ترشيد استخدام السيارات في مصر ضرورة اقتصادية وإنسانية

الخسائر المادية الناتجة عن الحوادث بلغت 3 مليارات دولار في 2007

جانب من ميدان التحرير وسط القاهرة بعد تطبيق قانون المرور الجديد («الشرق الأوسط»)
TT

بدت حوادث الطرق في مصر خبراً يومياً اعتاد عليه قارئ الصحف كل صباح، ففي شهر أغسطس (آب) الجاري وحده وقع 1109 حوادث على الطرق السريعة خلال الـ23 يوماً الماضية في مسافة تقدر بـ540 كيلومتراً فقط، وبمعدل يصل إلى 60 حادثة يومياً، فيما أعلنت مصادر في وزارة الصحة أن 75 في المائة من حوادث الطرقات، التي تقع في مصر سببها السلوك البشري الخاطئ للمواطنين.

وصاحب ارتفاع معدلات نمو الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة تحسن مستويات المعيشة لبعض طبقات المجتمع، وهو ما انعكس في زيادة الطلب على شراء المركبات، مما أدى إلى بروز عدة آثار سلبية، من بينها ارتفاع نسبة حوادث الطرق، فقد اصيب العام الماضي وحده 73 ألف مواطن، وبلغ عدد حالات الوفيات الناتجة عن تلك الحوادث 222 حالة لكل 1000 كم، بينما يتراوح المتوسط العالمي بين 4- 20 حالة فقط لكل 1000 كم. وبلغ حجم التعويضات التأمينية لضحايا حوادث الطرق ما يوازي 13 مليون دولار، فيما بلغ حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الحوادث ما يوازي 3 مليارات دولار العام الماضي 2007 وحده، فضلاً عن ارتفاع دعم الوقود، وزيادة معدلات التلوث، والتكدس المروري خاصة في شوارع العاصمة.

انتبهت الحكومة مؤخراً إلى هذا الواقع المرير، فبدأت في البحث عن آليات لمواجهة هذه الآثار السلبية، فقامت في شهر مايو (أيار) الماضي برفع أسعار الوقود بنسبة 30 في المائة، كما تم إصدار عدة تشريعات جديدة بهدف التأثير على سوق السيارات، حيث تم رفع قيمة رسم تنمية الموارد على ترخيص السيارات باختلاف السعة اللترية لها، فضلا عن بدء تطبيق قانون جديد للمرور مطلع الشهر الجاري يتميز بالصرامة والحزم، وسط حملة إعلانية ضخمة يقودها التلفزيون الحكومي ترفع شعار «قانون المرور الجديد... حماية لينا ولأهلينا».

ويسير في مصر الدولة التي قارب عدد سكانها الثمانين مليون نسمة، ما يقرب من 4.1 مليون سيارة منها 48.8 سيارة خاصة، إذ بلغ عددها حوالي 2 مليون سيارة في عام 2007، مقابل 1.4 مليون سيارة في عام 2001. وهناك ما يقرب من 51 في المائة من السيارات يرجع تاريخ صنعها إلى ما قبل عام 1990. وترتفع نسبة استهلاك قطاع النقل للوقود مقارنة بالقطاعات الأخرى، في مقابل انخفاض تلك النسبة مقارنة بالمتوسط العالمي، حيث بلغ لاستهلاك المحلي لقطاع النقل في عام 2004 نحو 42 في المائة من إجمالي الوقود المستهلك، بينما بلغ معدل الاستهلاك العالمي نحو 26 في المائة في الفترة نفسها. قانون المرور الجديد أحدث جدلاً في الشارع لم تنته حدته بعد، فيما تباينت آراء المصريين حياله، حيث رأى فيه البعض وسيلة جديدة لإرهاق المواطنين بالأعباء المالية، بينما يرى البعض الآخر أن فرض القانون بهذا الحزم البادي سيعود بالنفع على المواطنين، بسبب تفاقم الوضع الإنساني والمروري جراء حوادث الطرق.

وأفاد اللواء محمد منصور مدير الإدارة العامة للمرور، بان الهدف من القانون هو الحد من التجاوزات والسلوكيات والعادات الخاطئة غير المسؤولة، لأن هناك فئة من الناس تفاخر بمخالفة القانون، مشيراً إلى أن هناك مشكلة مرورية، سببها ثبات السعة الاستيعابية للشوارع منذ عشرات السنين، بينما يتم ترخيص آلاف السيارات يومياً حيث يسير في الشوارع حالياً 4 ملايين و250 ألف مركبة، وهو ما يدعو إلى ضرورة الانتقال إلى النقل الجماعي للحد من أزمة المرور. قال مصطفى عبد الرحمن (موظف حكومي) وهو يهم بركوب حافلة نقل ركاب جماعي بالقرب من ميدان التحرير: «الناس لا تريد قانونا جديداً، بل تريد تخطيطاً مرورياً جديدا، أترك سيارتي أمام البيت كل صباح كي استقل المترو، خوفاً من الغرامات وتوفيراً للوقود، حيث بدأت الدولة على ما يبدو فرض جباية جديدة لتحصيل الأموال، بدلاً من تطوير الطرق وتحسين ظروف الشارع».

بينما توقف أحمد عباس أحد سائقي الميكروباص بشوارع القاهرة عن الخروج بسيارته إلى العمل في موقف أحمد حلمي الرئيسي وسط القاهرة، خوفاً من تلقيه مخالفات، قائلاً «معظم السائقين أصابهم الخوف من السير في الشارع نتيجة الإجراءات التعسفية التي تمارس ضدهم يوميا، حيث يشير عباس إلى أن السائق المخالف قد يدفع يوميا ما بين 20 دولارا إلى 60 دولاراً، ثمناً لمخالفات، في وقت لا يمكن لهذا السائق تحصيل ربح مواز، مما ألزم السائقين بيوتهم».

يرى د. باهر عتلم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن وسائل ترشيد استخدام السيارات في مصر لا تسير في الاتجاه الصحيح، فبدلاً من فرض قانون جديد لن يحل مشاكل الشارع في المستقبل المنظور، كان من الضروري الحد من بيع السيارات بالتقسيط، والحد من استيرادها، لأن الشوارع لا تتحمل هذا الكم المتزايد من السيارات، مع خسائر الزحام الكثيف الذي يكلف خزينة الدولة مليارات الجنيهات سنوياً.

ويقلل عتلم من النتائج المتوقعة من تشديد العقوبات في القانون الجديد، لأن الشوارع طول الوقت مزدحمة، في ظل عدم وجود مواقف كافية للسيارات، وانخفاض كفاءة البنية الأساسية للطرق والقدرة الاستيعابية لها، وانخفاض حجم التمويل المخصص لصيانة الطرق وإنشائها، فضلا عن انخفاض جودة المواصلات العامة بمختلف أنواعها، وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين، موضحاً أن التوجه الحكومي بالاعتماد على وسائل النقل العمومية لا مانع منه، شريطة أن تكون كافية ومريحة ومنتظمة وكثيفة، وهذا غير موجود حتى الآن، مما يفرض حالة من التذمر والزحام المستمر. وأبان عتلم أن رفع أسعار الوقود ليست خطوة كافية، إذ أن دعم الوقود يلتهم الحجم الكبير من الميزانية، إذ يوازي ثلاثة أضعاف دعم المواد الغذائية، مطالباً برفع أسعار البنزين وليس السولار الذي تستعمله سيارات الأجرة والنقل الجماعي، ويمثل الوسيلة الأولى في النقل على مستوى الجمهورية، للتسيير على الطبقات الفقيرة التي تعتمد عليها.