التوظيف بالشركات المهجنة

سـعود الأحمد

TT

بعد أن كثر الحديث عن جدوى طرح أسهم بعض شركات العوائل للاكتتاب العام، وتأثير ذلك على مدى متانة الاقتصاد الوطني للبلاد، آخذين بالاعتبار التحولات الاقتصادية الدراماتيكية التي تمر بها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجية... وعزم الحكومات على حث الخطى للانفتاح الاقتصادي ودخول منظمة التجارة العالمية. وما يتوقع أن تفرضه هذه المرحلة من تبعات عرض أسهم ملكيات شركاتنا بالأسواق العالمية، وعن مدى جاهزية هذه الشركات للتداول بالأسواق العالمية.

وبالنظر إلى أن سوق المال السعودي هو الأكبر في الشرق الأوسط، وأن العناية بأحوال التوظيف بالشركات المتداولة فيه أمر في غاية الأهمية، فإن السؤال الذي يبرز هو: أين هي آليات الرقابة المالية من هذه الأرقام الفلكية لرواتب ومخصصات أبناء وأقارب أعضاء رؤساء مجالس إدارات ومؤسسين الشركات العائلية التي أصبحت (بقدرة قادر) شركات أموال؟. بل إنني لا أعلم عن المعايير التي تستخدم (إذا كانت هناك معايير أصلا) للقبول ببقاء إدارات الشركات العائلية لتدير الشركات المساهمة، بحجة أنهم كانوا يملكونها!. كما لا أعلم عن معايير (متفق عليها بين الشركات) للتوظيف، وكيف يتم تحديد رواتبهم ومخصصاتهم، لدرجة تجد شخص يعين براتب ومخصصات أضعاف زميله في نفس الجامعة والتخصص والدفعة!. والأمر الأخطر، ما يحدث ببعض هذه الشركات، أن الملاك المؤسسين (بعد أن تتحول شركاتهم إلى مساهمة) يتفرغون لشركات ومشاريع أخرى، ويوكلون إدارة الشركة المساهمة لأبنائهم وأقاربهم والمقربين منهم، ليضمنوا استمرار سيطرتهم على هذه الشركات، ويضمنوا لأبنائهم مستقبل وظيفي (على حساب المساهمين!).

وهذا التوجه، أوجد ببعض بيئات العمل بالقطاع الخاص مديرين شباب من نوع الطبقة البرجوازية (المخملية). من الذين ما أن ظهروا على الدنيا حتى وجدوا أنفسهم أصحاب قرار بمنشآت اقتصادية ضخمة. في بيئات عمل يحصل فيها (فئة معينة) على المناصب والمميزات الإدارية والمالية، والبقية مجرد مساعدين لهم... وعن المهمات الرسمية الخارجية حدث ولا حرج (فراشة مطارات)، وعن فواتير مصاريف الفنادق. والتركيز في الشركة على مجهودات أبناء الملاك وأقاربهم والمقربين منهم، ويهمش باقي موظفي الشركة. فلا قيمة للمؤهلات العلمية ولا للتميز في التخصصات والمعدلات ومواضيع البحوث العلمية في الدراسات الجامعية العليا ... وتبقى العبرة للولاءات الشخصية، وتغيب المعايير المهنية والعلمية، لتحل محلها الاجتهادات الشخصية!. حتى صار يسود في بعض بيئات العمل مشاعر سلبية (عامة) وأجواء عمل غير صحية .. بعيدة عن التعاون وقاتلة لحوافز البذل والعطاء. ومع كل ذلك، لا يوجد في الأفق من لديه الشجاعة والحافز لاستصدار لوائح تنظم هذا الأمر وتحد من التجاوزات فيه!. وإذا أستمر الحال على ما هو عليه، فستتولد لدينا بيئات عمل تبدو مهجنة إدارياً! ... فلا هي مؤسسات حكومية يحكمها نظام ديوان الخدمة المدنية وتخضع لتعليمات وزارة المالية ويراجعها ديوان المراقبة العامة، ولا هي شركات أموال قائمة بنفسها لها أنظمة رقابة داخلية مالية وإدارية معدة من قبل مهنيين مستقلين تحدد (وبوضوح) الحقوق والواجبات، ولا هي شركات أشخاص يملكها شخص أو عائلة ويتحملون نتائج كل ما يصدر عن قراراتهم الإدارية (غنماً بغرم)!.

وفي الختام .. فإن الكرة في مرمى مجلس القوى العاملة ووزارة التجارة والصناعة لدراسة وتقييم أوضاع الموظفين بالشركات المساهمة. بحيث يصنف كل قطاع على حده، ويعطى للموظفين وأسماء الشركات أرقاماً سرية ويصنف الموظفين حسب مؤهلاتهم العلمية وعدد سنوات الخبرة ورواتبهم ومناصبهم، لاكتشاف هذه التجاوزات ومتابعتها حتى لا نصل إلى درجة من تشويه سمعة أداء القطاع الخاص وترهل بيئات العمل فيه.

*كاتب ومحلل مالي [email protected]