روسيا: هبوط الأسهم الدراماتيكي يمكن أن يهدد الازدهار الاقتصادي

وسط تصاعد التوترات السياسية مع الغرب وتراجع أسعار المواد الخام

بورصة انتربنك للعملات في موسكو (ا.ف.ب)
TT

الرسالة القادمة من الكرملين «لا يوجد داع للهلع». ولكن على أرض الواقعإ فإن هذا هو بالضبط ما يشعر به العديد من المستثمرين في روسيا. أسواق الأسهم في روسيا انخفضت أكثر 40 في المائة منذ بداية العام، وتهدد بوقف 8 سنوات الازدهار الاقتصادي. فقبل 18 شهرا، يبدو ان ذلك لم يكن أبدا في الحسبان، فالطفرة التي كان يشهدها الاقتصاد الروسي جذبت المستثمرين الباحثين عن تحقيق إيرادات مالية عبر قوة نمو الاقتصادات الناشئة، فضلا على تشجيع الحكومة الروسية آنذاك للناس العاديين للاستثمار في أسواق الاسهم عن طريق ما يسمى بـ«الاكتتاب العام للشعب».

ولكن التوترات الجيوالسياسية مع الغرب بعد أحداث جورجيا والانحدار السريع لأسعار الخام، أسهما في أحداث الأسبوع الأسود، وحتى السنة الأكثر سوادا، بالنسبة للأسهم الروسية، وتخوف العديد من المستثمرين.

فروسيا التي فاخرت في يناير (كانون الثاني) الماضي أثناء انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ـ سويسرا، بأنها «واحة من الاستقرار» أصبحت الآن اضعف من جميع الأسواق الناشئة الرئيسية وتتعرض لهزات قوية. فالبنوك تعاني من نقص السيولة، في حين بدأ المستثمرون يعربون عن القلق إزاء الاقتصاد، الذي، لا يزال يعتمد بدرجه عالية على صناعة النفط والغاز. انه ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية. وفي مواجهة هبوط الاسهم في الأسواق من جهة وارتفاع التضخم من جهة أخرى، فإن شعبية الحكومة الروسية في الميزان. ولكن في الوقت الراهن بدأ الكرملين باتخاذ زمام المبادرة في محاولة للتعامل مع الأزمة القائمة. فقد أكد الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف أن الاقتصاد الروسي يبقى جذابا للمستثمرين على الرغم من بعض الصعوبات المؤقتة. وقال ميدفيديف في لقاء مع المشاركين في نادي «فالداي» الدولي البحثي يوم أول من أمس، إن روسيا ستبقى بحكم موقعها ودورها في العالم وطاقاتها الذهنية، وغير ذلك من الإمكانيات، بلدا جذابا للمستثمرين. وأضاف أن القيادة الروسية تعمل من أجل تعزيز المناخ الاستثماري الجذاب لروسيا. وأعرب عن ثقته بأن روسيا ستتمكن في السنوات القريبة القادمة من جعل الروبل، إحدى عملات الاحتياط المضمونة، آخذة بعين الاعتبار المصاعب التي يعاني منها الدولار في الفترة الأخيرة. وقال الرئيس الروسي أمام الخبراء في مجموعة الأبحاث «فالداي»: «ان روسيا ستبقى على الدوام، بخصوصياتها الجغرافية ودورها في التطور العالمي للعمل وقدراتها الفكرية، دولة كبرى بالنسبة الى الاستثمار».

ورفض مدفيديف وصف التدهور الحالي في سوق البورصة الروسية بأنه «مأساوي»، معتبرا انه ناجم في «75% منه من الازمة المالية الدولية» وفي «25% منه من المشاكل الروسية الداخلية، وخصوصا عواقب الحرب» الروسية الجورجية.

وأعرب عن «تفاؤله» بالنسبة الى ارتفاع البورصة الروسية من جديد نتيجة وجود موارد كبيرة للانتعاش». من جهة أخرى، أكد الرئيس الروسي مجددا ان «حماية الملكية الخاصة تبقى احدى اكبر أولويات الدولة» وان الروبل سيصبح «عملة احتياط في السنوات المقبلة».

ودعا مدفيديف مرارا في الأيام الأخيرة الى نجدة السوق المالية الروسية الغارقة في أزمة انعدام ثقة، بسبب الظروف العالمية والنزاع في جورجيا، من دون التوصل الى إزالة الشكوك التي تحوم حولها.

وكان المؤشر الرئيسي لبورصة موسكو قد سجل زيادة 4.40% الجمعة، ليصل الى 1355 نقطة بعد سلسلة من التراجع أثناء جلسات التداول السابقة. وقد تراجع المؤشر بنسبة 40% منذ بداية العام وبنسبة 26% منذ بداية النزاع مع جورجيا في السابع من أغسطس (آب).

وكان الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف قد أمر الحكومة والبنك المركزي الروسيين يوم الخميس، بتسهيل دخول السيولة الى السوق المالية الروسية التي تواجه صعوبات في الفترة الحالية، كما ذكرت وكالات الأنباء الروسية.

وقال مدفيديف «على الحكومة والبنك المركزي ان يقوما بكل ما في وسعهما لضمان دخول مصادر مالية جديدة الى السوق. انه أمر حتمي وينبغي القيام به».

وكرر الرئيس الروسي القول من جهة أخرى، ان العاصفة التي تمر بها البورصة الروسية حاليا، هي في رأيه «ظاهرة مؤقتة لا تعكس الحالة الموضوعية للاقتصاد». وأضاف ان «سوق البورصة الروسية تبقى واعدة جدا بالنسبة للاستثمارات، وان المستثمرين الجديين يفهمون ذلك».

من جهته صرح قال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في حديث لصحيفة فرنسية أمس، ان الأزمة الروسية الجورجية «ليس لها اي تأثير» على الاستثمارات الأجنبية في روسيا.

وفي الوقت نفسه، أكد بوتين في المقابلة مع صحيفة «لوفيغارو»، ان تدفقا كبيرا جدا للاستثمارات سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد الروسي. وقال رئيس الوزراء الروسي ان «عام 2007 كان ايجابيا مع دخول 81 مليار دولار. هذه السنة ستبلغ (الاستثمارات) 45 مليار دولار».

وأضاف «في الواقع لسنا بحاجة الى أكثر (من هذا المبلغ) لأن ذلك سيزيد كثيرا في سيولتنا، وسيغذي التضخم. في نظري، ليس هناك اي تأثير للازمة في القوقاز على الاستثمارات الأجنبية في روسيا».

وفي مقابلته مع الصحيفة الفرنسية، قال بوتين ان روسيا ستنفذ التزاماتها بموجب الاتفاقات التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي. وقال «نعتبر ان هذه الاتفاقات مهمة جدا. اقدر الدور الكبير لإحلال السلام الذي لعبه (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي بصفته رئيسا للاتحاد الأوروبي». وأضاف «سنحترم هذه الاتفاقات، لكن على شركائنا الأوروبيين أيضا احترامها من جانبهم». وأكد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، أن اقتصاد بلاده يزدهر بسرعة كبيرة، مؤكدا أن بلاده لا تعاني من مشاكل في السيولة المالية، وأضاف أن الاقتصاد الروسي ينمو بشكل أفضل من الدول الغربية.

وأشار بوتين إلى أنه وعد خلال عام 2003 بمضاعفة إنجاز الاقتصاد، وأكد أن هذا الوعد سيتحقق نهاية العام المقبل أو أوائل عام 2010. واعترف بوتين بوجود مؤشرات للتضخم، ولكنه أوضح أن معدلات نمو الاقتصاد خلال الأشهر الأولى من العام الجاري بلغت 8%، وهي نفس نسبة العام الماضي.

وأشار إلى أن بلاده تحتل المرتبة الثالثة بين دول العالم في امتلاك احتياطي نقدي من العملات بعد الصين واليابان، حيث يبلغ إجمالي الاحتياطي النقدي الروسي من العملات 573 مليار دولار.

وقال بوتين للصحيفة، إن روسيا حققت فائضا في الميزانية في ظل تحسن التجارة الخارجية مع ارتفاع القوة الشرائية الداخلية، خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 7%.

وفي المقابل ورغم ان روسيا جذبت تدفقا قياسيا من الاستثمارات في عام 2007، لكن المستثمرين لا يزالون يشعرون بمخاوف من ميول الدولة للتدخل في الاقتصاد، كما حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في تقريرها الأخير.

وقال تقرير للمنظمة «ان العقبة الرئيسية أمام زيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، لا تزال مرتبطة بغموض سياسة الحكومة ولا سيما بخطر حصول تدخل اكبر للدولة في الاقتصاد وانعكاسات تأخير الإصلاحات الإدارية والقانونية الضرورية».

وجذبت روسيا في عام 2006 نحو 52 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، نصفها تقريبا في قطاع الموارد الطبيعية، بينما استثمرت الشركات الروسية 46 مليار دولار في الخارج، بحسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

وقال التقرير «ان قيودا جديدة على مشاركة الأجانب في استكشاف وإنتاج الغاز والنفط، قد تزيد من تفاقم الصعوبات التي تواجهها هذه القطاعات أصلا».

ولفتت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في المقابل، الى ان ممارسات إدارة الشركات تحسنت في السنوات الأخيرة تحت تأثير الخبرة التي اكتسبتها الشركات الروسية في الخارج، لكن لا يزال هناك الكثير من التقدم المطلوب إحرازه.

إلى ذلك قالت وزارة الموارد الطبيعية الروسية أول من أمس، ان الحكومة الروسية ستدرس سبل تعويض المستثمرين الأجانب، الذين يكتشفون مكامن معدنية استراتيجية لا يمكنهم تطويرها.

ويمنع القانون الروسي المستثمرين الأجانب من التنقيب عن المعادن الأساسية، لأن الدولة تعمل على إعادة سيطرتها على الصناعات الاستراتيجية، بعد موجة الخصخصة التي شهدتها في التسعينات.

وكانت وزارة الموارد الطبيعية قد قدمت للحكومة اقتراحها حول كيفية تعويض المستثمرين الأجانب، عن الخسائر التي قد تلحق بها إذا اكتشفوا مكمنا كبيرا، بما يكفي لكي يصبح موردا استراتيجيا.

وقال متحدث باسم الوزارة، ان الاقتراح يقضي بتعويضهم بنسبة 100 في المائة عن التكاليف التي تكبدوها، بالإضافة الى مبلغ يعادل إما نصف قيمة التكاليف، أو نصف سعر رخصة تطوير الموقع.