وزراء مالية منطقة اليورو يبحثون سبل تفادي الركود الاقتصادي

الناتج الصناعي انخفض أكثر من المتوقع مما يزيد المخاوف من انكماش يقود إلى الكساد

رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه أثناء المؤتمر الصحافي أمس، حيث مخاوف الركود الاقتصادي تخيم على منطقة اليورو (ا.ب)
TT

بدأ وزراء مالية دول منطقة اليورو، وعددها 15 دولة، أمس اجتماعا في مدينة نيس الفرنسية، يبحثون خلاله سبل تفادي ركود اقتصاديات المنطقة ومنع تكرار الاضطراب الحالي في أسواق المال.

وقال وزراء مالية أوروبا أمس، ان تباطؤا تقوده الولايات المتحدة دفع جانبا كبيرا من منطقتهم الى حافة الركود، وهو ما كانوا يرونه غير ممكن قبل أشهر قليلة، فحسب.

وقال جان كلود يونكر رئيس وزراء لوكسمبورغ ووزير المالية وأيضا رئيس منتدى يوروغروب لوزراء مالية منطقة اليورو: «ضعف النمو أسوأ كثيرا مما كنا نظن منذ بضعة أشهر». لكنه لا يتوقع انزلاق المنطقة الى ركود عميق أو طويل الأمد، وقال «التباطؤ خطير جدا... لكنني لا أعتقد أننا بصدد فترة من الركود الطويل».

وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه، الذي رفض خفض أسعار الفائدة، قد قال أول من أمس الخميس، ان «التضخم مشكلة من الدرجة الأولى». ويأتي الاجتماع الذي تستضيفه مدينة نيس الساحلية في جنوب فرنسا بعد يومين فقط من صدور تقديرات جديدة للمفوضية الأوروبية أظهرت انزلاق ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا الى الركود وتوقف شبه تام للنمو الاقتصادي في المنطقة عموما.

وكانت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد قد هيأت الجو العام للاجتماع الذي يستمر يومين وتنظمه بلادها، باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 بلدا، منها 15 دولة تشترك في عملة اليورو.

ويناقش الوزراء أحدث التوقعات الاقتصادية الصادرة عن المفوضية الأوروبية، التي قلصت معدل النمو المتوقع لاقتصاديات منطقة اليورو خلال العام الحالي إلى 1.3% من إجمالي الناتج المحلي.

في الوقت نفسه من المتوقع أن تواجه إسبانيا وألمانيا «ركودا فنيا» للاقتصاد، وهو ما يطلق على انكماش الاقتصاد خلال فصلين متتاليين من العام. في حين تواجه فرنسا وإيطاليا تراجعا اقتصاديا خلال النصف الثاني من العام الحالي.

وكتبت تقول في صحيفة «لو فيغارو» اليومية الفرنسية: «يعقد الاجتماع في سياق اقتصادي صعب».

وعلى مدى العام الأخير تعرضت أوروبا لصدمة خارجية ثلاثية تمثلت في الازمة المالية، التي انطلقت من الولايات المتحدة وارتفاع سعر النفط الذي رفع التكاليف على الشركات وعصف بالأوضاع المالية للأسر، بالإضافة الى الزيادة القوية في سعر صرف اليورو.

ومن المتوقع خلال المحادثات، التي يحضرها مسؤولو البنوك المركزية، أن يدعو الوزراء الى استراتيجية لتحمل الشدائد بغير شكوى، نظرا لارتفاع التضخم والعزوف عن مخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي للميزانية بالخروج من المأزق عن طريق الإنفاق العام على الطريقة الاميركية.

ولكن وزير المالية الألماني بير شتاينبروك قال لدى وصوله إلى نيس، إنه لا يعتقد بأن هناك حاجة إلى خطة لإنعاش الاقتصاد الأوروبي على غرار خطة الإنعاش الاقتصادي، التي تبنتها الولايات المتحدة. وأضاف «أنا ضد حزمة إجراءات تحفيز الاقتصاد في أوروبا أو في ألمانيا. وفي اعتقادي أن هذا سيكون مجرد تبديد للمال».

وتأتي هذه الاجتماعات في وقت أظهرت بيانات أمس أن الناتج الصناعي لمنطقة اليورو انخفض بدرجة أكبر حدة من المتوقع في يوليو (تموز) الماضي، مما يزيد المخاوف من انكماش الاقتصاد من جديد في الربع الثالث وانزلاقه الى الكساد.

وقال مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، ان الانتاج الصناعي انخفض في المنطقة التي تضم في عضويتها 15 دولة بنسبة 0.3 في المائة، مقارنة بالشهر السابق، وسجل انخفاضا سنويا بلغ 1.7 في المائة.

وكان الاقتصاديون يتوقعون انخفاضا شهريا بنسبة 0.2 في المائة وسنويا بنسبة 0.7 في المائة.

كما عدل يوروستات بالخفض أرقام يونيو (حزيران) لتظهر انخفاضا شهريا بنسبة 0.2 في المائة، بدلا من التقديرات السابقة التي أظهرت ثبات الناتج. كما عدل الانخفاض السنوي في يونيو الى 0.8 في المائة بدلا من 0.5 في المائة.

وقال هاوارد ارتشر كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي لدى غلوبال انسايت، «الهبوط في الناتج الصناعي في يوليو يعزز المخاوف من إمكانية انكماش الاقتصاد في منطقة اليورو مرة أخرى في الربع الثالث، بعد انكماش الناتج المحلي في الربع الثاني بنسبة 2 .0 في المائة لينطبق بذلك عليه تعريف الكساد».

كما تأتي في الوقت الذي أصدر فيه معهد دي.آي.دبليو الألماني للدراسات الاقتصادية يوم الأربعاء، تقريرا أشار فيه إلى أنه يتوقع انكماش الاقتصاد الألماني بمعدل 0.1% من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الثالث من العام الحالي.

وذكر المعهد أنه رصد تراجعا شديدا في الناتج الصناعي ونشاط قطاع التشييد، مما يدفع الاقتصاد الألماني نحو دائرة الركود.

في الوقت نفسه خفضت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء أيضا توقعات النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي لعام 2008 للمرة الثانية خلال سبعة شهور، محذرة من أوقات عصيبة تنتظر التكتل الأوروبي.

وكانت المفوضية الأوروبية، التي تعد الذراع التنفيذية للاتحاد تتوقع في السابق أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالتكتل المؤلف من 27 دولة إلى 2 في المائة. غير أن التقديرات المؤقتة التي أصدرتها المفوضية في فبراير (شباط) الماضي خفضت بدورها بمقدار نصف نقطة مئوية مقارنة بتوقعات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

كما جرى خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بالدول الـ15 الأعضاء في منطقة اليورو من 1.7 في المائة إلى 1.3 في المائة، وهو ما يتماشى مع توقعات المحللين.

ويعزى التراجع الاقتصادي، الذي تشهده أوروبا حاليا، إلى خليط من العوامل، من أهمها تفاقم الفوضى المالية العالمية وانهيار السوق العقارية والارتفاع الهائل في أسعار السلع.

وبالنسبة لألمانيا، التي تعتبر القاطرة الاقتصادية لأوروبا، ظلت توقعات الناتج المحلي عند 1.8 في المائة، بينما أكدت إيطاليا شهرتها كـ«رجل أوروبا المريض» بعد أن انخفض النمو الاقتصادي فيها في عام 2008 من 0.5 في المائة إلى 0.1 في المائة فقط.