النخبة الفرنسية الثرية تجد ضالتها العقارية في بروكسل

انخفاض الضرائب ورخص أسعار المنازل من المميزات التي تجذبهم إليها

ميزة بروكسل عن الملاذات الضريبية الأخرى مثل لندن وجنيف تكمن في أسعار عقاراتها (ا.ف.ب)
TT

في الكثير من أنحاء الدول المتحدثة باللغة الفرنسية، يشير الاختصار «إس. دي. إف» إلى المشردين، لكن في بروكسل بات يجري استخدام هذه الحروف في الإشارة إلى قطاع محدد من الجالية الفرنسية المقيمة بالمدينة والذين لا يعانون من أي مشكلات مالية.

يذكر أن النظام الضريبي البلجيكي يولي معاملة تفضيلية لأصحاب الثروات الموروثة أو أي شخص يحاول الحد من ضرائب القيمة المضافة. لذا ساد الاعتقاد بأن السبيل الأيسر للتعرف على أي شخص يخطط لبيع شركته هو المرابطة على رصيف القطار الرابط بين بروكسل وباريس في صباح أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع والتطلع نحو أي فرنسي قرر قطع رحلة كبيرة بالقطار. وعلى رصيف رقم 9 من محطة الشمال بباريس، التقى وكيل خدمات النقل أوليفيير مينز بإدوراد مارتن الذي أصبح فيما بعد شريكه في العمل. في الوقت الحاضر، يتولى الاثنان إدارة شركة كواي نوف المعنية بخدمة الأسر الفرنسية الثرية التي تنتقل للعيش في بروكسل. وفي إطار حديثه عن عملائه، قال مينز: «معظمهم لم تسبق له زيارة بلجيكا. وعادة ما يأتي انتقالهم بناءً على نصيحة من أحد المحامين في باريس لهم بالانتقال إلى بروكسل. وهم لا يأتون إلى هنا من أجل التمتع بطعام البحر والكعك والبطاطس على الطريقة الفرنسية، وإنما عادة ما يكون انتقالهم لأسباب تتعلق بالضرائب». ومن المعروف أن بروكسل يغلب عليها الحديث باللغة الفرنسية، ويربطها بباريس خط سكك حديدية سريع، لكن ميزتها الكبرى عن الملاذات الضريبية البديلة الأخرى مثل لندن وجنيف في أسعار العقارات بها. وأوضح مينز أنه: «مقابل سعر شقة في باريس يمكن الحصول على منزل تحيطه حديقة في بروكسل» داخل ضاحية أوكل، وهي واحدة من الضواحي الراقية في بروكسل والتي يصفها مينز مازحاً بأنها باتت أشبه بجيتو فرنسي، يبدأ سعر منزل مؤلف من أربع غرف للنوم بمساحة 250 مترا مربعا، أو 2690 قدما مربعا، و600 متر مربع من الأرض من حوالي مليون دولار. والآن، يوجد منزل مكون من خمس غرف تبلغ مساحته 380 مترا مربعا وحديقة كبيرة مقابل 1.15 مليون دولار. على الجانب الآخر، فإنه داخل ضاحية نويلي سور سين الباريسية، والتي عادة ما تجري المقارنة بينها وبين أوكل في بروكسل، يصل ثمن شقة بمساحة 75 مترا مربعا إلى 630 ألفاً بينما يبلغ سعر الشقة المشابهة للأخرى المكونة من خمس غرف داخل أوكل 2.935.000. على امتداد 40 عاماً، ضمت أوكل مدرسة فرنسية ومحل بقالة مخصصا لبيع المنتجات الغذائية العضوية ومحلين لبيع الزهور وسوقاً أسبوعية مزدهرة. كما تتوافر بالضاحية محطة يمكن من خلالها للمسؤولين البيروقراطيين والسياسيين أن يستقلوا القطار إلى مكاتب المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي في غضون ما يقل عن 15 دقيقة. علاوة على ذلك، يضم شوزيه دي ووترلو، الشارع الرئيس بالضاحية، فروع لمحلي ستيلا فورست وماجي الباريسيين للملابس، إلى جانب محال أصغر تبيع ملابس من إنتاج فانيسا برونو. جدير بالذكر أن عدد سكان ضاحية أوكل وصل في السبعينات إلى ما يزيد على 70 ألف نسمة، لكن بفضل القيود الصارمة في مجال البناء ظل هذا العدد ثابتاً منذ ذلك الحين. ويرجع تاريخ إنشاء معظم المنازل إلى منتصف القرن العشرين وتعكس ميل بروكسل نحو التنوع المعماري. يذكر أن معظم الوحدات السكنية في ضاحية أوكل عبارة عن فيلات بعيدة عن الطريق وتحيطها من الأمام والخلف حدائق. إلا أنه توجد أيضاً منازل تنتمي للقرن التاسع عشر ومبان تضم شققاً على الطراز الحديث. من ناحيتها، أكدت صوفي مينيسون من شركة يورز ريزدنس سرتش، أن فارق الأسعار بين بروكسل وباريس دفع المشترين الفرنسيين لدفع مبالغ كبيرة للغاية مقابل بعض العقارات بضاحية أوكل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بها. وأضافت: «لم تكن هذه الأسعار باهظة بالنسبة لهم، لكنها كانت باهظة للغاية بالنسبة لأبناء بروكسل». وكانت مينيسون قد انتقلت من باريس منذ عامين، عندما انتقل زوجها للعمل في بروكسل. وقالت إنها شعرت بالإحباط إزاء مستوى الخدمة المقدمة من جانب الوكلاء المحليين العاملين بمجال العقارات، لذا قررت افتتاح وكالة خاصة بها. وأعربت مينيسون عن اعتقادها بأن: «الفرنسيين الذين برفقتهم أطفال يكسبون بالفعل بمستوى الحياة هنا، فالأمور هنا أسهل بكثير. وتتوافر هنا مجموعة من الفرنسيين الودودين لأن الجميع يواجهون الموقف ذاته. إننا لسنا بفرنسا، لذا يميل الجميع للوجود بالأماكن ذاتها، إما المدرسة أو النادي الرياضي».

من جانبه، أشار تيري جنوفيي، الذي يعمل بمصرف إدموند دي روتشيلد، إلى أن عام 2006 شهد انتقال أعداد كبيرة بصورة خاصة من الفرنسيين إلى بروكسل، الأمر الذي عزاه إلى شعور الأثرياء بالقلق إزاء إمكانية فوز المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال في الانتخابات، وما يترتب على ذلك من تهديدات بفرض نظام ضريبي أشد وطأة. إلا أن مخاوفهم اتضحت أنه لا أساس لها، حيث خسرت رويال أمام نيكولا ساركوزي. وقال جنوفيي، الذي انتقل إلى بروكسل من باريس خلال هذا الخريف للاعتناء بشؤون العملاء الفرنسيين للمصرف: «إن الأفراد لم يعودوا إلى فرنسا عندما وصل ساركوزي إلى السلطة، ولا تزال حركة الانتقال مستمرة. لقد كان هذا التوجه قائماً، ونحن قمنا بمجرد اتباعه. كان من الممكن أن نوجد هنا في وقت مبكر عن ذلك، لكن حركة الانتقال بطيئة الإيقاع».

من ناحية أخرى، قام كلير وييف مادر بشراء منزل في أوكل بعدما تم الإعلان عنه داخل السفارة الفرنسية في بروكسل. ووصفت كلير الوضع العام لأسرتها بـ«الممتاز»، خاصة أنهم تمكنوا من شراء منزل مزود بحديقة داخل ضاحية ذات مستوى جيد بسعر معقول. وأضافت: «المدينة صغيرة للغاية مقارنة بلندن وباريس، لذا من السهل على الأطفال أن يذهبوا إلى المتنزه أو شاطئ البحر أو حتى الدول الأجنبية المجاورة لبلجيكا. من جانبنا، نود البقاء هنا لأطول فترة ممكنة، رغم أننا ندرك أنه سيأتي يوم سيتعين علينا فيه العودة إلى فرنسا».

لكن بعض الفرنسيين الذين وصلوا حديثاً إلى بلجيكا انتابهم شعور بالصدمة. على سبيل المثال، أوضح ألين ليفبفر، رئيس تحرير مجلة، أن «الفرنسيين الذين يأتون إلى هنا يساورهم اعتقاد بأنهم وصلوا إلى ضاحية فرنسية، لكن سرعان ما يدركون أن الحال ليس كذلك، فالتوقيت ونمط الحياة والعادات مختلفة. بلجيكا ليست جزءاً من فرنسا، إنها بلد مختلف».

* خدمة «نيويورك تايمز»