الأمم المتحدة: إنعاش الاقتصاد الفلسطيني يتم عبر استقلال السلطة

طالبت بوجود عملة وطنية ومجموعة كاملة من أدوات السياسات المالية والنقدية والتجارية

TT

قال تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أنه ليس من الممكن إنعاش الاقتصاد الفلسطيني الذي مزقته الحرب ما لم تتح للسلطة الفلسطينية خيارات متزايدة على صعيد السياسات. ويذهب التقرير إلى أن إنهاء سياسة الإغلاق الإسرائيلية والقيود التي تفرضها إسرائيل على حركة التنقل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتفكيك حاجز الفصل الإسرائيلي، وتكثيف الدعم المقدم من المانحين والإصلاح المؤسسي، هي أمور ضرورية ولكنها ليست كافية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والنمو المستديم.

ولهذه الغاية، ترى الدراسة أنه يجب أن تتوفر لواضعي السياسات الفلسطينيين المجموعة الكاملة من أدوات السياسات المالية والنقدية (العملة الوطنية (والتجارية وسياسة العمالة المتاحة لسائر البلدان.

كما جاء في تقرير الأونكتاد السنوي عن المساعدة المقدمة من الأونكتاد إلى الشعب الفلسطيني أن ثمة حاجة ملحة لتدعيم القدرات المؤسسية للسلطة الفلسطينية على صياغة وتنفيذ سياسات التنمية الاقتصادية. ويذهب التقرير إلى أن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون قادرة على الاضطلاع بدور رائد في تخصيص المعونة وإدارتها.

وقال التقرير إن معدل نمو الاقتصاد الفلسطيني بلغ صفراً في عام 2007 بعد أن كان قد تراجع بنسبة 5 في المائة في عام 2006 ولولا الإلغاء التدريجي للقيود التي فرضها المانحون في النصف الثاني من عام 2007 لكان الاقتصاد الفلسطيني قد تراجع للسنة الثانية على التوالي وفي ظل حالة توقف النمو الناشئة عن ذلك. وواصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي اتجاهه نحو الانخفاض ليصل إلى ما نسبته 60 في المائة من المستوى الذي كان قد بلغه في عام 1999 وارتفع معدل البطالة ليصل إلى 29 في المائة في عام 2007 مقارنة بمعدل قدره 21 في المائة في عام 1999، وزادت النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون دون خط الفقر الوطني من 52 في المائة في عام 2005 إلى 57 في المائة في عام 2006.

أما النسبة المئوية لأولئك الذين كانوا يعيشون في حالة فقر مطلق على مدى تلك الفترة فقد زادت من 40 في المائة إلى 44 في المائة. وفي عام 2007، كانت 62 في المائة من الأسر الفلسطينية قد فقدت ما يزيد عن 50 في المائة من الدخل الذي كانت تكسبه في عام 2000.

وقد كان للتآكل الذي تعرضت له على مدى فترة طويلة استراتيجيات الأسر الفلسطينية الرامية إلى التعامل مع واقع الحال أثر سلبي على التعليم والصحة، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية بعيدة المدى على تنمية الموارد البشرية والقدرات الفلسطينية في المستقبل.

ويقول تقرير الأونكتاد إن الحالة في قطاع غزة الذي يكاد يكون معزولاً فعلياً وحيث يعيش 1.5 مليون فلسطيني 40 في المائة من مجموع سكان الأرض الفلسطينية المحتلة (هي أسوأ بكثير. وتشير البيانات إلى وجود فجوة متسعة) في أحوال المعيشة بين غزة والضفة الغربية. وجاء في الدراسة أن غزة قد استبعدت من الحصول على تدفقات المعونة الأجنبية التي استؤنف تقديمها في عام 2007 إلى بقية الأرض الفلسطينية المحتلة ولا تزال تعاني من أسوأ أزمة إنسانية تتعرض لها. فالإغلاق المفروض على قطاع غزة محكم إلى حد لا يسمح معه إلا بدخول الحد الأدنى من الواردات الضرورية والمعونة الإنسانية. ويلاحظ التقرير أن 66 في المائة من سكان غزة كانوا يعانون في عام 2006 من حالة فقر مطلق بمعدل يزيد بمقدار 30 نقطة مئوية عما كان عليه في الضفة الغربية. وتعتبر تصفية استثمارات القطاع الصناعي والاستخدام الناقص للطاقة الإنتاجية في غزة أمرين مثيرين للهلع، فمؤسسات الأعمال كانت تعمل بما نسبته 46 في المائة فقط من طاقتها الإنتاجية في عام 2007، مقارنة بما نسبته 76 في المائة في عام 2006.

وبحلول نهاية العام الماضي، كان قد تم تعليق قرابة 95 في المائة من العمليات الصناعية في غزة بينما تقلص عدد المنشآت من 3500 في بداية عام 2005 إلى مجرد 150 في نهاية العام الماضي.

وكان لسياسة الإغلاق وللقيود التي تفرضها إسرائيل على حركة التنقل تأثير سلبي بارز في قطاع التجارة. فقد كانت الصادرات في عام 2007 أقل بمقدار الثلث عما كانت عليه قبل ثماني سنوات، بينما زادت الواردات بنسبة 4 في المائة.

وظل العجز التجاري مع إسرائيل يتزايد، وقد تفاقم من جراء تقلص الطاقة الإنتاجية بمقدار الثلث وما ترتب على ذلك من زيادة في الاعتماد على الواردات من إسرائيل من أجل تلبية الطلب المحلي. وارتفع العجز التجاري الفلسطيني مع إسرائيل بمقدار الخُمس بين عام 1999 وعام 2007 ليصل إلى ما يقدر بنحو 2.1 مليار دولار أميركي، أو ما نسبته 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و 90 في المائة من مجموع التحويلات الجارية الصافية) وجلّها دعم مقدم من المانحين.

وقد أدت القيود المفروضة على حركة التنقل، مقترنة بقيام إسرائيل على نحو متكرر باحتجاز الإيرادات الضريبية والجمركية الفلسطينية التي تحصلها إسرائيل بالنيابة عن السلطة الفلسطينية إلى تفاقم الأزمة المالية المستمرة. فهذا المصدر من الأموال يمثل، عندما لا يحتجز، نسبة تتراوح بين 60 و 70 في المائة من الإيرادات العامة وبالتالي فهو يشكل حجر الزاوية بالنسبة لموارد الميزانية الفلسطينية. ونتيجة لقيام إسرائيل على نحو متكرر باحتجاز هذه الإيرادات، فإن مجموع إيرادات السلطة الفلسطينية قد سجل تقلباً حاداً، حيث بلغ 1.1 مليار دولار في عام 1999، ثم انخفض إلى 300 مليون دولار في عام 2002 وعاد ليرتفع إلى 1.2 مليار دولار في عام 2005، ثم انخفض إلى 360 مليون دولار في عام 2006 ليعود ليرتفع مرة أخرى إلى 1.2 مليار دولار في عام 2007. ويذهب التقرير إلى أن حالة عدم التيقن فيما يخص هذا المصدر الرئيسي من مصادر الدخل لا تجعل من عملية تخطيط الميزانية عملية تكاد تكون مستحيلة فحسب بل انها تحرم السلطة الفلسطينية أيضاً من أدوات السياسة المالية التي تحتاج إليها من أجل إدارة وحفز الاقتصاد أو حتى لتلبية الاحتياجات الأساسية للقطاع الاجتماعي. وبالتالي فإن العجز المالي الفلسطيني قد ارتفع بقوة من 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005 إلى 27 في المائة في عام 2007 على الرغم من تدابير التقشف المُتخذة.

ويحذر التقرير من أنه بالرغم من كون فاتورة الأجور التي تدفعها السلطة الفلسطينية تشكل أكبر عنصر من عناصر الإنفاق العام، فإن «الوصفة العلاجي » التي كثيراً ما توصى لبلدان النامية من أجل تقليص حجم العمالة في القطاع العام يمكن أن تكون بالغة الضرر في هذه الحالة. فالزيادة بنسبة 59 في المائة في العمالة العامة في فلسطين بين عام 1999 وعام 2007 كانت بالغة الأهمية للتعويض عن الوظائف التي فُقدت نتيجة لسياسة الإغلاق الإسرائيلية. وفي ظل الأزمة الاقتصادية الفلسطينية المستمرة، سوف تواجه السلطة الفلسطينية خياراً صعباً بين تحقيق القدرة على إبقاء العجز المالي عند مستوى يمكن تمويله، من جهة، والعودة إلى ما يسمى «الإنفاق هدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي» حيث تكون العمالة العامة بمثابة صمام أمان، من جهة ثانية ويشدد التقرير على أن الإلغاء التدريجي للقيود التي تفرضها إسرائيل على حركة التنقل هو أمر ضروري إذا أريد لأية إصلاحات مالية أن تتكلل بالنجاح. =