الكويت: هيئة الاستثمار تتدخل لإنقاذ سوق الأسهم بعد أن خسر 45 مليار دولار

مختصون يطالبونها برفع يدها

متعاملون يراقبون حركة الاسهم في البورصة الكويتية (أ.ف.ب)
TT

تباينت الآراء حول السبيل الناجع لإنقاذ السوق الكويتي من أزمة التراجع التي يعيشها بالتزامن مع الأسواق الخليجية، بعد أن خسر السوق 12 مليار دينار كويتي (نحو 45 مليار دولار) منذ بداية الشهر الجاري، بحسب أحد المحللين.

ورصدت «الشرق الأوسط» في هذا التقرير تسجيل مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية أدنى إقفال له منتصف الأسبوع الماضي، بعد فقدانه حوالي 3300 نقطة، من أعلى إقفال سجله خلال العام الجاري في 24 يونيو (حزيران).

واستجابت الحكومة الكويتية لمطالب صغار المتعاملين بالأسهم، وحثت الهيئة العامة للاستثمار بالتدخل وضخ 300 مليون دينار (1.12 مليار دولار) كمقدمة لوضع حد لتراجع الأسهم، خاصة أن عددا منهم فقد نسبة كبيرة من رأسماله، وبالاخص المشتغلين في نظامي البيوع المستقبلية والآجلة، وهو ما عارضه مختصون بداعي أن إعلان مثل هذه القرارات يخلق ثقة غير واقعية لجموع المستثمرين، يصاحبها اتخاذ قرارات استثمارية غير مدروسة مدفوعة من تطمينات حكومية قصيرة الأمد، إلى جانب معالجة غياب الأدوات الرقابية التي أدت إلى الأزمات.

وأصدر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي قرارا بدعم سوق الكويت للأوراق المالية من خلال ضخ أموال في صناديق الاستثمار التي تساهم فيها الهيئة، ورغم أن هيئة الاستثمار الكويتية لم تعلن حجم السيولة التي ستضخها في السوق، إلا أن مصادر أشارت لـ«الشرق الأوسط»، أنها تتراوح ما بين 500 مليون إلى مليار دينار (حوالي 3.75 مليار دولار).

وفي اتصالات أجرتها «الشرق الأوسط» مع مسؤولي شركات استثمارية كويتية للوقوف على رأيهم حول تدخل الحكومة في إنقاذ السوق من الانهيار، ذكر أحمد القريشي مدير الاستثمار المحلي في شركة الامتياز أن «هناك مجموعة من العناصر تزامنت مع بعضها كانت وراء موجة الانهيارات التي شملت أسواق الخليج وسوق الكويت بشكل خاص، أبرزها تزايد حجم الاكتتابات في زيادة رؤوس أموال الشركات المدرجة، التي كان أكبرها زيادة رأسمال شركة زين الكويتية، بما قيمته 1.2 مليار دينار، والتي تعادل 75 في المائة من رأسمال الشركة البالغ 280 مليون دينار.

وأضاف القريشي أن «قرارات البنك المركزي الكويتي بخصوص مطالبته البنوك المحلية وقف تقديم تسهيلات ائتمانية للمتاجرة في الأسهم والقروض الشخصية والقروض الاستهلاكية والرهون العقارية، أدت إلى شح السيولة المالية، بالإضافة إلى مخاوف أوساط المستثمرين من تداعيات انهيارات المؤسسات المالية العالمية، وبالتبعية أسواق المال العالمية، فضلا عن التراجع المتواصل لأسعار النفط».

وأكد القريشي أن «تشديد إدارة سوق الكويت للأوراق المالية الرقابة على عمليات التداول، وتفعيل الأدوات الرقابية على المجموعات الاستثمارية المؤثرة في السوق، سيجنب تداعيات الانهيار جراء بعض السياسات والسلوك المضاربي الذي ينتج عن تداولات وهمية».

ورفض القريشي «تدخل الحكومات في دعم الأسواق، فالسوق الآن لم يعد الطفل المدلل مثل السابق، وجميع الأزمات التي يمر فيها سوق الكويت يكون ضحاياها الرئيسيين صغار المستثمرين، وعلينا فقط دراسة كيفية إعادة التوازن والثقة، خاصة في مثل هذه الظروف التي يكون الهبوط فيها مفتعلا».

ومن جانب آخر، كشف عدد من صناع السوق الذين يقدمون خدمة البيوع المستقبلية للأسهم والبيع الآجل، عن إفلاس حوالي 1500 متداول من صغار المستثمرين، خلال موجة انهيار الأسعار التي شهدها سوق الكويت، بعدما حل عليهم موعد سداد الدفعات المطلوبة منهم، وعجزوا عن دفع المستحقات المترتبة عليهم.

ووجه المتضررون من تدهور أسعار الأسهم اتهاماتهم لكبار الملاك في الشركات، ومعهم البنك المركزي الكويتي الذي تسببت قراراته بتدهور أسعار الأسهم، بعد أن اتخذ البنك قرارات تشدد على البنوك المحلية تقديم عمليات الإقراض التي تتعلق بالمتاجرة في الأسهم ووقف عمليات الرهون العقارية للحد من نسبة التضخم المرتفعة التي بلغت في الكويت 12 في المائة، بحسب تقارير رسمية.

وقال نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة الراية للاستثمار حازم البريكان لـ«الشرق الأوسط»، إن «اقتصاديات المنطقة ليست بمنأى عن اقتصاديات الدول الكبرى الرئيسة، بدليل أن الانخفاضات التي شهدتها الأسواق العالمية جراء ارتفاعات أسعار النفط خلال النصف الأول من عام 2008، صاحبتها ارتفاعات في أسواق المنطقة».

وزاد البريكان أن «الفوائض المالية التاريخية التي تمتعت بها دول المنطقة خلال 18 شهرا الماضية، من الصعوبة بمكان أن تستمر على الأقل بنفس الدرجة والمستويات التي بلغتها».

وعارض البريكان «تدخل الحكومة الكويتية في دعم السوق الكويتي جراء الأزمة الأخيرة، ورأيي أبنيه من منطلق معارضة تدخل الدول بشكل مباشر في الأسواق مع الإعلان عن ذلك، فهذا أمر غير محمود، كونه يؤدي إلى ثقة غير واقعية لجموع المستثمرين، يصاحبها اتخاذ قرارات استثمارية غير مدروسة مدفوعة من تطمينات حكومية قصيرة الأمد، بينما يجب النظر إلى لب المشكلة قبل النظر إلى التأثيرات التي حدثت جراءها».

وانتهى تقرير شركة الشال الأسبوعي بمطالبة الحكومة الكويتية «عدم التدخل في أزمة السوق الحالية، تأكيدا على مبدأ أن الاستثمار بالأسهم، وخصوصا الآجل منه، استثمار يحمل الكثير من المخاطر، ويعود بعائد يرتفع بارتفاع المخاطر، ولا بد أن يتحمل صاحب القرار مخاطره كما يتمتع بعوائده».

وشدد التقرير، الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه على أن «التدخل في أسواق الأوراق المالية أو المقترحات الشعبية يعرضان مستقبل الكويت لخطر جسيم، وهو خطر استثنائي، لأن الكويت بلد يعتمد على مصدر دخل ناضب وغير مستقر، ونعتقد أنها فرصة لإثبات حيادية الحكومة، سواء بالانحياز للبلد، حاضرا ومستقبلا، ومقاومة الضغوط الآنية، وهي فرصة تكسبها حجة لأخذ موقف صلب أمام المقترحات الشعبوية التي تستنزف ثروة البلد الناضبة، ومعها تستنزف استقرار مستقبله وربما تهدد أمنه الوطني».

وأضاف التقرير أن «الدعوة إلى عدم التدخل الحكومي صحيحة، لأن الأسهم ليست سلعة ضرورية أو عامة، ولا يجوز دعمها من المال العام، لإفادة من اتخذ قرارا استثماريا صحيحا أو خاطئا بغية تعظيم عوائده، كما أن تجارب عالمنا ليست فيها تجربة واحدة ناجحة لدعم أسعار الأسهم، فالتدخل، إن حدث، يكون بأدوات السياسة الاقتصادية، مالية ونقدية، أو يكون انتقائيا مثل إنقاذ مصرف مهم أو شركة مؤثرة في مؤشرات أداء الاقتصاد العام، أو بقرار استثماري بحت عندما تُظلم أسعار بعض الأسهم، كما أن سوق الكويت للأوراق المالية الأفضل أداء، ومعظم شركاته ذات أوضاع سليمة، ومؤشرات الاقتصاد الكلي تؤكد استمرار النمو الموجب على المدى المنظور حتى مع هبوط أسعار النفط إلى ما بين 75 – 95 دولاراً أميركياً للبرميل».

واعتبر التقرير أن التدخل الرسمي لحل أزمة السوق لا يصح كون «الاقتصاد الكويتي اقتصاد قطاع عام توظف فيه الحكومة 80 في المائة من عمالة الكويتيين، وتحصل على 95 في المائة من النقد الأجنبي عن طريق بيع سلعة عامة، وتمول كل الخدمات العامة».

وأشار تقرير الشال إلى أن «أكبر المخاطر تحدث عندما تمتد أزمة أوراق المال إلى القطاع المصرفي، حيث جميع مدخرات الناس موظفة، وفي الكويت يبدو القطاع المصرفي محصنا وينزع إلى العالمية، وأقصى ما سيحدث هو هبوط في مستوى ربحيته سيعوضها هبوط أسعار أسهمه لتبقى مؤشرات ربحيته».

واستذكر التقرير «قدرة الكويت على اجتياز حقبتي التصحيح الأولى عام 1997، حيث كانت حالتا الاقتصاد والأمن على غير ما يرام، والثانية عام 2006، وذلك بسبب عدم تدخل الحكومة، مقارنة بمعاناة الكويت حتى الآن من تداعيات أزمة المناخ عام 1982، فقط لأن الحكومة تدخلت بكل ثقلها، وكانت بذرة التدخل الحكومي بالشراء المباشر من السوق في عام 1978».