انتشار المصانع الأميركية في الخارج مسؤول عن انخفاض الصادرات

ازدهار الصادرات الزراعية الأميركية لا يفيد القطاع الصناعي

تأثرت مبيعات الحبوب الغذائية بارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدولار مما أدى إلى خفض تكلفة الصادرات الأميركية (إبي أ)
TT

تعد الصادرات النقطة المضيئة وسط الحالة الضبابية التي يشهدها الاقتصاد الأميركي هذا العام. وعلى الرغم من أن العالم لن يتوقف عن طلب البضائع الأميركية مثل الطائرات والمعدات، إلا ان الجاذبية الاكبر ستكون تجاه البضائع الأقل اهمية مثل الذرة والقمح أو المعادن النفيسة، ويعد ذلك السبب وراء استمرار اختفاء عشرات الآلاف من الوظائف في قطاع الصناعة وإغلاق الكثير من المصانع أبوابها حتى خلال فترة الانتعاش البسيط جداً في الصادرات. وفي الوقت الذي تلقى فيه زيادة الصادرات ارتياحاً، إلا أنها ليست عاملا أساسيا في القطاع الصناعي.

ويقول إل. جوش بيفنز خبير التجارة في معهد السياسة الاقتصادية: «تلفت البيانات التي تم جمعها على مدار التاريخ، انتباهنا بصورة واضحة إلى ضرورة عدم الاعتياد على الازدهار في صادرات السلع الغذائية، لأن ذلك لا يستمر لفترة طويلة».

وتشير وجهة نظره إلى أن طائرات بوينغ وجرارات كاتربلر تعتبر مصنوعات مميزة تسعى الدول المختلفة لامتلاكها، لكن الذرة التي تزرع في أيوا قد تكون محل منافسة من دولة مثل الأرجنتين التي تزرع نفس المحصول، أو أي دولة من دول سلة الغذاء العالمية، ويضيف بيفنز: «مساهمة السلع الزراعية في نمو الصادرات سلبية».

وقد تأثرت مبيعات السلع الغذائية هذا العام بارتفاع الأسعار خاصة بالنسبة للحبوب وأيضاً بتراجع قيمة الدولار الذي خفض من تكلفة الصادرات الأميركية بالنسبة للعملات الأخرى. وبالرغم من أن كلا الاتجاهين انعكسا في الآونة الأخيرة مما يشير إلى أن الارتفاع في أسعار السلع لن يستمر، وربما تتقلص الصادرات مما يعرض الاقتصاد لحالة أخرى من الضعف.

ويقول روبرت تومسون اخصائي الزراعة في جامعة إلينوي «ما يدهشني أن بإمكاننا زيادة صادراتنا من الذرة واستخدام الإيثانول في ذات الوقت، إذا ما قمنا بزيادة الرقعة المخصصة لزراعة الذرة وعملنا على تحجيم استخدامه كعلف لماشية في الداخل».

ويوضح أحد التحليلات لبيانات التجارة الصادر عن المكتب الفيدرالي للتحليلات الاقتصادية البون الشاسع في الأرباح بين البضائع المصنعة والسلع غير المعالجة.

وارتفعت كل صادرات البضائع والخدمات في النصف الأول من العام لتبلغ 52 مليار دولار كمعدل سنوي لتنظم التضخم عند مستوى 7.1. وتعد المنتجات الخام مسؤولة عن الزيادة البالغ مقدارها 41 في المائة في نمو الصادرات بينما أسهمت البضائع المصنعة بمقدار 12 في المائة فقط. (لا تدخل في تلك الارقام مبيعات منتجات مثل الاسلحة او تلك المصدرة للمناطق الاميركية مثل بورتوريكو وفيرجين آيلاندز).

وتفوق صادرات المنتجات الغذائية بصورة كبيرة على البضائع المصنعة أمر غير طبيعي، فالمفترض أن تشكل البضائع المصنعة نسبة 40 في المائة من صادرات البلاد بينما المنتجات الزراعية 26 في المائة والخدمات 30 في المائة. وبالفعل منذ أن بدأ المكتب في جمع البيانات حول التجارة منذ عام 1977 تفوقت المنتجات الزراعية على الصادرات المصنعة في ربعين متتالين فقط.

ويعد تضاؤل الطلب الخارجي هو المسؤول عن التراجع في نسبة الصادرات المصنعة، لكن أصحاب المصانع أنفسهم يعترفون بأنهم هم المسؤولون عن التراجع التدريجي في الصادرات باتجاههم إلى افتتاح مصانع في الدول الخارجية، وأن إعادة تلك المنتجات مرة أخرى إلى أمريكا كي يتم تصديرها سيسهم في تفكيك الشبكة العالمية التي تأسست في الأعوام الخمسة والعشرين الماضية.

ويقول فرانكلين فارجو نائب رئيس الاقتصاد الدولي في الاتحاد الوطني للمصنعين «لقد حققنا قاعدة صناعية على مستوى العالم ولن نغلق تلك المصانع التي أنشأناها في الدول الأخرى، لكننا مهتمون بالاقتصاد الأمريكي وسنحول بعض صناعاتنا مرة أخرى إلى الولايات المتحدة». وجاء ذلك مؤخرًا ردًا على تكاليف النقل التي ارتفعت بشكل كبير وكذلك انخفاض الدولار. وشركة DESA LLC المعروفة بمنتجاتها من الأجهزة نقلت مؤخرًا بعض إنتاجها من الصين إلى باولنغ غرين بولاية كنتاكي.

والمقارنة مع المنتجات الزراعية، التي لا يمكن نقلها للخارج، اكثر وضوحا. فجون هاردين وابنه دافيد يركزون جهودهم على زراعة أكبر قدر من المحاصيل الزراعية قدر الإمكان حيث استطاعوا أن يزرعوا 2500 فدان من الحبوب الزراعية بالقرب من إنديانابوليس معتمدين على التصدير في بيع كل محصولهم. وفي ذات الوقت تشير سارة بوفيم المديرة التنفيذية في شركة ويرل بور إلى أن عمليات التوسع في النشاط الدولي للشركة قللت من صادرات الشركة. وتقوم عائلة هاردين بزراعة كل فدان من الأفدنة التي يؤجرونها بالقمح وفول الصويا والذرة. ويخصص النصيب الأكبر من الأفدنة لزراعة الذرة التي يتوقعون زيادة الطلب العالمي عليها. وقد زادت صادرات البلاد من الذرة، التي تحصى بالطن، بنسبة 20 في المائة هذا العام مما يوضح المكاسب التي حققتها المنتجات الزراعية، وتشير وزارة الزراعة الأميركية في تقريرها هذا الأسبوع إلى أن من المتوقع ان يحصد المزارعون أكبر ثاني محصول ذرة في تاريخ البلاد.

ويقول جون هاردين مشيرًا الى إصابة عدد كبير من المحاصيل الزراعية في الدول الأخرى أدى إلى ارتفاع أسعار الذرة «نحن في موقف صعب إذ لا توجد كميات كافية من الذرة على مستوى العالم».

ولكن حتى مع اختفاء هذه الدعامات، فإن اسرة هاردين تراهن على محاصيل الذرة العام القادم بسبب استخدامها في استخراج الإيثانول وبسب الطلب المتزايد عليها كعلف للماشية في الهند والصين حيث تزداد رغبة الطبقة المتوسطة في الحصول على اللحم في وجبتها اليومية.

ويقول هاردين «أتمنى أن تظل الصادرات قوية، على الرغم من اعتقادي بإمكانية توقع نسبة زيادة تساوي ما نشهده الان».

وتفتخر شركة ويرل بول بصادراتها لكنها تنوي التوسع في نشاطها الإنتاجي في الخارج، وتتحدث بوفم مديرة العلاقات مع الكونجرس وسياسة التجارة بحماس عن مبيعات الشركة من مصانعها في الولايات المتحدة والخارج. وان كلاهما مرتفع وان مبيعات غسالات الملابس تحقق النتائج المرجوة منها.

وتحكي عن إنتاج الشركة فتقول الغسالات التي تفتح من الأعلى تصنع فقط في الولايات المتحدة وتحديدًا في كلايد واوهايو وتصدر لإرضاء الأذواق في الدول الخارجية، وهناك نموذج يلقى رواجًا أكبر وشعبية فالمصانع التي تنتج الغسالات التي يفتح بابها من الأمام تصنع في المصانع الموجودة في المكسيك وألمانيا.

وقد افتتحت ويرل بول مصنعًا في المكسيك مؤخرًا مقررة عدم إقامته في الولايات المتحدة، وهذا القرار من جانب الشركة حوّل الدخل والاستثمار والتوظيف والصادرات إلى المكسيك ربما يكون قد ظهر في تقرير مكتب التحليلات الاقتصادية على أنه نمو اقتصادي في الولايات المتحدة.

وتقول بوفيم لقد وفرنا السلسلة التي تسهل علينا من دخول الأسواق الجديدة، وإقامة المصانع في الدول الأخرى يضعنا على قدم المساواة مع المنتجين المحلين في تلك الدول.

وكثيـــر من المصنعـــين الأميركيين يقولون بأنه طالما أن المصانع تنتشر على مستوى العالم فلم يعد التصدير ضرورة ملحة وفعالة للمنافسة ضد مصنعين محليين أكثر عددًا وتطورًا. إضافة إلى أن إقامة الشركات الأمريكية لعدد من المصانع في دول مثل الصين ترغب تلك الدول في أن يكون موردوها قريبين منها من أجل سرعة وكفاءة التسليم. هذا السبب هو الذي يجذب المصنعين إلى الخروج إلى الدول الأخرى لإقامة منشآتهم هناك.

ولعل ذلك هو السب وراء قيام باركر هانفين صانع المضخات الهيدروليكية الشهير إلى التوسع في الخارج، ويقول تيم بيستل المدير المالي في الشركة «ان عملاءنا يودون منا صنع منتجاتنا بالقرب من نشاطهم، وإذا ما قمنا بذلك فهم يمنحوننا بالمزيد من الأعمال».

وقد زادت مبيعات شركة هانفين بناء على تلك النظرية بنسبة 55 في المائة بعد أن كانت 33 في المائة في عام 2002، وتقول بيستل «من ناحية أخرى تسهم الصادرات بما لا يزيد عن 400 مليون من دخل الشركة السنوي البالغ 12 مليارا أي ما يمثل نصف النسبة منذ عقد مضى».

ولم يغير تدفق رأس المال ذلك الالتزام الطويل الأمد وتظل الأرباح في الخارج فتقول بيستل «معظم الأرباح التي نجنيها بالخارج تظل هناك، ثم يعاد ضخها من جديد في عدد من الأعمال المزدهرة هناك».

وتعقب مكتب التحليل الاقتصادي ذلك التوجه من جانب الشركات الأميركية الدولية فجاء في التقرير أن 70 في المائة من العمليات الدولية التي تقوم بها الشركات الأمريكية تتم في الولايات المتحدة. وبرغم التراجع الذي بلغت نسبته 75 في المائة عن عام 1999 نتيجة لاستمرار الشركات في تحولها إلى الخارج تحافظ بعض السلع والصادرات المصنعة على تحقيق طفرات بين الحين والآخر. ويقول داريل إي راي الاقتصادي الزراعي في جامعة تينسي: «لدينا قدرة هائلة على زراعة محصول الذرة والمحاصيل الأخرى في البلاد، ونحن ننوي القيام بذلك».

*خدمة «نيويورك تايمز»