«نينتندو» من الظل إلى واحدة من النقاط المضيئة في البورصة اليابانية

باتت ثالث أغلى شركة بعد تويوتا ومتسوبيشي نتيجة ابتكاراتها غير التقليدية

الشركة أثبتت نفسها كمصنِّع ابتكاري للألعاب الترفيهية يتمتع بنزعة استقلالية عالية (ا.ب)
TT

«نينتندو» ليست هي شركتك اليابانية النموذجية، ويعرف ذلك سكان مدينة كيوتو، حيث أسست «نينتندو» ويوجد مقرها منذ فترة طويلة. فحتى قبل اختراع نظام «نينتندو» للترفيه في عام 1983 الذي أخذ الشركة إلى الساحة العالمية، كانت الشركة قد أثبتت نفسها كمصنِّع ابتكاري للعب الأطفال يتمتع بنزعة استقلالية عالية. ويظهر المنحى الصعب الذي اتبعته «نينتندو» منذ أن دخلت مجال ألعاب الفيديو، مع المكاسب التي حققتها والهزائم التي منيت بها في معاركها مع «سوني» و«سيغا» و«مايكروسوفت»، رغبتها إلى مجابهة المخاطر، مع أن الكثير من المنافسين اليابانيين يتجنبون ذلك. قبل أعوام قليلة، عندما كان هناك الكثيرون على وشك أن يلغوا الشركة من حساباتهم، أتت «نينتندو» بمنتجين جديدين أعادوها إلى قمة ألعاب الفيديو. ويقول بلهام سميثرز، وهو محلل في «بالي إنترناشونال» بسنغافورة: «للمرة الأولى كان لنينتندو نظاما ناجين من ألعاب الفيديو في نفس الوقت أحدهما يمكن حمله في اليد والآخر يمكن أن يكون في غرفة المعيشة». وبالنسبة للكثير من المحللين، فإن صعود «نينتندو» وثقافتها المؤسساتية هي ثمرة البيئة التي نشأت فيها. ففي كافة أنحاء اليابان، يُعرف سكان مدينة كيوتو بأنهم متحفظون حيال الدخلاء ومتمسكون بمعتقداتهم بشدة.

ولأنها كانت عاصمة اليابان حتى نهاية الستينيات من القرن التاسع عشر، فقد كانت المدينة محل إقامة الكثير من الأباطرة على مدى أكثر من ألف عام وتزخر المدينة بالسرادقات القديمة الموجودة بها المصنوعة من الفضة والذهب، والقلاع التي تعود إلى العصور الوسطى. ويرى الكثير من السكان المحليين أنه عندما تسعى «نينتندو» لإبهار العالم بإبداعاتها، فإنها ببساطة تمارس تقليدا اشتهرت به مدينة كيوتو، وهي فلسفتها الراسخة لإظهار المدينة أمام العالم الخارجي على أنها أفضل مدينة في العالم. ويقول كازومي ماتسوشانيج، وهو نائب رئيس جامعة كيوتو: «في كيوتو، يجب أن تكون أصيلا، وإلا لن تحظى بالتقدير. إذا لم تكن أصيلا وانجرفت إلى التيار السائد فسوف يستقبلك الناس بفتور في كيوتو». ولشركة «نينتندو» أصول متجذرة. أسس الشركة فوساجيرو ياماوتشي في عام 1889، وبدأت بالعمل في بيع كروت الألعاب اليابانية التقليدية وبعد ذلك أخذت تبيع كروت لعب على النمط الغربي. وعندما تولى حفيد ياماوتشي، هيروشي، مقاليد الأمور في الشركة في عام 1949، وكان عمره حينئذ 22 عاما، أخذ يعمل على الترويج لكروت اللعب البلاستيكية التي لم تكن معروفة في البلاد.

ومن هنا، أخذت الشركة في التوسع في اللعب مثل لعبة «ألترا هاند»، وهي عبارة عن أداة غريبة الشكل كان يستخدمها الأطفال اليابانيون في الإمساك بالكثير من الأشياء البعيدة، لسوء حظ الآلاف من الآباء. ولكن مجال لعب الأطفال كثير التقلب، فبمنتج واحد ناجح فقط يمكن أن تتفوق على الآلاف من المنافسين. وكان لـ«نينتندو» نصيبها من الزلات وواجهت أزمات مالية شديدة قبل أن تتجه إلى مجال ألعاب الفيديو الذي كان يشهد توسعا كبيرا خلال الثمانينيات من القرن الماضي. وحتى تتمكن الشركة الطموحة من النجاح، فقد كانت في حاجة إلى فلسفة مؤسساتية تتميز بالمثابرة حتى يمكنها امتصاص الخسائر التي منيت بها جراء بعض الأخطاء الكبيرة. وخلال عامي 2003 و2004، كانت شركة «نينتندو» تعاني كثيرا، بل وكانت على وشك الانهيار. ووجدت شركة «سوني» جمهورا كبيرا لنظام الألعاب الجديد الخاص بها، وتمكنت من جذب الزبائن الذين كانوا يفضلون نظم «نينتندو». وتراجعت حصة شركة «نينتندو» في المبيعات وكان المستثمرون والمحللون يقولون لمديري الشركة إنهم لن يمكنهم المنافسة مع ألعاب الأكشن السريعة الفائقة ورسوم الغرافيك المبهرة التي تتميز بها ألعاب «سوني». وقيل لهم إن عليهم التوقف عن إنتاج نظم اللعب والتركيز على تطوير الألعاب حتى يمكنها أن تحقق نفس مستوى النجاح الذي حققته سلسلة «سوبر ماريو براذرز». ويقول إيجي مايدا، وهو محلل بـ«جاي بي مورغان»، إن رد فعل شركة « نينتندو»على هذا التهديد كان نموذجيا، فقد تجاهلت التحذيرات وقررت الدخول في حرب مع «سوني» في مجال نظم اللعب. ويضيف مايدا: «أنه مزيج من أن يكون معك وفرة من المال وأن تحدوك العقيدة القوية والقناعة بما يفعلونه». وبدلا من أن تسعى لهزيمة «سوني» باستخدام نظام جديد آخر، كانت «نينتندو» تعكف على الـ«وي». وبدلا من السعي من أجل إبهار جمهور ألعاب الفيديو، الذين يبحثون وراء المزيد من الأكشن وصور أنقى، صنعت «نينتندو» نظاما للعب يمكن أن يكون ممتعا للأطفال الأصغر والنساء الأكبر سنا. وأخذت شركة «نينتندو» منحى تقنيا أقل من هذا الذي استخدمته شركة «سوني» واستهدفت قاعدة جديدة من الزبائن عندما أخذ نظام «وي» طريقه إلى السوق في عام 2006.

وفي ذات الوقت كان الاعتقاد السائد أن ذلك الأمر لا يزال محدودا، لذا بدأت الشركة في تطوير لعبة نينتندو دي إس التي تُحمل في اليد والتي لاقت رواجًا كبيرًا وبيع ما يقرب من 70 مليون قطعة منه منذ بداية تصنيعه في 2004.

وبغض النظر عن الحصافة التقليدية، غيرت نينتندو اللعبة وغيرت معها حظوظها، فقد ارتفعت التوقعات بالنسبة لأرباح الشركة خلال عام 2009، حيث ظهرت توقعات بأن تتمكن الشركة من الحصول على دخل سنوي يصل إلى 2 تريليون ين ياباني، أي ما يعادل 18.4 مليار دولار، وهو ما يعادل أربعة أضعاف دخلها عن المبيعات في السنوات الثلاث السابقة.

ويتوقع ان تبلغ أرباح التشغيل 650 مليار ين ياباني، وهو أعلى من أي دخل حصلت الشركة عليه من قبل، وبنهاية العام المالي للشركة يتوقع أن تبلغ حصيلة مبيعات ألعاب/أنظمة وي أكثر من 50 مليون دولار ومبيعات دي إس 100 مليون دولار.

وبرأسمال سوقي يقدر بحوالي 7.5 تريليون ين، تعد نينتندو ثالث أغلى شركة في اليابان بعد شركات تويوتا موتورز ومتسوبيشي يو إف جيه فينانشيال. وقد قفزت أسهم الشركة خمسة أضعاف عن بدايتها عام 2004، لتصبح واحدة من النقاط المضيئة في الأسواق المالية المتذبذبة في اليابان.

ويقول مائيدا المحلل في جي بي مورجان: «إنه لشيء نادر أن تقوم شركة يابانية مثل نونتيندو بتحقيق مثل هذه الأرباح في تلك الفترة القصيرة من الزمن».

ويضيف يسميثرز المحلل في بالي انترناشيونال، أنه من بين المستثمرين العالميين تأتي نينتندو إلى مصاف آبل وغوغل ورسيرش إن موشن وهي إحدى أربع شركات تمتلك بورصات التكنولوجيا.

لكن يسميثرز لايزال حذرا تجاه الرهان على أن سباق البورصات سوف يستمر منذ أن أثبتت الدورات الصناعية السابقة أن أسواق ألعاب الفيديو غير مستقرة على الإطلاق، فيقول: «ربما يكون لدى نينتندو أفضل أنظمة ألعاب على الإطلاق، لكن ذلك لم يمنع المستثمرين من الشعور بالحماسة لإنتاج الأفضل».

ويقول المحللون إن هناك أسبابا تدعو إلى الاعتقاد أن نينتندو تعمل مع مجموعة خاصة بها، فالشركة لا تقوم بتصنيع الأجزاء الصلبة من أجهزتها، حيث تُوكل عملية التصنيع إلى شركات التجميع، وهى واحدة من بين الشركات اليابانية القليلة جدًا التي لا تستثمر في إنتاج المعدات الثقيلة. كما أنها ترفض المشاركة في الاتحادات الصناعية مثل ذا كومبيوتر إنترتاينمنت سبلايرز أسوسيشن، وهو أمر غير معتاد في الأسواق العالمية من شركة لها ثقلها. ولا تعد نوتيندو عضوًا منتظمًا أو حتى داعمًا لكن الاتحاد وصفها بأنها «عضو داعم خاص».

ويقول المحللون والموردون وبائعو البرامج الذين يتعاملون مع الشركة إن مديري الشركة وموظفيها يتمتعون بكفاءة كبيرة غير أنهم في ذات الوقت متحفظون إلى حد بعيد ويرغبون في العزلة، كما أنه يصعب التعامل معهم في الاتحادات. وكان الوصف الذي غالبًا ما وصفت به الشركة دائمًا في المقابلات هو «المنعزلون».

ويقول مدير إحدى شركات ألعاب الفيديو الرئيسة التي يقع مقرها في طوكيو والذي طلب عدم الكشف عن شخصيته لأن شركته تعمل مع نينتندو: «تلك هي الكلمة التي نستخدمها لوصفهم» وفي الوقت الذي تقوم فيه شركة سوني بالترحيب بمطوري الألعاب «فإن ذلك المطور للألعاب سيقضي وقتًا عصيبًا لكي يتلقى مكالمة هاتفية من شركة نينتندو».

وأضاف: هناك معارض للتجارة الصناعية مثل طوكيو جيم شو والذي يقام مرة في خريف كل عام، لم تظهر فيه نينتندو، وعلى العكس منها كانت هناك سوني ومايكروسوفت وكل شركات البرامج.

وأشار يوشيسوكي إنيوما المحرر المشارك في صحيفة «ذا أورينتال إكونومست» والمحرر السابق في مجلة تويو كيزيا اليابانية الأسبوعية، إلى أن سلوك نينتندو يعد تجسيدًا لثقافة كيوتو فيقول: «لديهم القدرة على رفض الاتجاه السائد، ويقولون مهما كان ذلك الاتجاه سنقوم بذلك بالطريقة التي اعتدنا العمل بها».

* خدمة «نيويورك تايمز»