لبنان ينشد الكهرباء والغاز العربيين لحل معضلة التقنين الكهربائي

الشيطان يكمن في تفاصيل الاتفاقات

TT

لم يتمكن لبنان منذ أن أحل «اتفاق الطائف» السلام والاستقرار في ربوعه، من حل معضلة الطاقة الكهربائية، المسؤولة بحسب المسؤولين الرسميين والخبراء، عن ثلث الدين العام اللبناني الذي تجاوز 40 مليار دولار هذا العام.

ولم يستطع أي وزير للطاقة في الحكومات التي تعاقبت منذ ذلك الحين، من تنفيذ الوعود التي كان يطلقها حول تأمين التغذية الكهربائية 24 على 24 على كل الاراضي اللبنانية، بل كانت هذه التغذية تأخذ في التناقص لحساب المولدات الخاصة، التي باتت منتشرة في كل المدن والبلدات والقرى والأحياء.

وأمام الأزمة المتفاقمة، وسقوط كل محاولات الخصخصة لهذا القطاع الحيوي، تركزت المساعي اللبنانية على استيراد الغاز من الخط العربي (المصري ـ الاردني ـ السوري ـ اللبناني) لاستخدامه في إنتاج الطاقة الكهربائية بدلاً من المازوت والبنزين، وبالتالي خفض كلفة انتاج الطاقة الكهربائية. وفي موازاة ذلك تركزت المساعي أيضاً على شراء الطاقة الكهربائية من مصر، عبر شبكة الربط الثماني، ولكن كل هذه المساعي لم تصل الى خواتيهما السعيدة. على الرغم من الاتفاق المبدئي الذي تم، منذ أيام بين رئيسي الوزراء ووزيري الطاقة في كل من مصر ولبنان على تزويد لبنان بـ200 ميغاواط، وقيام رئيس الوزراء اللبناني أخيراً بزيارة «مثمرة» الى مصر حول هذا الموضوع من دون التحدث عن أية تفاصيل تتعلق بالكميات والأسعار.

تجدر الاشارة الى ان موضوع استجرار لبنان الطاقة من مصر ليس جديداً، بل هو يعود الى مذكرة تفاهم سابقة بين البلدين تنص على تزويد لبنان بكمية دنيا تبلغ 50 ميغاواطا، علماً ان لبنان يعاني من نقص كهربائي بقدرة 700 ميغاواط في زمن الذروة، و500 ميغاواط في الزمن الطبيعي. لكن هذه الكمية ارتفعت، كما أشرنا، الى 200 ميغاواط أخيراً، أي ما يمثل ربع الفائض الكهربائي المصري، غير ان هذه الكمية ينبغي التفاوض عليها مع الدول الأخرى المنضمة الى مشروع الربط الكهربائي، ولا سيما منها سورية والأردن، وذلك في اجتماع سيعقد في 25 اغسطس (آب) الحالي. وتتوقع بعض المصادر ان تكون هذه المفاوضات شاقة لكون البلدين (سورية والاردن) يطالبان بحصة لكل منهما من الكهرباء المصرية الرخيصة السعر. وستبدو أكثر مشقة عندما يصل الأمر الى مناقشة الأسعار. وتعتبر المصادر نفسها ان زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى مصر ولقائه الرئيس المصري حسني مبارك، تهدف الى تعزيز دور لبنان على طاولة المفاوضات حول هذا الموضوع، ليس على الصعيد التجاري فحسب، بل على الصعيد السياسي والدبلوماسي أيضاً.

أما على صعيد استيراد الغاز، فالأمر لم يكن أقل تعقيداً، اذ حددت اكثر من مهلة لبدء تسلم لبنان الغاز المصري عبر الخط العربي، وبالتالي تسليم الغاز السوري لاستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية، ابتداء من أول السنة، ثم في نهاية فبراير (شباط)، ثم في نهاية ابريل (نيسان)، ثم خلال النصف الأول من عام 2008، على حد قول وزير الطاقة اللبناني بالوكالة محمد الصفدي في أكثر من تصريح.

الا أن كل هذه المواعيد سقطت، لتسقط معها كل الرهانات على خفض تكلفة انتاج الكهرباء، الامر الذي دفع الحكومة الحالية الى تسريع العمل من أجل استيراد الغاز بالتوازي مع السعي الى زيادة تعريفة الكهرباء.

وكان لبنان قد وقع في مايو (أيار) 2001 اتفاقاً مع سورية للتزود منها بنحو مليون ونصف المليون متر مكعب يومياً في مرحلة أولى، لتشغيل معمل «دير عمار» في شمال لبنان، وذلك عبر خط أنابيب الغاز العربي، الذي يفترض أن يصل الى شمال لبنان، على ان تضخ سورية الى لبنان في مرحلة ثانية ستة ملايين متر مكعب، وقد حظي الاتفاق المذكور بموافقة البنك الدولي الأولية، وينص الاتفاق أيضا على استكمال المشروع في اتجاه مصفاة الزهراني في جنوب لبنان، لكن هذا الاتفاق اصطدم بالعديد من العقبات الفنية والسياسية، وتجد الحكومة الحالية ضرورياً أن تسعى الى إزالة كل العقبات أمام هذا الاتفاق، وبالتالي أمام استجرار الغاز المصري عبر الخط العربي، الذي يعبر الاردن وسورية.