70% من المهاجرين سيعيشون أفضل من ذويهم

أحلام المهاجرين في الحياة الراغدة في الولايات المتحدة

يعتقد العلمي أن الوظيفة التي تدر عليه دخلا يصل إلى 11.25 دولار في الساعة سوف تحقق له «الحلم الأميركي» («واشنطن بوست»)
TT

ترتفع البضائع الموضوعة على عربة التسوق التي تمتلئ بمنتجات القرن العشرين من هواتف جوالة وكاميرات كانون الرقمية وألعاب الأطفال ومكعبات اللعب، إلى عدة أقدام. ورغم أن عبد الرافع العَلمي لا يستطيع شراء كل تلك المنتجات لكنه يتعامل مع طرود المنتجات التي تصل إليه بكل حرص. وعما قليل سينهي عمله في «سركيوت سنتر» ليتجه إلى شقته المكونة من غرفتين في المبنى ذي الأربعة طوابق في الكسندريا بولاية فيرجنيا التي يقطنها مع اثنين من مواطني بلده الأصلي المغرب. ويرقد على فراشه المبسوط على الأرض إلى جوار طاولة من البلاستيك.

والعَلمي الذي كان والده يعمل إمامًا في المغرب، غير متزوج رغم اقترابه من سن الأربعين وهو حاصل على ماجستير في الإدارة العامة، لكن العمل هو العمل. فالعَلمي يعتقد أنه لا يجيد وظائف الخدمات، وما من شك في أنه حتى بعد سبعة أعوام من العمل منخفض الأجر وشظف العيش في شمال فيرجينيا والقلق حول تدبر معيشته، يعتقد أن الوظيفة التي تدر عليه دخلاً يصل إلى 11.25 دولار في الساعة سوف تحقق له «الحلم الأميركي».

ويقول العلمي: «عندما تعمل بجد، تتقدم في عملك ولا تتوقف، وهناك عمل لا بد من القيام به وهذا العمل يدر دخلاً، لا يهم نوع التعليم الذي حصلت عليه في بلادي، الفرصة هنا وإذا ما اغتنمتها وقمت بها فسأنجح».

وجهة نظر العلمي بأن المستقبل الأفضل لا يزال ينتظره تعكسها نتائج الدراسة الجديدة التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست ومؤسسة هنري جيه كاسير فاميلي وجامعة هارفارد على مجموعة من العمال ذوي الأصول الأجنبية الذين يتقاضون رواتب منخفضة في الولايات المتحدة، الذين قالوا إن الأمن الاقتصادي الذي تركوا بلادهم وعائلاتهم من أجله ليبحثوا عنه في أميركا أصبح صعبًا، لكنهم لا يزالون يتشبثون بالحلم، حيث يميلون إلى التفاؤل بشأن المستقبل فيمنون أنفسهم بوظائف وأجور أفضل أكثر من الأميركيين أنفسهم.

ويعتقد ثمانية من بين 10 أن أبناءهم سينجحون فيما لم يتمكنوا من القيام به وسيعيشون حياة أفضل من ذويهم.

ويقول روبرت ترامبل أستاذ الإدارة في جامعة فيرجينيا كومنولث ومدير مركز فيرجينيا للدراسات العمالية «يوجد لدى العديد من المهاجرين شعور بأنهم قاموا بخيار ترك أوطانهم، وأنهم سيقومون به مهما كانت التكاليف والنتائج. وأعتقد أن هناك اتجاها لكي نرى شيئًا إيجابيًا حتى في ظل أسوأ الظروف لأن الكثير لا يزال على المحك، فقد تركوا عائلاتهم التي تعتمد عليهم وهم لا يرغبون في الإخفاق. وفي المقابلة التي أجريت مع عدد من المهاجرين الشرعيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 40 عامًا أبدو تفاؤلاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وقد ركز الاقتراع الذي أجري في يونيو ويوليو الماضيين على البالغين الذين تبلغ أعمارهم ما بين 18 و 46 الذين لم يحققوا أكثر من 27 الف دولار في العام الماضي بالرغم من عملهم 30 ساعة في الأسبوع، شكل المهاجرون من أصول أجنبية 16 في المائة من هذه المجموعة التي تمثل ربع البالغين الأميركيين.

تلك المواقف الإيجابية حول الحياة فيما يسميه العَلمي «عالمي الجديد» كانت على مدى سنين طويلة الداعم الأكبر لحياة الملايين من العمال ذوي الأصول الأجنبية وهو ما جعل الولايات المتحدة قبلة للمهاجرين من دول العالم.

ويرجع الأمر في بعض منه إلى الفقر وافتقاد الكثير من المهاجرين الفرص في بلادهم. والاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «بوست كاسير هارفارد» أشار إلى أن 7 من بين 10 شملهم الاستطلاع قالوا إنهم أفضل حالاً من آبائهم في هذه المرحلة. ورغم درجة العلمي العلمية إلا أنه لم يتمكن من الحصول على عمل في المدن المغربية الكبرى ورأى أن السفر لمسافة 4 الاف ميل هو الحل الوحيد للمساهمة في إعالة عائلته.

وبالرغم من أن المهاجرين شهدوا نوعاً من الثبات في الأجور وازدياد التضخم، فإن ثلث العمال من أصول غير أميركية قالوا إن رواتبهم ارتفعت الأعوام الماضية بينما الغالبية منهم قالوا إن رواتبهم ظلت ثابتة ومنهم من قال بأنها تراجعت، وأنهم يواجهون ظروفًا صعبة حيث يدفعون من أجل التكاليف المعيشية ـ المسكن والطعام والرعاية الصحية والطاقة ـ أكثر من المولودين في أميركا.

لكن ذلك لم يفسد الاعتقاد السائد بأنه «لكي يحققوا ذلك» في اوطانهم الجديدة فإن عليهم العمل بجد لكي يستطيعوا تحقيق الحلم، حيث يعتقد ثلاثة أرباع العمال من ذوي الأصول الأجنبية هذا المبدأ. وشعرت سونيا كاستيلو هيركليز التي تبلغ من العمر 21 عامًا بوطأة الانخفاض في الاقتصاد الأميركي في بدايات العام الماضي، عندما حاولت هي وخطيبها نويل بورتيلو الحصول على منزل من ثلاث غرف في مدنية الكسندريا لمدة عامين قبل أن تصبح أقساط الرهن العقاري التي تبلغ 3 الاف دولار، أكثر مما يمكنهما تحمله. فارتفاع أسعار الغاز والطاقة والطعام أرهق ميزانيتهم ولم يستطيعوا أن يدخروا لشهور، وكما يقول «لم يعد لدينا مال لأي شيء... لملابسنا أو لطفلنا، لا شيء».

وقد انتقلت سونيا ونويل إلى شقة من غرفتين شمال فورت بلفيور، عارضين منزلهم للبيع القريب. وتعمل كاستيلو المهاجرة الشرعية القادمة من السلفادور في قسم السجلات الطبية بمستشفى إينوفا فيرفاكس مقابل 13.25 دولار في الساعة، ولم تفلح تلك المصاعب التي واجهتها العام الماضي في أن توهن من عزيمتها. فتقول: «رأيت كيف كان أبي يعيش، لقد كانت حياة شاقة في السلفادور، رأيته كيف كان يعمل ليعيل عائلته، وعندما رأيت ذلك أدركت أنه لا يوجد ما أعجز عن القيام به إذا ما داومت على ذلك ما دامت الفرص موجودة».

وتقول كاستيلو، التي حصلت على دبلوم العام الماضي، إنه حتى مع ارتفاع أسعار العديد من الأشياء خلال هذا العام، إلا أنها قانعة بدخلها رغم وجود شعور عام بالامتعاض بين العمال منخفضي الأجور. ويبدي 65% من العمال المهاجرين قناعتهم برواتبهم مقارنة بنصف العمال الأمريكيين منخفضي الأجور، وتضيف كاستيلو «دائمًا ما تكون هناك فرصة للحصول على المزيد، وكل ما عليك هو الانتظار لاقتناصها».

وقد كشفت نتائج الاستطلاع أنه رغم التفاؤل الذي يسود أوساط المهاجرين منخفضي الأجور إلا أن الكثيرين منهم عبروا عن استيائهم من البطء في التقدم وأن نمط الحياة في أميركا أصبح يقدم موجات من الشعور بعدم الأمان يجتاح حياتهم اليومية، بينما أفاد العمال من ذوي الأصل الأميركي بأن أجورهم ارتفعت في الأعوام القليلة الماضية أكثر من العمال المهاجرين.

ويعيش العَلمي في الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من سبع سنوات، وعمله في «سيتي سيركيوت» في مدينة «باليز كروس روودذ» هو الوظيفة الثالثة التي يعمل بها منذ أن وطأت قدماه مطار ريغان الدولي في يناير 2001، وكانت أولى وظائفه التي استمرت لمدة عام نادلاً في فندق هوليداي إن حيث كان يتقاضي 6.50 دولارا في الساعة. وكان مضطرا إلى تقديم المشروبات الكحولية لنزلاء الفندق رغم منافاتها للعقيدة الإسلامية. ثم عمل بعد ذلك كبائع أحذية في بايلس لمدة ستة أعوام ليصل راتبه في آخر العام إلى 9.50 دولارات في الساعة. وقد تمكن العلمي من توفير الوقت لمناسب لتنمية مهاراته، وفي الشهور الستة القادمة سيبدأ العلمي في حضور دورات في إدارة الأعمال تقدمها نورثرن فرجينيا فاميلي سرفيس المؤسسة غير الربحية في أوكتاون، وهو يأمل مضاعفة راتبه.

ويقول العلمي الذي يعتبر أن حضوره الأسبوعي إلى المسجد ولقاءه الجالية الإسلامية هناك دعامة وجوده، «ماذا يوجد لدي من خيار؟ فإما أن تنجح وإما لا. ومهما كان حجم المال الذي تتقاضاه سواء في الأسبوع أو الشهر، كل ما عليك هو أن تناضل من أجل أن تحسن من مستواك.» وقد تحسن المستوى المعيشي للعلمي بصورة كبيرة. ففي الأشهر الأربعة الأولى كان ينام على أريكة وكانت الرحلة إلى عمله تقتضي منه استقلال حافلتين وقطارا. ومع مرور الوقت حصل على سريره الخاص في غرفة المعيشة وسيارة سوزوكي. أما الآن فقد أصبح يتقاسم غرفة مع آخر وبعد ستة أشهر من الادخار، استطاع أن يوفر ثمن رحلة إلى المغرب ليقضي مع عائلته خمسة أسابيع هناك.بهذه الصور يعتقد العمال أنهم بذلك يوفرون مستوى معيشيًا أفضل لأبنائهم. ومن بين نماذج المهاجرين الذين شملهم التقرير برهانو شيتاي المهاجر الأثيوبي الذي يبلغ من العمر 40 عامًا ويعمل كسائق تاكسي في فيرفاكس كاونتي، الذي قال إنه يدرس في جامعة استراير كجزء من جهوده لتنمية مهاراته لكي يتمكن من إحضار زوجته وأبنائه التي تعمل ممرضة ويستطيع توفير تعليم جامعي جيد لأبنائه الذين يبلغون من العمر 15 و9 سنوات. ويقول: «تتقدم في أميركا ما دمت لا تتوقف عن النضال ولذا فإن أبنائي سيكونون في وضع أفضل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»