توقع انخفاض معدل النمو العالمي إلى 4% والتراجع الاقتصادي ربما يؤدي إلى انخفاض الأسعار

شبح التراجع الاقتصادي يخيم على العالم

هدأت الأوضاع في الأشهر الأخيرة في الصين والهند بعد أن تسبب النمو السريع فيهما في حديث حول نظام عالمي جديد («الشرق الأوسط»)
TT

تخطت المشاكل الاقتصادية حدود الولايات المتحدة لتمتد إلى دول كبرى في قارتي أوروبا وآسيا، مما يهدد النشاطات التجارية الأميركية بخسارة مبيعاتها واستثماراتها الخارجية التي أضحت لها أهمية متزايدة بالنسبة لتلك النشاطات. قبل أشهر قليلة، كان بعض الاقتصاديين يحدوهم الأمل في أن التوسع النشط سيستمر في الكثير من المناطق في العالم، على الرغم من التباطؤ في الولايات المتحدة. وكان من المتوقع أن تستمر عوائد الاستثمارات الأجنبية في ملء المصارف الأميركية التي ما زالت تنزف كثيرا بسبب مغامراتهم الكارثية في قطاع العقارات. كما كان من المتوقع أن توفر تلك الاستثمارات التمويل للشركات التي تسعى إلى إجراء توسعات. وكان من المفترض أن يستمر الطلب الخارجي على الخدمات والسلع الأميركية لتعويض الطلب المتراجع داخل الولايات المتحدة نفسها. ولكن، في الوقت الحالي، تعيق الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة والنظم المالية التي أصابتها المخاوف بالشلل والتراجع الذي يعاني منه الشركاء التجاريون، مجتمعة النمو في الكثير من الاقتصادات الكبرى. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو العالمي على نحو ذي بال حتى نهاية العام الحالي، ليصل إلى 4.1 في المائة مقابل 5 في المائة خلال عام 2007. وقد أشار صندوق النقد الدولي الشهر الماضي في نشرة آفاق الاقتصاد العالمي الرسمية التي يصدرها الى انه «يعاني الاقتصاد العالمي من موقف صعب؛ فهو بين مطرقة طلب متناقص بصورة حادة في الكثير من الاقتصادات المتقدمة وزيادة في معدلات التضخم في كل مكان».

ويعنى كل ذلك أن الاضطرابات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة من الممكن أن تزداد وتيرتها خلال موسم الانتخابات الرئاسية وفي الفترة التي تليها. وقد يصعّب ذلك على بعض الشركات المالية مثل «ليمان براذرز» التي كانت تسعى لاستثمارات جديدة في جنوب كوريا، وعمالقة الرهن العقاري الذين يستفيدون من الدعم الحكومي مثل «فاني ماي» و«فريدي ماك» جذب رأس المال الذي تحتاج إليه بصورة ملحة من الخارج. وبينما يتراجع الاقتصاد في الولايات المتحدة بالتزامن مع الكثير من الاقتصادات الكبرى الأخرى، يتم التأكيد على التكامل بين الأسواق المختلفة، ففي الوقت الذي ساعدت فيه العولمة على انتشار الرخاء حيث ربطت بين مزارعي القطن في تكساس ومصانع النسيج في الصين، كانت نفس العوامل سببا في انتشار الاضرار عندما ساءت الامور.

ويقول آلن روسكين، وهو استراتيجي دولي بارز بـ آر. بي. إس. غرينتش كابيتال «وصل التراجع الاقتصادي لعدد كبير من الدول التي تعتمد حاليا على بعضها بعضا».

وتعكس تجربة شركة فيرمير كوربوريشن في مدينة بيلا بولاية آيوا تأثير التراجع الحالي. واعتادت الشركة، التي تصنع معدات تعمير وزراعة، على البحث عن توسعات في الخارج بعد أن ألحقت المشاكل التي يعاني منها قطاع العقارات في الولايات المتحدة الاضرار بعمليات البيع داخل الولايات المتحدة. وقد ارتفعت مبيعات الشركة خارج الولايات المتحدة بمعدل الضعف خلال الخمسة أعوام الأخيرة، وتمثل تلك المبيعات ثلث عوائدها، حسبما يقول مدير المبيعات الدولية بالشركة ستيف هيب.

ولكن، خلال الأشهر الأخيرة بدأت بعض المناطق في العالم تعاني من مشاكل على الرغم من استمرار النمو بصورة مجملة. ويضيف هيب «كان هناك تراجع في الولايات المتحدة على مدى الستة أشهر الأخيرة، وفي أوروبا الغربية لم نشهد النمو الذي كان موجودا خلال الأعوام الأخيرة الماضية».

وتعاني الكثير من الاقتصادات الكبرى الأخرى إما من الركود أو من التراجع، حيث شهد الاقتصاد الياباني تراجعا إلى معدل سنوي قدره 2.4 في المائة خلال الفترة من ابريل (نيسان) حتى يونيو (حزيران) بسبب التضخم. وتراجع الاقتصاد في ألمانيا بمعدل 2 في المائة، بالإضافة إلى تراجع بسيطة في كل من الصين وإيطاليا. كما كان هناك تراخ في اقتصادي إسبانيا والمملكة المتحدة، اللتين تعانيان من آثار مشاكل العقارات. ويأتي ذلك وسط حديث عن أن البلدين يعانيان بالفعل من ركود اقتصادي. قد ساعد الائتمان الميسر على تحويل الاتهامات للقروض المشكوك في تحصيلها ومعدلات البطالة والتضخم. ويقول ماركو أنونزياتا، وهو اقتصادي بارز ببنك يونيكريديت الإيطالي «يبدو أن عام 2009 سيكون أسوأ من 2008 بالنسبة لأوروبا».

وقد هدأت الأوضاع في الأشهر الأخيرة في الصين والهند بعد أن تسبب النمو السريع فيهما في حديث حول نظام عالمي جديد، ومع ذلك، ما زالت هناك توسعات بمعدلات تحسدها عليها الدول الأخرى. ويقول ويليام كلاين، هو زميل بارز في معهد بترسون للاقتصادات العالمية بواشنطن «على مدى أعوام قليلة كان لدينا نمو عالمي نشط».

وهناك فائدة محتملة للتراجع الجاري الآن: يمكن ان يؤدي لتراجع اسعار المواد الغذائية والطاقة، التي ارتفعت بسبب الطلب المتزايد في اقتصاد متوسع بسرعة كبيرة.

ويراهن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي على هذا السيناريو في الوقت الذي يرفض فيه الدعوات لزيادة معدلات الفائدة للتقليل من التضخم. فقد قال برنانكي يوم الجمعة خلال المنتدى الاقتصادي السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي عُقد في جاكسون هول بولاية وايومنغ «إن التراجع الأخير في أسعار السلع، ممزوجا بـ(احتمالية تراجع وتيرة النمو) يمكن أن يلطف من معدلات التضخم بنهاية العام الحالي وخلال العام المقبل».

ومع ذلك، يتركز الخوف حول احتمالية أن يضر التباطؤ في النمو العالمي بمبيعات البضائع الأميركية وخدماتها خارج البلاد، حيث تعد الصادرات نقطة مضيئة أمام أي اقتصاد يعاني من تراجع في أسعار المنازل وتراجع في معدلات إنفاق المستهلكين. وقد بدأت قيمة الدولار الأميركي في الارتفاع أمام الكثير من العملات خلال الأسابيع الأخيرة، ليس بسبب الثقة في الاقتصاد الأميركي، حسبما يقول علماء اقتصاد، ولكن لأن المستثمرين يخرجون من الأسواق التي تشهد ضعفا مستمرا مثل بريطانيا وأجزاء أخرى من أوروبا مما تسبب في ضعف قيمة الجنيه الأسترليني واليورو. ويشير كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد بهارفارد ـ كان يعمل في صندوق النقد الدولي ـ الى «تراجع في باقي الدول، ولا يوجد تقدم في الولايات المتحدة».

وتسبب السعر المرتفع للدولار في ارتفاع أسعار البضائع الأميركية في الأسواق العالمية، ولذا إذا استمر ارتفاع سعر الدولار قد يؤثر ذلك على المبيعات. ويقول مارتين بايلي، وهو الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين بإدارة كلينتون وزميل بارز في معهد بروكينغز بواشنطن «تعد الصادرات دعامة قوية لنا، ومن الممكن أن تتراجع بعض الشيء إذا ما استمر الدولار في الارتفاع».

ويشير بعض علماء الاقتصاد الى ان الارتفاع الذي يشهده الدولار أخيرا هو بمثابة إعادة تصحيح بعد ستة أعوام من التراجع، كانت نتيجتها أن أتت على ربع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى للشركاء التجاريين البارزين. ويرى آخرون أن الدولار يجب أن يتراجع، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة ما زالت في مؤخرة ميزان تجاري يعوزه التساوق، حيث تخطط وارداتها الصادرات بنحو 800 مليار دولار نهاية العام الماضي. وبغض النظر عن قيمة الدولار، من الممكن أن تتقلص مبيعات البضائع الأميركية بسبب عامل أكثر قوة وهو عدم وجود إقبال عالمي على البضائع. ويقول روسكين «إذا تراجع اقتصاد باقي العالم، لن يكون هناك طلب على البضائع».

وقد يكون ذلك مؤلما بالنسبة للشركات الأميركية التي تعتمد على الأسواق الخارجية؛ ففي عام 2001، سجلت الشركات الأميركية الكبرى التي كشفت عن عوائد أجنبية ثلث المبيعات في الخارج، حسبما أفاد به تحليل قدمه هوارد سيلفربلات، المحلل البارز بـ«ستاندرد آند بوورز». وفي العام الماضي ارتفعت حصة المبيعات الخارجية لتصل إلى 46 في المائة، مثلت فيها أوروبا 29 في المائة. وتشير بعض النشاطات التجارية الأميركية الى أنه من المبكر جدا أن تكون هناك مخاوف من تراجع اقتصادي عالمي. ويقول جميس غريفيث، رئيس شركة تيمكن بولاية أوهايو «عندما أقرأ العناوين الرئيسة في الصحف أشعر بالقلق، ولكن عندما أنظر إلى دفتر الطلبات، ينتهي قلقي». وتصنع شركة تيمكن دعامات صناعية ومعدات لتحويل الكهرباء. وتنتشر عملياتها على 27 دولة. وتبلغ نسبة نشاطات الدعامات الصناعية للشركة في خارج الولايات المتحدة مما يلطف من الخسائر التي منيت بها الشركة بسبب المبيعات في صناعة السيارات الأميركية. ويشعر غريفيث بالثقة في أن ذلك سوف يستمر. ويقول غريفيث «عندما تريد الصين تصنيع سيارة، فإنها تنشئ مصنعا للصلب يعتمد على الحديد الخام والفحم الذي يأتي من أستراليا يتم استخراجه عن طريق شاحنات كاتربيلر التي تحتوي على دعامات تيمكن».

ومع ذلك، يشير تحول البلدان الأخرى من مأوى للنشاطات التجارية الأميركية إلى مبعث للقلق إلى إي مدى يمكن أن يتسلل الاضطراب إلى الاقتصاد العالمي. ويشير معظم الاقتصاديين إلى أنه في الصين تراجعت وتيرة النمو من معدل سنوي يتجاوز 12 في المائة حتى العام الماضي الى 9-10 في المائة. وهو الأمر الذي يثير قلق القيادات الصينية حيال التراجع في الصادرات، ولذا أعادوا ترتيب الأولويات في الفترة الأخيرة وباتوا يسعون إلى الحد من معدلات التضخم بدلا من المحافظة على النمو الاقتصادي. وتعمل الحكومة على التقليل من القيود المفروضة على الاقتراض من البنوك، التي كانت تهدف السيطرة على الوضع الاقتصادي. عندما تصنع الصين عددا اقل من أجهزة الكومبيوتر، فإنها ستحتاج إلى عدد أقل من شرائح الكومبيوتر التي تأتيها من تايوان وتُصمم في الولايات المتحدة، كما ستحتاج إلى معدلات أقل من الصلب والحديد الخام من البرازيل وأستراليا، مما يعني أن تلك البلدان سوف تحتاج إلى كميات أقل من معدات البناء التي تصنع في ألمانيا أو اليابان أو الولايات المتحدة. ويقول ستيفن جين، وهو اقتصادي في «مورغان ستانلي» في لندن «يتسبب التراجع الاقتصادي العالمي في هبوب رياح معاكسة على الولايات المتحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»