« شبح» عام 98 يدفع أوبك للدفاع عن مستوى 100 دولار للبرميل

خفضت إنتاجها 520 ألف برميل يوميا > البدري: أميركا يمكنها أن تأمر شركاتها ولكن ليس نحن > غانم لـ «الشرق الأوسط»: القرار أضعف الإيمان > وكالة الطاقة: خفض الإنتاج قد يضر الاقتصاد العالمي

رئيس أوبك شكيب خليل قبل المؤتمر الصحافي (رويترز)
TT

فاجأت «أوبك» أمس الأسواق بالدعوة للالتزام بحصص الانتاج بدقة، الأمر الذي دفع أسعار النفط للبقاء حول 100 دولار للبرميل. ويبدو ان «شبح» عام 1998 قد خيم على اجتماعات «أوبك» في فيينا، عندما اتخذت «أوبك» في ذلك الوقت قرارا في جاكرتا بزيادة الانتاج الأمر الذي دفع النفط الى مستوى 10 دولارات. ومن الواضح جدا ان المنظمة قد قررت الدفاع عن مستوى مائة دولار للبرميل، وان «أوبك» ترغب في تجنب سيناريو كارثي يشبه ما حدث في 1998 عندما تراجعت اسعار النفط العالمية الى اقل من عشرة دولارات للبرميل الواحد في أوج الازمة الآسيوية آنذاك.

وفي هذا السياق فقد قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) سحب 520 الف برميل من النفط يوميا من الأسواق، للحد من تراجع اسعار الخام التي انخفضت لفترة قصيرة الى اقل من مائة دولار للبرميل، في خطوة تشكل انتصارا لـ«صقور» المنظمة وخصوصا إيران.

وقالت المنظمة في بيان نشر بعد الاجتماع العادي الـ149 في فيينا حيث مقرها انها «قررت العودة الى حصص سبتمبر/أيلول 2007» اي ما يعادل «28.8 مليون برميل يوميا وبدون احتساب حصتي العراق واندونيسيا التي تركت المنظمة». وأضاف البيان ان الدول الأعضاء في المنظمة «تعهدت احترام الحصص بدقة» في نهاية الاجتماع الذي استمر، حتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الأربعاء خلافا للقاءات الأخرى التي تعقدها المنظمة عادة في الصباح نظرا لشهر رمضان.

والإبقاء على الحصص من دون تغيير لا يشكل مفاجأة، لكن الدعوة الى احترامها بدقة هو مفاجأة.

واعترف رئيس المنظمة وزير النفط الجزائري شكيب خليل بأن القرار الذي يطبق فورا، يعني عمليا «خفضا في الانتاج يعادل 520 الف برميل يوميا» لأن المنظمة تنتج أكثر من حصصها الرسمية.

وقد حذر رئيس «أوبك» شكيب خليل من أنه لا يزال يتوقع ان تشهد الأسواق فائضا في إمدادات النفط بحلول نهاية العام. وقال محللون ان «أوبك» بعثت برسالة واضحة للأسواق التي تضررت من انتعاش الدولار وتدهور الآفاق الاقتصادية، مما أدى الى نزوح جماعي للصناديق الاستثمارية من السلع الأولية.

من جهته قال المتحدث باسم «أوبك» عمر فاروق إبراهيم ان المنظمة قررت العودة «الى الحصص التي كانت معتمدة في سبتمبر/أيلول 2007» خلال مهلة «أربعين يوما»، أي «28.8 مليون برميل يوميا باستثناء اندونيسيا» التي انسحبت من المنظمة.

وأوضح ان هذه الأرقام تشمل أنغولا والإكوادور اللتين لم تكونا بعد عضوين في ذلك التاريخ، مشددا على ان أعضاء «أوبك» «تعهدوا ان يحترموا بدقة حصص» سبتمبر 2007.

وذهب الأمين العام للمنظمة عبد الله البدري الى حد القول، ان الولايات المتحدة التي لم تكف عن طلب النفط من «أوبك» «يمكنها ان تأمر شركاتها ولكن ليس «أوبك».

وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» وصف الدكتور شكري غانم، رئيس الشركة الوطنية للنفط ورئيس الوفد الليبي لمؤتمر «أوبك»، القرار الذي اتخذه المؤتمر بأن يكون الالتزام بإنتاج المنظمة 28.8 مليون برميل يوميا، بأنه القرار الذي كان ممكنا اتخاذه في مثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية، باعتبار ان «أوبك» كان لا بد ان تتدارك ما تشهده الاسعار من انخفاض تحسبا مما حدث من هبوط سريع مستمر، قد يتواصل لمرحلة الانهيار. وأشار غانم أن القرار هو بمثابة «اضعف الإيمان» حيث انه ينص على مطالبة المنظمة أعضاءها بالالتزام بالحصص المقررة لإزالة الفائض في الأسواق من زيادات غير متفق عليها. وأوضح غانم ان القرار من الناحية العملية التطبيقية هو ليس خفضا، وانما مطالبة بالإلتزام بحصص الإنتاج أو «الكوتة» بحيث يكون سقف إنتاج المنظمة 28.8 عدا العراق، واندونيسيـــا التــي جمدت عضويتها.  وفي رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، قال المسؤول الليبي ان القرار ما كان من المفترض ان يفاجئ المتابعين، مؤكدا أنه منذ أسابيع وهناك حديث عن وجود فائض بالعرض أكثر من الطلب. مبينا ان الوزراء اتخذوا قرارهم بعد النظر بتمعن في أوضاع السوق العالمي، مذكرا في الوقت ذاته بأن سياسة «أوبك» تهدف لإيجاد سوق متوازنة لا تعاني من «الشح» أو «التخمة»، مشددا على أن ذلك هو الذي دفع «أوبك» للمحافظة على سقف الانتاج وفقا لقرار قمة الدوحة 2007.

لكن في المقابل قالت وكالة الطاقة الدولية أمس، بعد اتفاق «أوبك» على خفض الانتاج، ان أي خطوة للحد من إنتاج النفط العالمي قد تؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي المتعثر.

وقال ديفيد فايف المحلل في قسم صناعة وأسواق النفط بوكالة الطاقة لرويترز «قبل كل شيء فإن سعر 100 دولار للبرميل لا يزال مرتفعا للغاية بالنسبة للجميع». وأضاف «في ظل الاقتصاد الهش ومشاكل الميزانية والتضخم التي تواجهها الدول المستوردة للنفط، فإننا نرى أن خفض أي كميات نفط من السوق في هذا الوقت، قد لا يكون عاملا مساعدا ولكن دعونا ننتظر ونترقب ما سيحدث فعليا.

وقال فايف «نتوقع استمرار الضغوط على الاقتصاد العالمي». وأضاف «أي خطوة لتقييد الإمدادات قد يكون لها تأثير سلبي». وأشار الى أن موسم الطلب على وقود التدفئة في الشتاء وتهديد الأعاصير للبنية التحتية لصناعة النفط الاميركية قد تغير توقعات العرض والطلب في السوق.

وقد اثر انخفاض اسعار النفط الثلاثاء الى اقل من مائة دولار على الأرجح على قرار المنظمة، وعزز حجج «الصقور» الذين يريدون خفض الانتاج للحد من انخفاض الاسعار.

وكان سعر برميل البرنت النفط المرجعي لبحر الشمال، قد تراجع الى اقل من مائة دولار الثلاثاء في لندن للمرة الأولى منذ الثاني من ابريل (نيسان) وبلغ 99.3 دولار خلال الجلسة قبل ان يغلق على 100.34 دولار. كما تراجع سعر برميل النفط الخفيف في نيويورك الى 103.26 دولار.

وبذلك تراجع سعر برميل النفط ثلاثين في المائة عن السعر القياسي، الذي سجله في 11 يوليو (تموز) الماضي وبلغ 147.50 دولار.

ورأت «أوبك» التي باتت تضم 12 دولة انه من غير الضروري عقد اجتماع خلال ستة أسابيع، كما اقترح عدد من الوزراء لكنها ستعقد اجتماعا استثنائيا في 17 ديسمبر (كانون الأول) في مدينة وهران الجزائرية. كما ستعقد اجتماعها العادي الـ150 في 15 مارس ( آذار) المقبل في فيينا.

وأخيرا أقرت المنظمة رسميا رحيل اندونيسيا التي لم تعد دولة مصدرة للنفط، بل مستوردة لها.

كما اختارت رئيسا جديدا لها هو وزير النفط الانغولي ديزيديريو دي غراسا فيريسيمو اي كاستا، الذي سيتولى مهامه في الأول من يناير (كانون الأول) المقبل، خلفا للجزائري شكيب خليل.

وارتفع النفط أمس بعد قرار مفاجئ لـ«أوبك» بخفض الانتاج، وذلك بعد أن أدى تباطؤ الطلب من الولايات المتحدة ومستهلكين كبار آخرين الى هبوط الأسعار 30 في المائة خلال الشهرين الماضيين.

وكان معظم المحللين يتوقعون أن تبقي المنظمة سقف إنتاجها الرسمي بلا تغيير في اجتماعها في فيينا، رغم ان البعض أشار الى انها قد تشدد التقيد بالمستويات المستهدفة للإنتاج من اجل المساعدة في وقف هبوط أسعار النفط.

وفي هذا السياق أظهر أحدث تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية صدر أمس، أن الوكالة خفضت توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2008 بواقع 100 الف برميل يوميا، بسبب تأثير الضعف الاقتصادي والأسعار المرتفعة.

كما قلصت الوكالة توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2009 بواقع 40 الف برميل يوميا ليصل الى 890 الف برميل يوميا. وتتوقع الوكالة نمو إجمالي الطلب العالمي على النفط في عام 2008 بواقع 690 الف برميل يوميا.

وقال جوناثان كورنافل مدير مؤسسة هدسون كابيتال إنرجي في آسيا ان القرار «أظهر بالتأكيد أن «أوبك» لا تخشى الدفاع عن مستوى 100 دولار».

إلى ذلك تراجعت أسعار نفط «أوبك» إلى أقل من 100 دولار للبرميل، حيث تراجعت أسعار سلة خامات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى أقل من حاجز 100 دولار للبرميل، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة أشهر.