«الاحتياطي الأميركي» يسيطر على «إيه.آي.جي».. و«النقد الدولي» يحذر من الأسوأ

خبير لـ : الاستحواذ يمثل خطوة تاريخية > محافظ مؤسسة النقد السعودي: لا حاجة لضخ سيولة > «لويدز» و«إتش.بي.أو.إس» البريطانيان يجريان محادثات اندماج > «ميريل لينش»: ركود الاقتصاد العالمي يلوح في الأفق

TT

سيطرت الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة على أميركان إنترناشيونال غروب (إيه.آي.جي) بعد ان ضخت 85 مليار دولار لمنع إفلاس اكبر شركات التأمين في ولتجنب أسوأ انهيار مالي في التاريخ. ومن المنتظر ان يقدم المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) قرضا لمدة سنتين، وامتلاك 79.9 في المائة من أسهم شركة (إيه.آي.جي)، التي تتخذ من نيويورك مقرا له، فضلا على استبدال الإدارة «لأن الفشل الفوضوي للشركة يمكن ان يزيد من ضعف الأسواق المالية الهشة أصلا»، وفقا لبيان من البنك المركزي في وقت متأخر أول من أمس.

وبعدما أبدى البنك المركزي الأميركي الأحد موقفا متصلبا حيال المصاعب التي يواجهها مصرف ليمان براذرز، بدل موقفه تماما أول من أمس فقدم مساعدة غير مسبوقة قدرها 85 مليار دولار لمجموعة التأمين «إيه آي جي» لتجنب أزمة مالية كانت ستعم العالم بأسره.

وقرر الاحتياطي الفدرالي الأميركي ان يسلف بنفسه «إيه آي جي» المبالغ المالية التي تحتاج إليها في وقت لم يعد فيه أمام الشركة التي كانت تعتبر لفترة طويلة اكبر مجموعة تأمين في العالم سوى بضع ساعات قبل ان تضطر الى إعلان إفلاسها.

وقال لـ«الشرق الأوسط» برايان بيتون، كبير الاقتصاديين لأسواق المال الأميركية في مؤسسة «غلوبال إنسايت» العالمية: «ان الحكومة الأميركية اتخذت خطوة تاريخية أخرى باستحواذها على أكبر شركة تأمين في العالم. وهذه الخطوة تعكس الى حد ما الانزلاق الخطير في أسواق المال الأميركية حيث ان أزمتي الرهون العقارية والائتمان العالمية تضران بالاقتصاد الأميركي منذ سنة تقريبا. وبدا أمس ان هذا الحل الجذري نجح في تهدئة مخاوف الأسواق المالية وسجلت عدة بورصات آسيوية مثل طوكيو وسيول ارتفاعا، فيما تراجعت بورصة هونغ كونغ.

وستسيطر الدولة الأميركية لقاء دعمها المالي على 79.9 في المائة من رأسمال شركة التأمين، فيما تتقلص حصة أصحاب الأسهم الحاليين الى النسبة المتبقية في ختام عملية الدعم هذه الأقرب الى التأميم. وستعتبر أصول «إيه آي جي» التي بلغت 1050 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) بمثابة ضمانة للبنك المركزي الأميركي. وستمكن هذه الأموال شركة التأمين من الاضطلاع بالتزاماتها المالية التي تزايدت بعدما خفضت وكالات التصنيف علامتها الاثنين.

وقال الخبير الاقتصادي روبرت بروكسل من مؤسسة «فاو ايكونوميكس» ان القرض يبدو شبيها بذاك الذي قدم لشركة كرايزلر للسيارات في الثمانينات من القرن الماضي لإنقاذها، مشيرا الى ان معدلات الفائدة «المرتفعة للغاية» ستدفع المجموعة الى التنازل بسرعة عن بعض فروعها لتسديد الأموال للاحتياطي الفدرالي بأسرع ما يمكن.

وبالرغم من الدعم الذي حصلت عليه المجموعة، إلا ان المئات من زبائنها وقفوا أمس في صفوف انتظار طويلة أمام مكاتبها في سنغافورة وبعضهم يطالب بفسخ عقوده، وقد أوضح عدد منهم أنهم غير مقتنعين بجدوى خطة مساعدة المجموعة التي أعلنها البنك المركزي الأميركي.

وكان الاحتياطي الفدرالي طلب في مرحلة أولى من مصرفي «غولدمان ساكس» و«جاي بي مورغان» توفير الأموال الضرورية لمجموعة التأمين حتى تتمكن من مواجهة واجباتها الطارئ.

غير ان البنك المركزي الأميركي اضطر الى التدخل بنفسه بعدما تدنى سهم «إيه آي جي» مجددا في البورصة، ما أثار مخاوف المصرفين.

وتبدو المساعدة التي قدمها الاحتياطي الفدرالي لمجموعة التأمين استثنائيا على أكثر من صعيد، أولها لان مسؤوليات البنك المركزي الأميركي لا تشمل في الظروف الطبيعية توفير السيولة لشركات التأمين غير التابعة لنطاق صلاحياته. وقال وزير الخزانة هنري بولسون مبررا القرار في بيان مقتضب «ان أسواقنا المالية تمر بأوقات عصيبة».

كذلك أيد البيت الابيض هذه الخطة وأعلن في بيان ان «هذه الإجراءات اتخذت من اجل دعم استقرار الأسواق المالية والحد من الأضرار المترتبة على باقي الاقتصاد».

وكانت معلومات أولية أفادت في وقت سابق من النهار ان السلطات الاميركية لا تستبعد تقديم مساعدة لمجموعة «ايه آي جي»، ساهمت بقوة في دعم بورصة نيويورك.

وكانت ستترتب على إفلاس «ايه آي جي» تداعيات اخطر بكثير من تداعيات إفلاس مصرف الأعمال الأميركي «ليمان براذرز» الاثنين بالنسبة للنظام الاقتصادي العالمي. وتعد مجموعة «ايه آي جي» التي تتخذ من نيويورك مركزا لها 74 مليون زبون في العالم معظمهم اميركيون، وهي توظف 116 ألف شخص في 130 بلدا.

ويبدو ان الانعكاسات السلبية لم تنته بعد ومرشحة للتفاقم حيث قال المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستراوس ـ كان، أمس إن أسوأ مراحل الأزمة المالية ربما لم يأت بعد، وان مزيدا من المؤسسات المالية قد تواجه متاعب في الشهور المقبلة.

وأضاف قائلا للصحافيين بعد اجتماع مع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول الخليج العربية إن الازمة تهدد بالتأثير على الاقتصاد العالمي رغم أن هناك مؤشرات على المرونة في كل من الدول النامية والمتقدمة.

وقال ستراوس ـ كان «انها أزمة مالية خطيرة جدا». ومضى قائلا «ان جذور الازمة أصبحت وراءنا والجذور هنا هي هبوط أسعار المساكن. أما عواقب ذلك على بعض المؤسسات المالية فلا تزال أمامنا. علينا أن نتوقع تعرض مؤسسات مالية أخرى لبعض المشاكل خلال الأسابيع والشهور المقبلة».

وجاءت تصريحات ستراوس ـ كان بعد يوم من ترتيب السلطات الاميركية صفقة حجمها 85 مليار دولار لإنقاذ شركة «أميركان انترناشيونال غروب» (إيه.آي.جي) من الإفلاس مما أعاد قدرا من الهدوء الى الأسواق العالمية المضطربة.

وقال«ما نشهده اليوم هو تصعيد في المخاطر النزولية والشكوك، ولكننا لا نزال نعتقد أن الاقتصاد العالمي سينتعش في عام 2009». وأضاف «ما يهم أن نراه هو أن هناك تأثيرا على الاقتصاد الحقيقي ولكن الاقتصاد الحقيقي يتمتع بمرونة عالية في كل من الدول النامية والمقدمة».

وفي السياق ذاته ارتفعت بحدّة توقعات حصول ركود اقتصادي عالمي، وبلغ تجنّب المخاطرة ذروة جديدة، حسبما جاء في الاستطلاع الذي أجرته شركة «ميريل لينش» لمديري صناديق الاستثمار لشهر أيلول (سبتمبر). إنّ الخوف على مستقبل الاقتصاد العالمي واضح هذا الشهر إذ إنّ 61 في المائة من الذين اشتركوا بالاستطلاع يعتقدون ان الركود مرجّح في الإثني عشر شهراً المقبلة. وقالت كارن أولني، الرئيسة الأوروبية لاستراتيجية الأسهم في ميريل لينش «لا يهتم المستثمرون كثيراً بالتضخم بينما الركود على أبوابهم والنظام المصرفي يرزح تحت الضغط. وقد بيّنوا بوضوح ان السياسة النقدية كثيرة التشدّد ومن الضروري تخفيض معدلات الفائدة». هذا وقد ونفى محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، حمد السياري، أن يكون هنالك تأثير للأزمة المالية العالمية على وضع النظام المصرفي السعودي، مؤكدا انه لا حاجة لضخ سيولة.

وقال السياري خلال اتصال مع التلفزيون السعودي في وقت متأخر من مساء أول من أمس الثلاثاء إن«وضع النظام المصرفي السعودي جيد جداً وسينعكس ذلك على النتائج المالية للبنوك في الربعين الثالث والرابع من العام الحالي». وأضاف أن البنوك في السعودية تخضع لنظام رقابة، مما يقلص من فرص تعرضها لمثل هذه الأزمات. ونفى أن تكون هناك استثمارات حكومية في الشركات التي تعرضت لأزمة الرهن العقاري، مضيفا أن هذه الاستثمارات يتم توزيعها مع الأخذ في عين الاعتبار المخاطر المتعلقة بها وبطريقة متحفظة.

وحول ما إذا كانت لدى مؤسسة النقد نية لضخ سيولة في النظام المالي، قال السياري إن وضع السيولة في النظام البنكي جيد جداً، مشيراً إلى أن عرض النقود للأشهر الماضية بلغ أكثر من 20 في المائة وهو معدل مرتفع، موضحاً أن مؤسسة النقد تسعى للسيطرة على التضخم الذي بلغ أعلى مستوى له متجاوزاً 11 في المائة والذي قال عنه انه يقلق القائمين على المؤسسة.

من جهة أخرى قات مصادر مطلعة ان بنك لويدز البريطاني يجري محادثات اندماج مع «إتش.بي.أو.إس» اكبر بنك في البلاد للرهون العقارية.

وترددت أنباء المحادثات بعد ان تضررت أسهم «إتش.بي.أو.إس» لليوم السادس على التوالي وسط تصاعد المخاوف بشأن الوضع التمويلي بعد أن زادت أزمة الائتمان من تكلفة الاقتراض. وارتفعت أسهم البنك بعد الأنباء. ولم يورد المصدر تفاصيل عن المحادثات أو المرحلة التي بلغتها كما أوردت وكالة «رويترز».

ورفض لويدز و«اتش.بي.أو.إس» التعليق. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن البنكين في مرحلة «متقدمة» من المحادثات، وبموجب الصفقة ستقدر قيمة أسهم «إتش.بي.أو.إس» بسعر قريب من سعر إقفالها الأسبوع الماضي البالغ 300 بنس وليس بسعرها الراهن.

وفي إطار تداعيات سقوط الأسواق العالمية يبدو ان الوضع الاقتصادي بدا يحتل الطليعة في الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الأميركي حيث وعد المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، باراك اوباما، الثلاثاء الماضي بإعادة الاستقرار الاقتصادي الى الولايات المتحدة وجعل ازدهار الأميركيين أولويته، وذلك في خطاب فصل فيه برنامجه الاقتصادي.

وقال اوباما خلال تجمع انتخابي في غولدن (كولورادو،غرب): «أولويتي كرئيس ستكون استقرار الاقتصاد الأميركي وازدهار الاميركيين». وأضاف «إنني مرشح للرئاسة لكي لا تكون أحلام الاميركيين مهددة أبدا». وأوضح سناتور ايلينوي انه سيركز جهوده على تخفيف العبء عن الطبقات الوسطى وليس على مساعدة «الشركات التي خلقت المشكلة». وبعدما نأى بنفسه عن منافسه الجمهوري، جون ماكين، معتبرا انه يدافع عن السياسة الاقتصادية التي اعتمدها الرئيس جورج بوش والتي «فشلت تماما»، دعا سناتور أوباما الى «إجراءات فورية» في قطاع الوظائف وحل أزمة العقارات.

وذكر أنه يرغب في إطلاق خطة عاجلة بقيمة خمسين مليار دولار ستتيح بحسب قوله إنقاذ مليون وظيفة. وأعلن عن «ستة مبادئ» لإصلاح السوق المالية، خصوصا عبر فرض قواعد أكثر صرامة.

وتابع اوباما «لكن التغييرات التي نحن بحاجة إليها (في المؤسسات المالية) يجب ان تتجاوز القوانين والقواعد». وقال «على المؤسسات المالية ان تعمل بشكل أفضل في مجال إدارة المخاطر»، معتبرا ان على المسؤولين عن هذه المؤسسات دفع ثمن أخطائهم. وعلى صعيد اسواق أسهم البورصات العالمية، أنهت الأسهم اليابانية تعاملات أمس في بورصة طوكيو للأوراق المالية بارتفاع كبير بعد الإعلان عن خطة حكومية في واشنطن لإنقاذ شركة التأمين الأميركية العملاقة «إيه.آي.جي» بقيمة 85 مليار دولار.

وارتفع مؤشر «نيكاي» القياسي بمقدار 140.07 نقطة، أي بنسبة 1.21 في المائة ليصل إلى 11749.79 نقطة. بينما صعد مؤشر توبكس للأسهم الممتازة بمقدار 3.86 نقطة، أي بنسبة 0.35 في المائة إلى 1121.43 نقطة.

وتلقت أسواق المال اليابانية نبأ خطة إنقاذ شركة التأمين الأميركية بصورة إيجابية حيث استعادت الأسواق جزءا من خسائرها الكبيرة أول من أمس الثلاثاء بعد عودة المستثمرين لشراء الأسهم.

وكانت بورصة طوكيو قد فقدت أمس حوالي 5 في المائة من قيمتها على خلفية إشهار إفلاس ليمان براذرز، رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه ضخ البنك المركزي الياباني ثلاثة تريليونات ين (28.73 مليار دولار) إلى الأسواق اليوم للحفاظ على استقرارها وتفادي حدوث أي أزمة سيولة خطيرة فيها.

وكان البنك قد ضخ أمس 2.5 تريليون ين لتهدئة المخاوف من حدوث أزمة سيولة نقدية في النظام المصرفي الياباني.

وارتفعت الأسهم الأوروبية في تعاملات منتصف أمس تقودها أسهم القطاع المالي مدفوعة بإنقاذ الحكومة الأميركية لشركة «ايه.اي.جي» للتأمين ودخول بنك «لويدز تي.اس.بي» البريطاني في محادثات اندماج مع بنك «اتش.بي.أو.اس».

وارتفع مؤشر «يوروفرست 300» لأسهم كبرى الشركات الأوروبية 0.8 في المائة الى 1100.52 نقطة بعد أن فقد 2.6 في المائة أول من أمس الثلاثاء و3.6 في المائة يوم الاثنين.

وقال هاينز غيرد سونينشاين، واضع استراتيجيات الأسهم في مصرف بوست بانك الألماني «أرى تعافيا معتدلا. لا تزال القصص الرئيسية هي إنقاذ إيه.آي.جي وتأثيره على أسهم القطاع المالي والشائعات التي تحيط بالاستحواذ على اتش.بي.أو.إس». وأضاف «لكن ذلك قد يستغرق فترة حتى يكتسب المستثمرون الثقة للعودة الى السوق بأعداد كبيرة».

إلى ذلك انخفضت الأسهم الأميركية بشدة في بداية التعاملات أمس، فنزل مؤشر ستاندرد اند بورز بأكثر من اثنين في المائة مع ارتفاع اسعار الاقتراض في ما بين البنوك، مما زاد من القيود على الائتمان في القطاع المالي العالمي.

وشعر المستثمرون بالقلق كذلك من ان خطة إنقاذ شركة التأمين «ايه.اي.جي» لن تكون كافية لتهدئة الاضطرابات التي عصفت بالأسواق. وقادت أسهم المؤسسات المالية الهبوط فهبط مؤشر ستاندرد اند بورز للمؤسسات المالية 4.1 في المائة.

وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي لأسهم الشركات الأميركية الكبرى 203.47 نقطة، أي بنسبة 1.84 في المائة الى 10855.55 نقطة. وتراجع مؤشر ستاندرد اند بورز 500 الأوسع نطاقا 25.25 نقطة، أي 2.08 في المائة، مسجلا 1188.34 نقطة. وهبط مؤشر ناسداك المجمع الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا 40.91 نقطة، أي 1.85 في المائة الى 2166.99 نقطة.

* أزمة 1929: انهيار اقتصادي لا سابق له

* باريس ـ (أ.ف.ب): بدأت الأزمة الاقتصادية عام 1929، التي تذكر بها الاضطرابات المالية التي تشهدها الأسواق حاليا، بانهيار في البورصة لا سابق له في الولايات المتحدة أدى الى عمليات إفلاس وبطالة معممة عبر الدول الصناعية.

وانطلقت الأزمة الخميس في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1929 في بورصة نيويورك بعدما طرح 13 مليون سهم في السوق لكن الأسعار انهارت بسبب غياب مشترين.

وانتشر الذعر وهرع المستثمرون والفضوليون الى البورصة في حين بدأ الوسطاء البيع بكثافة. وقرابة ظهر ذلك اليوم خسر مؤشر داو جونز 22.6 في المائة من قيمته. وبعد ساعات قليلة وجد آلاف المساهمين أنفسهم مفلسين. وتفيد الروايات بأن11 مضاربا انتحروا في نهاية النهار بإلقاء أنفسهم من ناطحات سحاب في منهاتن. وقد تبخر ما مجموعه سبعة الى تسعة مليارات دولار في يوم واحد. وانهارت البورصة، خاسرة 30 في المائة من قيمتها في أكتوبر و50 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وبلغت الخسائر الإجمالية 30 مليار دولار، أي عشر مرات أكثر من الميزانية الفدرالية وأكثر من النفقات الاميركية خلال الحرب العالمية الأولى. وبقي «الخميس الأسود» راسخا في الذاكرة الجماعية، ويحضر هاجس العام 1929 الى النفوس كلما حصلت اضطرابات في الأسواق المالية. وكانت هذه النكسة المالية الكبيرة مقدمة للأزمة الكبرى التي ضربت الولايات المتحدة وأوروبا. واتى ذلك رغم ان الولايات المتحدة كانت تتمتع منذ مطلع عشرينات القرن الماضي بازدهار اقتصادي مدعوم بارتفاع في ارباح الشركات وفي اسعار أسهمها. وكان نحو 2 في المائة من الشعب الأميركي يملك أسهما وسندات في البورصة اقتناعا منهم بإمكانية تحقيق مكاسب سريعة.

وبلغت بورصة وول ستريت أعلى مستوى لها في الثالث من سبتمبر (أيلول) 1929. والمضاربون الذين لم تكن تتوافر لهم الوسائل كانوا يجرون تعاملاتهم معتمدين على قروض أو من خلال إيداع سندات أخرى تشكل ضمانات. ولم يكن احد يدرك ان أسعار الأسهم في البورصة كانت تفوق قيمتها الفعلية مما جعل وول ستريت تفقد اي اتصال مع الواقع الاقتصادي.

و«الخميس الأسود» الذي شكل نهاية لمرحلة المضاربة هذه انعكس على كل الأسواق المالية العالمية بدءا بلندن.

وفي ربيع العام 1930 دخلت الولايات المتحدة مرحلة انكماش، ما أدى الى تراجع الانتاج والى عمليات إفلاس كانت تداعياتها الأخطر بطالة واسعة. وتحول حادث في البورصة سريعا الى أزمة عالمية حادة للغاية هي الأخطر التي شهدها النظام الرأسمالي. وبسبب ثقل الاقتصاد الأميركي (45 في المائة من الانتاج الصناعي العالمي) انتقلت عدوى الازمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينات الى الدول الغربية.

وبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة عام 1933 مع سياسة «العهد الجديد» (نيو ديل) التي وضعها فرانكلين روزفلت. وفي ألمانيا تسببت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في انهيار جمهورية فيمار، واستغلها النازيون للوصول الى السلطة وعمدوا الى تنشيط الاقتصاد عبر مشاريع ضخمة وإعادة تسليح عسكرية كثيفة.