المصارف اللبنانية نجت من فيروس القروض العقارية العالية المخاطر

بفضل التشريعات والضوابط

TT

يجمع المصرفيون اللبنانيون على ان أزمة الرهن العقاري، أو أزمة القروض العقارية العالية المخاطر، التي هزت القطاع المصرفي والاقتصاد الاميركيين، وتسللت الى اوروبا، وحتى الى بعض الدول العربية ـ وإن بنسبة محدودة ـ لم يصل «فيروسها» الى لبنان، بدليل عدم اهتزاز أي مصرف لبناني، كما حصل في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو غيرهما. وبدليل عدم تعبير أي من مؤسسات الإقراض السكني في لبنان (المؤسسة العامة للإسكان، بنك الإسكان والمصارف) عن مخاوفها من عجز زبائنها عن تسديد قروضهم السكنية، باستثناء بعض الحالات الفردية والمحدودة، التي لا تتصل بأزمة الرهن العقاري العالمية والتي ليس لها أي تأثير يذكر على الجهة المقرضة نتيجة التشريعات والضوابط السارية المفعول.

ويؤكد الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور مكرم صادر «نأي المصارف اللبنانية عن الازمة العاتية بالمقاييس العالمية، التي ما زالت تداعياتها تنجلي تدريجياً مع انعكاسات خطيرة على كبرى المؤسسات المالية العالمية، وعلى أجهزة الرقابة وأنظمتها الأكثر عراقة». ويرد هذا النأي الى ثلاثة عوامل يحددها لـ «الشرق الأوسط» على الشكل الآتي: «بداية، دولرة الاقتصاد وما تستوجبه من تكوين سيولة عالية بالعملات الأجنبية لدى المصارف في فترات انعدام الاستقرار تقوم مقام المقرض في نهاية المطاف، أي البنك المركزي أو الخزينة. وهذه الحاجة الدائمة والكبيرة الى السيولة بالعملات الأجنبية هي التي تحدد دوماً إدارة المخاطر من جانبي المعادلة، اي إدارات المصارف والسلطات النقدية والرقابية. والعامل الثاني يتمثل بخصوصيات السوق المصرفية اللبنانية، ومنها ذهنية اللبنانيين المحافظة بطبيعتها وغير المغامرة في التوظيفات ذات المخاطر العالية. فاللبنانيون، مصارف ومجتمع أعمال، داخلياً وفي الأسواق العالمية، يوظفون في الأسواق والأدوات المباشرة وليس المشتقة. ويوظفون في الأدوات البسيطة (ودائع، أسهم، سندات خاصة، سندات حكومية..) وليس في المنتجات المركبة. وتتركز معظم مدخراتهم في توظيفات قصيرة الأجل، وإذا تخطوها فإلى العقارات».

ويضيف صادر «ان العامل الثالث يعود الى شبه الاحتكار الذي فرضه النادي الضيق للمصارف العالمية على هذا النوع من البنى والعمليات المالية ذات التعقيد العالي، فحصدت ثماره في زمن الحصاد، وها هي تتحمل خسائره وقد انكشفت مخاطره وهشاشته. ولقد ساعدت القوانين والتشريعات على عدم تورط مصارفنا، كما لم تشجع الأخيرة زبائنها على مثل هذه التوظيفات. وتقتضي الدقة الإشارة إلى ان التعميم الأساسي رقم 62 لمصرف لبنان المركزي يسمح بالتوظيف في مثل هذه الأدوات ما دامت بدرجة تصنيف وفي دول مصنفة فوق درجة الاستثمار BBB».

وثمة دلائل كثيرة على نجاة المصارف اللبنانية من فيروس القروض العقارية، لعل أهمها توسع هذه المصارف في الإقراض السكني بفوائد تنافسية وتسهيلات أخرى لجهة طريقة التسديد والمهل. ومن المهم الإشارة هنا الى ان المؤسسة العامة للإسكان التي تتعاون مع المصارف للإقراض السكني رفعت الحد الأقصى للقرض السكني من 120 مليون ليرة الى 180 مليون ليرة. وتأمل المؤسسة تطبيق زيادة الأجور «بما يساهم في توسيع قاعدة المستفيدين من الزيادة المقررة على قيمة القروض السكنية، لان عدد المستفيدين من القروض بقيمتها الحالية او الإضافية يقتصر على الذين لا يزيد دخلهم العائلي عن 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور، اي 3 ملايين ليرة»، على حد قول رئيس مجلس إدارة المؤسسة بالإنابة عبد الله حيدر.

ولعل أفضل دليل على «صلابة» القطاع المصرفي اللبناني إزاء أزمة القروض العقارية هو التقارير الدولية التي تؤكد الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، وفي مقدمتها إدراج إحدى المجلات الدولية المتخصصة 8 مصارف لبنانية ضمن لائحة أول ألف مصرف تجاري في العالم، واعتبار بنك الاستثمار الإقليمي «EFG هرمس» القطاع المصرفي اللبناني «الأقل عرضة للمخاطر بين اقتصادات البلدان غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي». ويعتبر «هرمس» في تقرير شامل عن القطاعات المصرفية السبعة الأكثر تطورا في منطقة الشرق الأوسط ان أسهم المصارف اللبنانية والمصارف المصرية والسعودية هي الأكثر جاذبية، استنادا الى توقعات نمو الأرباح في الفترة الممتدة بين 2008 و2010.

وربما كان خلو الساحة اللبنانية من أزمة قروض عقارية هو الذي دفع «مؤسسة التمويل الدولية» التابعة للبنك الدولي الى المساهمة في رأس مال شركة «بوتيك» اللبنانية العاملة في قطاع البناء والمقاولات بمبلغ 15 مليون دولار، وتعتبر هذه المساهمة هي الأولى بعد «اتفاق الدوحة».