هل أصبحت «أوبك» في مأزق؟

في ظل انخفاض أسعار البترول وتصاعد حمى الانتخابات الأميركية

TT

لاقى انخفاض أسعار البترول خلال الأسابيع الأخيرة الماضية ارتياحًا من قبل المستهلكين، كما ظهر قدر قليل من الأخبار الإيجابية عبر وسائل الإعلام بدلاً من الأخبار الأخرى التي ارتسمت عليها عتمة المشهد الاقتصادي. إلا أنه بالنسبة للدول المنتجة للنفط، والتي اعتادت على عوائد النفط المتزايدة بصورة كبيرة، فإن انخفاض أسعار النفط سيتحول بسرعة إلى أن يصبح أمرًا باعثا للقلق، إن لم يكن للذعر. فعلى مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، انخفضت أسعار النفط للثلث تقريبا، كما أنها متجهة إلى الانخفاض إلى أقل من الحد البالغ 100 دولار للمرة الأولى منذ مارس (آذار). وبالرغم من أن هذا لا يعتبر انهيارًا كاملاً، إلا أن سرعة هذا الانخفاض تعتبر مؤسفة للغاية بين دول منظمة «أوبك» المنتجة للنفط. فقد أعربت فنزويلا وإيران ـ أكثر الدول المستفيدة من زيادة الأسعار في المنظمة ـ بأنهما لا تريدان أن تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 100 دولار للبرميل، وهو الثمن الذي قال عنه وزير النفط الإيراني أخيرًا انه «الحد الأدنى» لمستوى الأسعار. وأومأت كلتا الدولتين بأن الدول الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بحاجة إلى تقليل إنتاجها لمنع انخفاض الأسعار إلى أبعد من ذلك. فيما تخشى باقي دول «أوبك» مثل الجزائر والكويت من أن تُعرض التكاليف المرتفعة للطاقة عملياتها التصديرية للخطر، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي وتقليل المستهلكين لعمليات الاستهلاك الخاصة بهم. ولم توضح السعودية، أكبر الدول المصدرة في العالم، حتى الآن ما هو السقف العادل للسعر، بالرغم من تصريح الملك عبد الله بن عبد العزيز من قبل أن 100 دولار للبرميل يعد مرتفعا للغاية. وبالنسبة للوفود رفيعة المستوى في «أوبك»، التي ستجتمع في فيينا غدا، فان إدارة هذا التباطؤ الانخفاض تعتبر غير سهلة. فتخفيض الإنتاج لكبح جماح انخفاض الأسعار سيحدث حركة احتجاجية من الدول المستهلكة، وسيصور المنظمة على أنها جشعة وقصيرة النظر. إلا أن ترك الإنتاج بلا تغيير قد يعجل بزيادة انخفاض الأسعار في الوقت الذي يتباطأ فيه فعليا الطلب على النفط. ويقول مايكل ويتنر، الرئيس العالمي لأبحاث النفط في لندن، لبنك سوسيتيه جنرال: «إن أكبر إشارة لمنظمة أوبك هي الأسعار، فهم يلعبون لعبة موازنة: فإذا كانت الأسعار مرتفعة، فسيقتلون الدجاجة التي تبيض لهم بيضا ذهبيا ويضرون بالاستهلاك. ولكن في نفس الوقت، فإنهم سيشهدون ركودا اقتصاديا وسيظنون أن العالم لم يعد بحاجة إلى المزيد من النفط حاليا».

لقد انخفض سعر النفط في تسليم شهر أكتوبر بمقدار 1.75 دولار ليصل إلى 107.78 دولار للبرميل في العمليات التجارية التي تمت بعد ظهر الخميس الماضي بنيويورك، وهو أقل مستوى يصل إليه منذ 5 شهور.

وتسارعت عملية الانخفاض في الأسعار بعد أن ضرب إعصار «غوستاف» خليج المكسيك وقطع عمليات إنتاج النفط والغاز الطبيعي. كما أن هناك 3 أعاصير استوائية أخرى تتكون عبر المحيط الأطلنطي، ومن الممكن لها أن تمنع انخفاض الأسعار. ورغم انخفاض أسعار النفط عن الرقم القياسي الذي كانت عليه في 11 يوليو (تموز) والبالغة 147.27 دولار للبرميل، إلا أن الأسعار مازالت مرتفعة عما كانت عليه في السابق، فأسعار النفط تزيد على 12.5% هذا العام، وقد زادت بمقدار أربعة أضعاف خلال خمسة أعوام.

تجدر الإشارة إلى أن المنتجين اعتادوا على هذه الأسعار المرتفعة للنفط، حيث قامت بدورها على تغذية ازدهار اقتصادي غير مسبوق من قبل في الشرق الأوسط، وروسيا، وأميركا اللاتينية. وبداية من الأبراج الشاهقة في أبو ظبي وحتى المدن الجديدة التي بدأت في الظهور في السعودية، بات من الواضح أن منتجي النفط أصبحوا يركنون إلى عوائد لتطوير الصناعات الجديدة، وجذب الشركات الجديدة، وتوسيع اقتصاداتها. وطبقًا لتقييمات وزارة الطاقة الأميركية، فإن هذا العام لا ينبغي أن يكون استثنائيًا، حيث يتعين على عوائد النفط الخاصة بدول «أوبك» أن تتخطى التريليون دولار. فقد ربحت الدول المصدرة للنفط 642 مليار دولار خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2008، أي ما يزيد تقريبًا عن العام الماضي. ومع ذلك تواجه منظمة «أوبك» في الوقت الحالي مأزقًا، فقد انخفض الطلب على النفط بالولايات المتحدة ـ أكبر الأسواق المستهلكة للنفط في العالم ـ بحوالي مليون برميل يوميًا نتيجة للأسعار المرتفعة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وأزمات الائتمان التي تعانيها. كما أصاب هذا الركود الاقتصادي أيضًا القارة الأوروبية، ولا تعتبر آسيا ـ المحرك الرئيس لزيادة الطلب على النفط ـ بمنأى عن الإصابة به هي الأخرى. هذا بالإضافة إلى أنه عادة ما يقل الإنتاج بصورة تقليدية في الربع الثالث من العام نظرًا إلى أن مصافي النفط غالبًا ما تتوقف عن الإنتاج للقيام بأعمال الصيانة السنوية. وفي اجتماع عقد أخيرا في جدة للدولة المنتجة والمستهلكة للبترول تعهدت السعودية بالاستمرار في ضخ البترول كي تساعد على تقليل الأسعار. وتُعد السعودية أكبر دولة منتجة في المنظمة والزعيم الفعلي لها. ويقول محللون انه في نفس الوقت تدرك السعودية أنها إذا حافظت على إنتاجها على المستويات الحالية فإنها سوف تسبب في تخمة داخل السوق. وتقوم السعودية بضخ نحو 600.000 برميل في اليوم أكثر من حصتها الرسمية. ويعتقد بعض المحللين أن المنظمة يمكن أن تفضل تقليلا غير رسمي في الإنتاج، وأن تقلل الدول إنتاج البترول دون الكثير من التصريحات، بدلا من أن يكون هناك إعلان رسمي يمكن أن يثير حساسية سياسية لدى بعض الحلفاء الغربيين، خاصة في ظل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وهناك خيار آخر، وهو عقد اجتماع آخر خلال من ستة إلى ثمانية أسابيع والإعلان عن خفض الإنتاج بصورة كبيرة. ومن المقرر أن تجتمع الدول الأعضاء في المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) في الجزائر، ولكن قد يكون ذلك متأخرا جدا كي تقوم «أوبك» بشيء إذا ما استمرت الأسعار في التراجع خلال الخريف. وقالت شركة «بي إف سي إنرجي» للاستشارات في مذكرة يوم الأربعاء: «محور النقاش بين وزراء الدول الأعضاء في منظمة أوبك الذين سيجتمعون في فيينا الأسبوع المقبل سيدور حول ما إذا كانت ثمة حاجة لتقليل إنتاج البترول الخام، ولكن سيركز على متى يجب أن يحدث ذلك. والقضية التي ستكون مطروحة أمام الوزراء هي كيف يمكن إدارة عملية تخفيض الإنتاج». ويشكك بعض المحللين في أن منظمة «أوبك» تحول بالفعل منع الأسعار من التراجع إلى ما دون 100 دولار للبرميل عن طريق التقليل الحذر للإنتاج. وقد قامت السعودية، على سبيل المثال، بتقليل الإنتاج خلال الشهر الماضي بنسبة 50.000 برميل إلى 100.000 برميل في اليوم، حسبما أشارت إليه العديد من التقديرات.

وما زالت هناك الكثير من الأسئلة دون جواب: ما هو أدنى سعر تريد «أوبكش الحفاظ عليه؟ وهل من الممكن أن تثبت المنظمة أنها أكثر فاعلية مما كانت عليه في الماضي عن طريق فرض نظام محدد على الدول الأعضاء؟ وما المستوى الذي تريد السعودية للأسعار أن تتراجع إليه؟

وتمثل منظمة «أوبك» نحو 40 في المائة من الإنتاج العالمي للبترول، وهي لا تقوم بتحديد الأسعار بصورة مباشرة، ولكن تدير الدول الأعضاء الإمدادات العالمية عن طرق حصص في الإنتاج توكل إلى كل الأعضاء بصورة دولية، ما عدا العراق. وترتيب الدول الأعضاء حسب مستوى الإنتاج في شهر يوليو (تموز) هو السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق وفنزويلا ونيجيريا وأنغولا وليبيا والجزائر وقطر وإندونيسيا والإكوادور. ومن المقرر أن تغادر إندونيسيا المنظمة نهاية العام الحالي بعد أن أصبحت دولة مستوردة للبترول بصورة كاملة. ويقول براد بورلاند، وهو اقتصادي بارز في «جدوى للاستثمارات»: «هناك اختلاف بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك بين من تريد الحفاظ على ارتفاع أسعار البترول، مثل إيران وفنزويلا، ومن تريد أسعارا أقل، مثل السعودية».

* خدمة «نيويورك تايمز»