الانفتاح التجاري يغير العاصمة الكمبودية

أكبر مشروع استثمار أجنبي مباشر أقيم حتى الآن تكلفته مليارا دولار

العاصمة الكمبودية بدأت ملامحها تتغير مع دخول الاستثمارات الأجنبية («نيويورك تايمز»)
TT

تتميز صالة عرض «برج الذهب 42» المكونة من ثلاثة طوابق بالفخامة، مثل المبنى السكني ذي اللون الذهبي، الذي سيصبح بمجرد الانتهاء منه سائدا في سماء بنوم بنه.

يرحب حارس الأمن بسيارة أحد الزائرين ويرشد الضيف إلى ساحة استقبال فسيحة كساحة فندق فخم. قبل أن يصعد الزائر السلم الكبير المغطى بالسجاد، ويطلب منه بلطف أن يخلع حذاءه ويرتدي زوجا من الخف المريح.

بعد أن يصعد إلى الأعلى، يجد بائعة تقف أمام نموذج كبير الحجم وتتحدث عن مميزات أول برج سكني في كمبوديا، يحتوي على مكان للعب الغولف، وقاعة للكاراوكه، ومكتبة. ثم تقود الزائر إلى ثلاثة نماذج لشقق سكنية في الدور الثالث.

يبدو أنه لم يتم إدخار أية تكاليف في الإنشاء على صالة العرض، ولكن هكذا تقدم الشركة المسؤولة عن البرج يون وو، وهي في كوريا الجنوبية، حلم الرفاهية لعدد قليل من أفراد النخبة المحلية والأوساط الأجنبية التي تتلهف إلى تجربة سوق عقارات يبدو أنها تحرز نجاحا مدهشا، على الرغم من المؤشرات التي ما زالت تذكر المرء بالفقر الذي تعانيه كمبوديا كإحدى دول العالم الثالث.

تؤكد الإعلانات التجارية، التي يمكن مشاهدتها عبر اليوتيوب، على فخامة المشروع. يقول الوكلاء إن المشترين تجذبهم مميزات مثل نظام الأمن عالي التقنية، وتكنولوجيا التشغيل الأوتوماتيكي في المنازل، وخزانة الملابس الفسيحة، والمطبخ المزود بكامل أجهزته. وبينما لا يصل مستوى هذه الوحدات إلى الشقق عالية التميز في سنغافورة وهونغ كونغ، إلا أنها فاخرة وفقا للمقاييس الكمبودية.

وهي ليست باهظة الثمن مثل الشقق الموجودة في هاتين المدينتين الآسيويتين أيضا. ويتراوح حجم الوحدة ما بين 153 مترا مربعا (1.647 قدم مربع) للشقة ذات ثلاث غرف، و336 مترا مربعا للشقة ذات خمس غرف. وتتراوح الأسعار ما بين 46 ألف دولار إلى 1.6 مليون دولار. (العملة الرسمية في كمبوديا هي الريل، لكن الدولار الأميركي مقبول أيضا هناك، وعادة ما تقيم العقارات بالدولار).

يقول نوف راتانا، مدير مبيعات شركة يون يوو في كمبوديا، إنه قد تم بيع 60 في المائة من الوحدات السكنية في «برج الذهب 42» والبالغ عددها 360 وحدة، اشترى العديد منها أجانب وخاصة الكوريون والصينيون.

عندما ينتهي بناء البرج المكون من 42 طابقا ويتكلف 240 مليون دولار عام 2011، سيتيح رؤية رائعة لبنوم بنه حيث العاصمة الصاخبة بمحاذاة النهر. ولكنه لن يظل ناطحة السحاب الوحيدة في المدينة، إذ يوجد العديد من الإنشاءات المرتفعة في حيز التخطيط أو البناء.

في منتصف شهر يونيو (حزيران)، بدأت أعمال بناء مبنى أكثر ارتفاعا، وهو مجمع المال العالمي المكون من 52 طابقا. ويحتوي المشروع، الذي تبلغ مساحته 727 ألف متر مربع، وتبلغ تكلفته مليار دولار، على برج مكتبي رئيس محاط بمباني صغيرة متعددة مصنوعة من الزجاج والفولاذ بها 275 وحدة سكنية مجهزة، و064.1 شقة، ومدرسة دولية صغيرة.

من بين المشروعات الأخرى التي يجري العمل فيها برج دي كاسل رويال كوندومينيوم المكون من 33 طابقا، وريفر بالاس 31 المكون من 31 طابق، ومركز بنوم بنه صن واه المالي العالمي، وهو مجمع متعدد الأغراض به مكاتب وفندق 5 نجوم ومركز تجاري صغير وثلاثة مباني سكنية. بينما تثير الأبراج بعض الجدل، لأنها تغير جذريا من شكل المدينة ذات المباني منخفضة الارتفاع وتضيف ملامح من العمارة الحديثة إلى الطراز المعماري الاستعماري المتلاشي، إلا إنها توصف بالرمز إلى نمو الدولة السريع. لقد ارتفع الاقتصاد الكمبودي إلى معدل سنوي بلغت نسبته 11 في المائة على مدى الثلاثة أعوام السابقة، حيث تخطت الدولة عقودا من عدم الاستقرار السياسي.

السبب الأساسي في هذا النمو هو الاستثمار الأجنبي، وخاصة القادم من كوريا الجنوبية ودول أخرى في شمال آسيا، حيث وصل إجمالي الناتج المحلي إلى ثمانية في المائة عام 2007، بعد أن كان أقل من واحد في المائة عام 2004.

تقود معظم مشروعات الإنشاء الجديدة شركات مقاولات واستثمار كورية. أكبر مشروع استثمار أجنبي مباشر أقيم حتى الآن (حيث بلغت تكلفته ملياري دولار) هو ذلك الذي أقامته شركة وورلد سيتي من كوريا الجنوبية، وهو كامكو سيتي، الذي بني على مساحة 119 هكتارا أو 294 فدانا على المشارف الشمالية الغربية من بنوم بنه. وقد بدأ المشروع عام 2005 ومن المقرر أن ينتهي عام 2018، وهو يحتوي على مباني سكنية وتجارية وعامة.

لقد ساعد انفتاح البلاد أمام التجارة الخارجية والجذب السياحي، وخاصة إلى معابد أنغكور وات، على هذا التوسع ونتج عنه بدايات لظهور طبقة وسطى.

نتيجة لذلك، وصلت أسعار العقارات إلى ذروتها في الأعوام الأخيرة. يقول تشارلز فيلار، وهو مدير عام في مجموعة بونا رياليتي أكبر وكالة للعقارات في كمبوديا، إن أسعار العقارات في بنوم بنه، ارتفعت لما بين 50 في المائة و80 في المائة عام 2007، وما بين 80 و100 في المائة حتى هذا العام، بناء على موقعها. وقد ارتفعت أسعار الأراضي فجأة في وسط المدينة هذا العام، لتصل إلى أكثر من 3 آلاف دولار للمتر المربع، بعد أن كان سعر المتر المربع 500 دولار عام 2003.

في نفس الوقت يقول فيلار، إن أسعار الإيجار زادت بنسبة 20 إلى 40 في المائة على مدار العام الماضي. فيبلغ إيجار فيلا كبيرة بها من خمس إلى سبع غرف نوم في موقع جيد 5 آلاف دولار في الشهر، بينما يتراوح سعر وحدة ذات غرفتي نوم ما بين 300.1 دولار إلى 500.1 دولار بناء على موقعها.

وعلى الرغم من الارتفاعات الحادة، إلا أن هذه الأسعار أفضل، مقارنة بتلك التي في بانكوك، حيث يبلغ إيجار فيلا ذات أربع غرف أكثر من 200 ألف بهات، أي حوالي 6 آلاف دولار في الشهر. وتجذب المواقع الكمبودية الكثير من المشترين الأجانب المهتمين، وغالبا ما يكونون في المنطقة المحيطة.

يقول بريتون سكياروني، وهو شريك في شركة «سكياروني وشركاؤه» القانونية في بنوم بنه، إن الأجانب لا يمكنهم شراء أراض، ولكن يمكنهم شراء ممتلكات مستأجرة لمدة 99 عاما أو 70 عاما، مع وجود خيار بالتجديد لمدة 70 عاما أخرى. توجد هذه الصيغة الأخيرة «في قانون الاستثمار لعام 1994، وعلى الرغم من أنها سقطت من القانون عندما تم تعديله، إلا أنها ما زالت مستخدمة». ويضيف سكياروني أن شائعات تسري بأنه سيتم تغيير القوانين لتسمح بشراء الأجانب للأراضي كاملة، إلا أن هذا غير محتمل. ويقول «على أية حال، في مطلع هذا العام، أوضح رئيس الوزراء في تصريحات متعددة، أنه لن يتم السماح للأجانب بالامتلاك المطلق للأراضي. ومن أجل تغيير هذا، لا ينبغي فقط تغيير القوانين، بل وتغيير الدستور أيضا. لذا لا نتوقع أن يتغير القانون في المستقبل القريب».

* خدمة «نيويورك تايمز»