تقرير: أرباح الأسواق الخليجية خلال 8 أشهر تبخرت في 15 يوما

أكد أن استقرار أسعار النفط وقوة الدولار سيعيدان الثقة بالسوق

TT

أرجع تقرير اقتصادي متخصص أزمة تراجع الأسواق الخليجية خلال الشهر الجاري إلى عدة عوامل، أبرزها «خروج المستثمرين الأجانب، وشح السيولة، ومخاوف انخفاض الأرباح، وانهيار الأسواق العالمية وتدهور أسعار النفط».

ورأى التقرير، الذي أصدرته شركة المركز المالي الكويتي وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن «الأمور تأزمت تماما بعدما بلغ معدل خسارة أسواق أسهم دول مجلس التعاون الخليجي 17% خلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، وهي أعلى خسارة شهرية، أو نصف شهرية حتى الآن، تشهدها الأسواق في الفترات الأخيرة، فأصبح وضع أسواق الخليج في غاية السوء، بعد أن استهلكت الأرباح، التي تم جنيها خلال أول ثمانية أشهر من العام، ومحقت في خمسة عشر يوما فقط».

وحول أداء الأسواق الخليجية «كان أداء السوق القطري ثابتا في معظم أجزاء السنة، ومع ذلك خسر 22% خلال النصف الأول من هذا الشهر، لتبلغ محصلة خسارته السنوية 15%، أما أبرز الخسائر فكانت في السوق السعودي الذي فقد 36% منذ بداية العام، فمني بذلك بأكبر الخسائر الخليجية، فيما أثبت السوق الكويتي أنه الأقل تقلبا بين أسواق دول الخليج، وبلغت خسائره 13%، بينما خسر سوق دبي 32%، وأبوظبي 18% عن نفس المدة».

وأوضح «المركز» أن «أسواق الأسهم عوقبت رغم وجود أساسيات قوية جدا، وعمليات تقييم منطقية، كما أن أسهم الشركات الكبرى استمرت بتحقيق نمو جيد جدا في صافي أرباحها، لكنها ليست قياسية، كما أن التدافع لبيع الأسهم في الأسواق الخليجية، فيه تجاهل للأساسيات القوية التي تجعل المنطقة مختلفة تماما عن بقية دول العالم، إذ تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق عام آخر من النمو المفترض العالي من خلال أسعار النفط القوية».

وفيما يتعلق بالأرباح طالب التقرير الشركات الخليجية بالاستعداد «لمواجهة فترة انخفاض الأرباح خلال هذا العام، بعد أعوام من النمو المذهل، حيث بلغ معدل نمو مكاسب الشركات 7% فقط خلال النصف الأول من 2008، مقارنة بـ28% عن العام الماضي».

وعدد التقرير جملة عوامل بإمكانها تغيير سلوك السوق، ومنها «استقرار أسعار النفط، الذي سيعيد الثقة في السوق بشكل كبير، يعقب ذلك مفاجآت الأرباح، إذ قد تفاجأ البنوك الأسواق بأرقام جيدة للربعين الثالث والرابع، إلى جانب النمو المستمر للدولار، وتخفيض تأثير التضخم المستورد، بالإضافة إلى دعم صناديق الثروات السيادية، نظرا لامتلاكها كمية عالية من السيولة، ثم يأتي أخيرا دور العلاج النقدي، بتخلي السلطات النقدية عن تحكمها بالتضخم لبعض الوقت».

يذكر أن دول الخليج شهدت العام الماضي تغيرا دراماتيكيا في سلوك الأسواق، إذ سجلت الأسواق في الربع الثالث من عام 2007 ارتفاعا مهما نتج عن أداء سنوي قوي جدا، وتم تقييم أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون بنسبة 24 في المائة خلال الربع الرابع، وهو يماثل تقريبا نصف أداء العام ككل.

وزاد تقرير شركة المركز المالي الكويتي أن «عوائد البترودولار خلقت موجة سيولة لم تشهدها المنطقة من قبل، وأن استثماراتها ستتوجه استراتيجيا الى البنى التحتية في كافة المجالات، والاستثمارات المالية الهائلة في الدول المتطورة، حيث وصل حجم استثمار دول الخليج في الصين والهند، وخاصة أفريقيا إلى مستويات قياسية، واستفادت دول مجلس التعاون بشكل رئيسي من عجز الحساب الجاري الأميركي، وهذا يخالف ما ساد بفترات ازدهار نفطي مرت بالمنطقة في السبعينات والثمانينات، وشهدت استثمار الأموال في أوراق الخزانة الأميركية وسندات أوروبية».

وزاد أن «حساب المستوى العالي من الإنفاق الذي تدعمه الحكومة تم على أساس افتراضات متحفظة في الميزانية لأسعار النفط، وفي معظم الحالات لم يكن متوسط السعر المفترض للميزانية أكثر من 40 دولارا للبرميل، في حين أن السعر الفعلي يقارب الآن 95 دولارا للبرميل، ويمكن للفوائض الهائلة التي تراكمت في الأعوام القليلة الماضية أن تظهر جليا، حتى لو انخفضت أسعار النفط ووصلت إلى المستويات التي كانت عليها في عام 1998، وكان سعر برميل النفط 10 دولارات».

وأرجع التقرير الخاص، الذي أصدرته شركة المركز الكويتي المالي حول أزمة تراجع الأسواق الخليجية إلى «مجموعة عوامل التقت معا في الوقت ذاته، فساهمت في هذا الانهيار السريع، ومنها خروج المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم صناديق التحوط، خاصة من راهن في بداية العام على فك ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي وأسعار النفط القوية، فقد تسبب ربط حكومات دول مجلس التعاون عملاتها بالدولار (عدا الكويت)، بتضخم مرده ضعف الدولار».

ووقف على أن «المستثمرين الأجانب لا يزالون لاعبين ثانويين في الوقت الراهن، وانتقائيين جدا حيال الأسواق، لكن ربما انتقل هلعهم إلى المستثمرين المحليين».

أما بخصوص انخفاض السيولة، فإن «ارتفاع نسبة التضخم في ظل ارتباط العملات الخليجية – ماعدا الكويتية ـ بالدولار الأميركي، يضع البنوك المركزية أمام خيار التحكم بنمو السيولة، حيث وصل التضخم إلى نقطة انحناء، لا يسمح بالالتفاف عليها وتجاوزها، وإلا ترتب على ذلك مضاعفات سياسية، فقيدت البنوك المركزية معايير الإقراض وفرض قيود على إقراض المستهلك، والذي عادة ما يجد طريقه إلى أسواق الأسهم، وذلك بهدف الإبطاء من نمو السيولة، بالإضافة إلى سيل الاكتتابات العامة الأولية وزيادات رؤوس الأموال التي أدت إلى شفط المزيد من السيولة من السوق».

وقال المركز في تقريره إن «مشكلة شح السيولة تقع في صلب المشكلة، إذ مثلت الأموال الميسرة بشروط سهلة المحور الرئيسي في فترة صعود أسواق الأسهم، حيث جاءت قروض المستهلكين من النظم المصرفية، حتى وإن كانت على شكل قروض استهلاكية، بهدف الاستثمار في أسواق الأسهم، كما كانت أسعار النفط المحرك الرئيسي للسيولة، إذ بات على صانعي السياسات النقدية مواجهة الاقتصاد المشتعل الذي حرك النمو الائتماني بفضل أسعار النفط، فكان عاملا مهما في التضخم، وأدى ارتفاع معدل التضخم في اقتصاديات عدد من دول مجلس التعاون إلى فقدان الثقة والاستياء العام».

ويلخص التقرير المعضلة بأنها تكمن في «النمو الاقتصادي مقابل التحكم بالتضخم، لذا تصدى صانعو السياسة للتضخم، من خلال إعاقة النمو الائتماني وتخفيض السيولة، وكان سوق الأسهم أول ضحايا هذه العملية لأن السيولة هي المنقذ للسوق، ما يعني أن الاقتصاديات النقدية والمالية تلعب دورا كبيرا في الاضطرابات الحالية».

ويؤمن المركز بأن «السلطات لن تتحكم بالتضخم المستورد لعدم رغبتها بالمخاطرة في فك ربط عملاتها بالدولار، كونها تعتقد أن الضعف الذي يمر به الدولار مؤقت، وعليه فهي تحاول الآن التحكم على النطاق المحلي بالتضخم الناتج بمساهمة النمو الائتماني والإنفاق الحكومي، إلى جانب التضخم المحلي الناتج عن فجوة بين العرض والطلب، وهو المؤدي إلى تزايد أسعار السلع، إضافة إلى أن تباطؤ الإنفاق الحكومي على المشاريع والبنية التحتية بإمكانه هو الآخر تخفيض معدل الطلب».