أميركا: سباق مع الزمن لإقرار خطة الإنقاذ الاقتصادية

الأسواق تنفست الصعداء.. ولكنها تترقب الموقف عن كثب

TT

أرسلت الحكومة الاميركية الى الكونغرس خطة إدارة الرئيس جورج بوش لمكافحة الازمة المالية قد تكلف 700 مليار دولار وتمتد على مدى عامين.

وجاء في اقتراح تشريعي، قدم الى الكونغرس وقيادتي الحزبين الجمهوري والديمقراطي أمس، ان صفقة إنقاذ المؤسسات المالية الاميركية التي تقترحها إدارة بوش ستبلغ تكلفتها 700 مليار دولار. وتدعو نسخة من مسودة مشروع القانون الى زيادة سقف الاقتراض الاميركي إلى 11.315 تريليون دولار. كما جاء في الاقتراح ان يقوم وزير الخزانة الاميركي بتقديم تقرير للكونغرس خلال 3 أشهر بعد ان تستخدم الحكومة صلاحياتها الجديدة.

وأوضح الرئيس الاميركي جورج بوش أمس ان خطة إدارته لوقف الازمة المالية «ضخمة لان المشكلة هائلة»، وذلك أثناء تصريح في حدائق البيت الابيض.

وأضاف بوش الذي كان يتحدث والى جانبه نظيره الكولومبي الفارو اوريبي، ان الازمة المالية «وضعت النظام (المالي) برمته أمام خطر كبير مما يستدعي ردا قويا، والكونغرس يتفهم ذلك»، وتابع «سنعمل للقيام بأمر ما في أسرع وقت وبأقوى طريقة ممكنة». ويسابق المسؤولون في الولايات المتحدة الزمنَ لإقرار وتنفيذ أكبر خطة تدخل حكومي في تاريخها في محاولة لإنقاذ النظام المالي والاقتصاد الأوسع فى العالم من انهيار شبه كامل. وفي محاولة لإنهاء أسوأ أزمة مالية تواجهها البلاد منذ الكساد العظيم عام 1929.

يستعد وزير الخزانة الاميركي هنري بولسون للإرسال خطته لإنقاذ النظام المالي إلى الكونغرس وسط استعدادات الحزب الديمقراطي لتحويلها إلى وسيلة لمساعدة الناس الذين يعانون من ارتفاع التكلفة والرهون العقارية الحفاظ على منازلهم. ومن المتوقع ان تقوم الخزانة الأميركية بتبني البرنامج الذي يدير ديون الرهن العقاري ذات الصلة، في حين يقوم مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الاميركي بالتشاور حول تصميمه. ويتفاوض حاليا مسؤولون في الخزانة الاميركية وخلال عطلة نهاية الأسبوع مع موظفين في الكونغرس على حل وسط في مجلس النواب ومجلس الشيوخ يمكن التصويت على الأسبوع المقبل. وبات واضحا ان بولسون ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي بن برنانكي س وغيرهما من المنظمين حريصون على وقف العدوى من مخاطر الائتمان التي أطاحت بثلاثة عمالقة ماليين واضطرت إلى الدخول في عملية اندماج في ظل الضغوط المالية المتنامية. وأعلن مسؤول في الحكومة ان إدارة الرئيس جورج بوش أرسلت الى الكونغرس في وقت متأخر من يوم الجمعة تفاصيل خطتها العملاقة لدعم المصارف. ولم يقدم هذا المسؤول الذي طلب التكتم على هويته، مزيدا من التفاصيل عن هذه الخطة الإنقاذية للحكومة الاميركية التي أعلنت عنها مساء الخميس، لمواجهة الازمة المالية والتي قد تكلف مئات مليارات الدولارات طبقا لما أوردته (ا.ف.ب).

وقال السناتور الديمقراطي الواسع النفوذ كريس دود رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، الذي سئل هل يمكن ان تنتهي إعمال مجلس الشيوخ في نهاية الأسبوع المقبل، «سنرى، نأمل في ان نتمكن من الوصول الى ذلك».

وأضاف «لكن القضية خطرة... إذا كان ذلك سيستغرق أسبوعين، سنأخذ أسبوعين، وإذا كان سيستغرق ثلاثة أسابيع، سنأخذ ثلاثة أسابيع».

وأوضح الوزير بولسون منذ مساء الخميس انه سيعمل طوال نهاية الأسبوع مع الكونغرس لإعداد قانون يتيح مساعدة المؤسسات المالية على صعيد الأصول التي لا تتحول سيولة وتعرقل النظام المالي. وستشتري الحكومة من المصارف والمؤسسات المالية هذه الأصول «غير المسيلة» التي تقف وراء واحدة من اخطر الأزمات في وول ستريت منذ الكساد الكبير في 1929. وأكد الرئيس بوش من جهته الجمعة «الضرورة الملحة» لتدخل حكومي «غير مسبوق» لمواجهة الوضع «الهش» للأسواق المالية وعلى رغم المخاطر التي سيواجهها دافع الضرائب جراء خطة باهظة التكاليف كما قال. وأضاف بوش في تصريح أدلى به في البيت الابيض «نحن نواجه لحظة حاسمة لاقتصاد أميركا». وقدم بوش تقويمه الأشد تشاؤما للاقتصاد الاميركي منذ فترة طويلة، مشيرا الى «تآكل الثقة» والمخاطر التي تؤثر على الاستهلاك والنمو وفرص العمل.

في المقابل، أعلن المرشح الديمقراطي الى البيت الابيض باراك اوباما «دعمه الكامل» في فلوريدا لخطة الحكومة لمعالجة الازمة المالية، داعيا إياها الى مساعدة «المواطن العادي» على ألا تقتصر المساعدة على وول ستريت فقط. فقد أعلن اوباما «دعمه التام» لخطة الإدارة الاميركية الرامية الى طمأنة القطاع المالي من خلال مساعدته على التخلص من الأصول المعرضة للخطر. وقال «لا يمكننا ان نضع فقط خطة لوول ستريت. ومن الضروري ان نساعد المواطن العادي أيضاً». وأضاف «يسرني ان حكومتنا تتخذ خطوات بالسرعة الكافية لمواجهة الازمة». إلا انه أضاف «لكن هذه الازمة هددت العائلات والعمال ومالكي العقارات طوال اشهر ولم تقم واشنطن إلا بخطوات ضئيلة للمساعدة». وأوضح اوباما انه «سيبحث عن كثب في الأيام المقبلة في تفاصيل اقتراحات وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي»، مشيرا الى انه لا ينوي تقديم اقتراحات اقتصادية مفصلة قبل ذلك. وحزمت السلطات الاميركية أمرها وقررت استخدام الوسائل الكبرى للتصدي للأزمة المالية التي تهدد بإغراق النظام المالي، وذلك بعد ان أقرت بعدم نجاعة الجهود التي تتخذها تباعا لحل المشاكل التي تطرأ. وأرسلت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش في وقت متأخر الجمعة للكونغرس تفاصيل خطة واسعة لدعم البنوك، على ما أفاد مسؤول حكومي.

وتكلف الخطة 500 مليار دولار بل حتى الضعف برأي بعض الخبراء، بحسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» على موقعها الالكتروني. ولم يعط المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، تفاصيل إضافية عن خطة الإنقاذ الحكومية التي أعلنت مساء الخميس لمواجهة الازمة المالية.

وذكرت مصادر مطلعة لتلفزيون بلومبيرغ المالي ان البرنامج يمكن أن تصل قيمته إلى حوالي 800 مليار دولار، يقسم إلى دفعات قيمة كل واحدة 50 مليار دولار. ومن المقرر أن تستمر عملية التمويل لمدة سنتين على الأقل. ومن المرجح أن تقبل السندات المدعومة بالرهن العقاري والتزامات الدين. وأقر بولسون الجمعة بان الحكومة الاميركية «واجهت (الامر) حالة بحالة في الأسابيع الأخيرة». وأضاف انه يتعين «الآن اتخاذ إجراءات إضافية وحاسمة لتسوية ناجعة للجذور المسببة للتوترات في نظامنا المالي».

وكان بولسون قد أعلن الليلة الماضية عزمه التفكير، بالاشتراك مع الكونغرس، في حل لتخليص البنوك من أرصدتها العالية المخاطر التي راكمتها أثناء «الطفرة» العقارية، والتي أصبحت اليوم غير قابلة للبيع.

والهدف هو إعداد مشروع قانون بحلول نهاية الأسبوع الحالي يمكن ان يبدأ الكونغرس دراسته نهاية الأسبوع المقبل. كما يأمل كريس دود رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ. وأكد الرئيس الاميركي أن هذه الخطة «تتطلب ان نخصص مبلغا كبيرا من أموال دافعي الضرائب» لها.

وأشار بولسون الى «مئات المليارات»، موضحاً خلال مؤتمر صحافي «ان ذلك يجب ان يكون بحجم يكفي لإحداث فرق حقيقي والتصدي لعمق المشكلة». وقال سناتور جمهوري نافذ في وقت سابق ان الخطة يمكن ان تكلف الف مليار دولار. وبعد ان قامت السلطات الاميركية، معتمدة أسلوب المواجهة حالة بحالة، بوضع اليد على مؤسستي إعادة التمويل العقاري فاني ماي وفريدي ماك ومشاهدة إفلاس بنك الاعمال ليمان براذرز واضطرت لتأميم مجموعة التأمين «ايه آي جي»، فانه يبدو انه ليس أمام السلطات الاميركية خيارات أخرى.

وفي إشارة الى الحلقة المرعبة التي تهدد بالتهام بنوك أخرى مثل مورغان ستانلي، اعتبر الديمقراطي كريس دود ان الولايات المتحدة «قد تكون على بعد أيام قليلة من انهيار كامل لنظامها المالي».

وردت أسواق المال بحماس على تصميم السلطات الاميركية على تنظيف أرصدتها. واستعادت في خضم ذلك الأسواق الآسيوية عافيتها وكسبت بورصة باريس 9.27 في المائة في حصة واحدة وبورصة فرانكفورت 5.56 في المائة وبورصة لندن 8.84 في المائة. كما شهدت وول ستريت ارتفاعا كبيرا بنحو 350 نقطة في منتصف الحصة. وجاء الاعلان عن هذه الخطة التي تعالج عمق المشكلة متزامنا مع سلسلة إجراءات ذات اثر فوري هدفت الى الطمأنة بشأن توفر السيولة في الأسواق وإعادة تشغيل انظمة القروض. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية المحلل الاقتصادي جون ردينغ «حتى وإن بقيت هناك تفاصيل يتعين توضيحها، فان وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي أدركا في نهاية الامر، عمق الازمة وطبيعتها الهيكيلة». وأضاف «ان هذه القرارات سيكون لها مفعول إخماد الحريق» الحالي.

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي ايان شيفردسون ان الإجراءات الحكومية تجسد «بداية نهاية» الازمة. وقال «انها خطوة عملاقة الى الأمام والوسيلة الوحيدة لإنهاء الازمة»، مضيفا «ان الاقتصاد لا يزال في وضع كارثي لكن احتمال حدوث أزمة هيكلية تراجع كثيرا».

وفي أسواق العملة، انخفض الدولار أمام اليورو مسجلا 69.13 سنت يورو مقابل 69.74 سنت يورو عند الإغلاق الخميس. بينما ارتفع الدولار أمام الين ليصل إلى 107.45 ين مقابل 105.58 ين عند الإغلاق يوم الخميس.