايات المتحدة.

وطبقاً للمسؤولين الذين اطلعوا على الوثائق التي باعها كييبر سراً إلى الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، فإنها تفرد تفاصيل تهرّب 1400 عميل لبنك إل جي تي من الضرائب البالغ قدرها مليارات الدولارات، منهم 150 أميركيا.

ويقول جاك إيه بلوم ـ محامي كييبر ـ «إن البحث جار عنه، وهو مطلوب، وبالتالي فأنا لا يمكنني أن أقول إنه يحيا حياة طيبة».

ويقول بلوم إنه لا يعلم ما هي الدولة التي أدرجت كييبر في برنامج حماية الشهود. وأضاف بلوم: أن «موكله ليس مجرماً، بل كل ما في الأمر أنه تضايق مما رآه بالبنك».

وأحجم بلوم عن إيضاح كيف أتى إليه كييبر ليوكله في القضية، مضيفاً أن كييبر يأمل في الحصول على عائد مالي بموجب برنامج وكالة تحصيل الضرائب الأميركية الجديد للمبلّغين عن الانتهاكات والتجاوزات. وأشار إلى أن جميع الاتصالات مع كييبر قد «أُعيقت من قبل الحكومة»، هذا بالرغم من رفضه إيضاح أي من تلك الاتصالات التي أُعيقت. وفي نفس السياق، شعر روبرت والنر رئيس ممثلي الادعاء في ليختنشتاين، بالضيق من مجريات الأمور حيث قال إنه «متعجب من اعتباره (أي كييبر) من ضمن المبلّغين». وعلى طريقة روايات الجاسوسية، فقد تم ربط سرقة كييبر للبيانات بصفقة عقار إسباني لم تكتمل. ويقول والنر إن مكتبه اتهم كييبر في نوفمبر 2002، بالاحتيال والفساد، ذلك بعد أن اشترى شقة سكنية في برشلونة عام 1996 كان يملكها رجل أعمال ألماني ودفع ثمنها بشيك تبلغ قيمته 250 الف دولار، وهو الشيك الذي رفض البنك صرفه. ويقول والنر في نفس العام، أخبره كييبر «بقصة مسرحية» التي على أساسها التقى مع، ما وصفهم والنر، «بالضحايا الألمان (مجهولي الاسم) للاحتيال الإسباني»، في إشارة منه إلى الشيك الممنوع من الصرف ـ في مزرعة بالأرجنتين. واشتكى كييبر من أن الألمان احتجزوه وقاموا بتعذيبه. وفي الوقت الذي أقر فيه مكتب والنر بأن كييبر التقى بالفعل مع بعض الألمان بالأرجنتين إلا أنه لم يستطع التأكد ما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بإساءة المعاملة صحيحة أم لا. وقد كان كييبر متضايقاً للغاية من أن السلطات لم تصدق روايته. وفي يناير 2003، صرح والنر بأن كييبر أرسل رسالة ابتزاز من 4 صفحات وشريط كاسيت إلى هانز آدم الثاني ـ امير ليختنشتاين ـ وابنه ولي العهد أليوس، يشكو فيها من التحقيقات غير العادلة بشأن الصفقة الإسبانية. وفي هذا الخطاب، كشف كييبر للمرة الأولى أن لديه نسخا من البيانات الخاصة بعملاء إل جي تي، وهدد بالكشف عنها علانية ما لم تعطيه إمارة ليختنشتاين جواز سفر وهوية جديدتين، بالإضافة إسقاط جميع الاتهامات المتعلقة بقضية الفساد الإسبانية. وقد رفض ممثل الادعاء تلك المطالب، كما أعلن أن كييبر متهم بسرقة البيانات المتعلقة بالبنك في يناير. ويتساءل بلوم «هل وراءه دافع الانتقام؟ من الممكن أن يكون كذلك، إلا أنني لا أريد تحليل شخصيته نفسياً».

وقد تضرر الكثير من الضحايا من عملية سرقة وكشف البيانات الخاصة بالبنك التي قام بها كييبر. ففي الشهر الماضي، كشفت تحقيقات السلطات الأميركية أن بيتر لوي ـ ملياردير العقارات الاسترالي وأحد العملاء البارزين في بنك إل جي تي ـ تورطه في عملية التهرب من الضرائب. وفي فبراير، استغلت سلطات الضرائب الألمانية بيانات كييبر للإغارة على منزل كلوس زوموينكل الرئيس السابق للنظام البريدي الألماني. وفي الشهور الأخيرة، قدم كييبر شريط فيديو لمحققي اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ الأميركي، ووجهه مظللا بعض الشيء. وصف فيه طبيعة العمليات الداخلية المشبوهة لبنك إل جي تي، ولمح إلى بعض العملاء العالميين ـ ومنهم وزير للشؤون الاجتماعية بإحدى دول العالم الثالث بدون ذكر اسمه ـ بأنه تربح 5 ملايين دولار من مصادر غير معلومة. إلا أن الناطق باسم بنك إل جي تي أشار إلى أن تصريحات كييبر تعوزها البراعة ولن يفلح في تحييد مسار القضية فهو «لص».

*خدمة «نيويورك تايمز»