سباق لإنقاذ النظام المالي الأميركي من الانهيار.. وبوش يحذر: «اقتصادنا برمته في خطر»

«النقد الدولي»: التكلفة الإجمالية للأزمة زادت إلى 1.3 تريليون دولار > خطة الإنقاذ قد تكلف كل أميركي 2300 دولار > وزير المالية الألماني: الأزمة ستغير وجه العالم .. وأميركا ستفقد مكانتها

TT

فيما حذر الرئيس الاميركي جورج بوش من أن الولايات المتحدة في منتصف أزمة مالية خطيرة قد تزج بالاقتصاد في براثن كساد طويل الاجل ما لم تتحرك الحكومة، وحذر رئيس البنك الدولي من ان الأزمة قد تدفع بالدول الفقيرة الى الهاوية، ألقى وزير المالية الالماني بير شتاينبروك باللوم في الأزمة المالية العالمية بالكامل على عاتق الولايات المتحدة، وواحدة من أعنف اللهجات منذ تفاقمت الازمة في وقت سابق من هذا الشهر قال الوزير الالماني ان على واشنطن القبول انها فقدت «صفتها كقوة خارقة في النظام المالي العالمي»، كما أكد أن الأزمة ستخلف آثارا عميقة وان «العالم بعدها لن يكون كما كان قبلها».

وقال الخبير البروفيسور ايان بيغ من معهد الشؤون الدولية بلندن ( تشاتهام هاوس) لـ«الشرق الأوسط» انه من الصعب عدم الاتفاق مع الوزير الالماني «لأن ازمة الرهون العقارية عالية المخاطر التي بدأت في أميركا بسبب نموذج مالي رأسمالي اخذ اتجاها خاطئا وتحول الامر الى ازمة حادة بسبب ان تداخل الاسواق جعل الازمة تتحول الى عدوى». ولكن اليس من الغريب ان يتم انتقاد نموذجا اصبح يتم الاقتداء به في أوروبا عموما؟. يقول بيغ هنا «هذا صحيح ولكن بدرجات مختلفة، فالمانيا مثلا تعتمد اسلوبا محافظا في قطاعها البنكي حيث تعتمد على عدد كبير من بنوك صغيرة نسبيا للادخار. لكن هناك فعلا بنوكا اخرى أوروبية كبرى ذهبت في نفس اتجاه تعاملات ليمان برادرز وغولمان ساكس مثل «دوتشيه بنك» الالماني و«سوستي جينيرال» الفرنسي». واكد البروفيسور بيغ اتفاقه مرة أخرى مع الوزير الالماني حول أن الازمة المالية الراهنة ستغير بالتأكيد وجه العالم، لكنه تساءل ماذا ستكون اثارها وكيف ستنتهي؟ «هل ستنتهي الى كساد أم الى أزمة يمكن التحكم فيها في القطاع المالي بضخ اموال ضخمة ولكن ليس بأرقام دراماتيكية من جيوب دافعي الضرائب ويتم حل الازمة بسرعة». وحول فقدان أميركا لدورها كقوة اقتصادية عالمية عظمى واذا ما هناك اختلال في موازين القوى في الاقتصاد العالمي كما يحاجج الكثيرون مع ميلان الكفة لاقتصادات صاعدة خاصة في آسيا وبالأخص الصين أكد الخبير ان اقتصاد الصين يبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الاميركي و«ان ما تبيعه الصين تشتريه أميركا، وبالتالي من الصعب ان يكون هناك تحول من جهة واحدة».

وفي خطاب الى الشعب الاميركي عبر التلفزيون بهدف اقناع الجمهور بدعم خطة انقاذ مالية تتكلف 700 مليار دولار يجري التفاوض عليها مع الكونغرس قال بوش ان «غريزته» تدعو الى معارضة أي تدخل حكومي في الازمة المالية ولكن التقلبات المالية تحتاج الى اسلوب تعامل مختلف.

واضاف «انا أؤمن أن الشركات التي تأخذ قرارات سيئة ينبغي تركها تواجه الافلاس. في الظروف العادية كنت سأتابع هذا المسار ولكن هذه ليست ظروفا عادية».

واستشهد بأن السوق لا تعمل كما ينبغي وبفقدان الثقة على نطاق واسع وتعرض قطاعات مالية رئيسية لخطر التوقف عن العمل تماما.

واستغل بوش خطابه التلفزيوني لابلاغ الاميركيين أنه ليس هناك خيار يذكر سوى تبني خطة الانقاذ الهائلة التي قد تكلف كل رجل وأمرأة وطفل في اميركا 2300 دولار.

وقال بوش ان مزيدا من المتاعب المالية قد يؤدي الى انهيار مزيد من البنوك وهبوط أسواق الاسهم بشكل أكبر واغلاق شركات ومؤسسات وضياع وظائف وتراجع قيمة المساكن.

ومضى قائلا «في نهاية الامر فقد تتعرض بلادنا لكساد طويل ومؤلم. اخواني المواطنين..

يتعين علينا ألا ندع هذا يحدث».

ولم يكشف بوش تفاصيل تذكر عن جوانب الخطة المرتقبة ولكنه حذر من كارثة اقتصادية وشيكة ما لم يتحرك الكونغرس بسرعة لتمويل خطة الانقاذ التي تتكلف 700 مليار دولار والتي ستكون أكبر من اجمالي تكلفة حرب العراق.

وبدا الكونغرس على وشك التوصل الى اتفاق لتبني الخطة. ومن شأن التحرك لابرام اتفاق أن يبث الهدوء في الاسواق الاميركية التي ظلت تتقلب على أحر من الجمر أول من أمس الاربعاء مع استمرار المفاوضات. وسعى المستثمرون وراء السيولة المالية والاصول التي تمثل ملاذا امنا مما دفع أسعار الفائدة قصيرة الاجل الى النزول الى اقل من الصفر لبعض الوقت.

وقال مصرفيون ان البنوك تكدس أكواما من السيولة المالية حيث تخشى أنه اذا أقرضت بنوكا اخرى أموالا فقد لا تستردها.

وغطت الخلافات والمساومات بشأن خطة الانقاذ على قرار المستثمر الاميركي الشهير وارين بافيت استثمار خمسة مليارات دولار في مجموعة جولدمان ساكس التي تتحول الى بنك تقليدي لحماية نفسها من الازمة. من ناحية اخرى قدر دومينيك ستراوس كان المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي أن التكلفة الاجمالية للازمة المالية العالمية زادت الى 1.3 تريليون دولار من التقديرات السابقة التي كانت تدور حول تريليون دولار.

ويتوقع الصندوق تباطؤ النمو العالمي في عام 2008 الى نحو ثلاثة في المائة من خمسة في المائة في العام الماضي، لكنه يتوقع انتعاش النمو في 2009 الى اربعة في المائة.

من جهته حذر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي من الضرر الاقتصادي الذي قد يلحق بالدول النامية من جراء الازمة المالية خاصة أن تلك الدول تعاني بشدة بالفعل من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

وفي كلمة امام منتدى للاعمال على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة قال زوليك أول من امس ان كثيرا من الدول النامية تواجه بالفعل ضغطا على موازين المدفوعات نظرا لان الاسعار المرتفعة تؤدي الى تضخم فواتير الواردات.

واضاف «السؤال الان هو ما اذا كانت الاضطرابات المالية الناجمة عن الازمة المالية قد تزج (بتلك الدول) في الهاوية».

وتابع بقوله «انني قلق ازاء الاثار المترتبة على هذه الازمة» والتي قد تعرض الدول النامية لظروف أشد صعوبة.

وقد أدت الازمة المالية العالمية الى تهاوي الاسواق المالية وتفاقم المخاوف ازاء تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي.

وقال زوليك ان الدول النامية قد تتضرر اذا تراجع الطلب على منتجاتها التصديرية وانخفضت الاستثمارات وتضررت تجارتها.

من ناحيته أكد وزير المالية الالماني بير شتاينبروك أن الازمة المالية العالمية الراهنة ستخلف آثارا عميقة وستحدث تحولات في النظام المالي العالمي.

ونقلت وكالة الانباء الألمانية عن شتاينبروك قوله أمس في بيان حكومي أمام البرلمان الالماني (البوندستاغ): «العالم بعد الازمة لن يكون كما كان قبلها»، مشيرا إلى فقدان الولايات المتحدة «صفتها كقوة خارقة في النظام المالي العالمي».

وقال وزير المالية الالماني بير شتاينبروك ان الولايات المتحدة ستفقد مكانتها كقوة عظمى في النظام المالي العالمي ويجب أن تعمل مع شركائها للاتفاق على قواعد عالمية أقوى لتنظيم الاسواق.

وقال الوزير للبرلمان «العالم لن يعود أبدا الى ما كان عليه قبل الازمة. ستفقد الولايات المتحدة مكانتها كقوة عظمى في النظام المالي العالمي. وسيصبح النظام المالي العالمي متعدد القطبية بشكل أكبر».

وألقى شتاينبروك باللوم في الازمة بالكامل على عاتق الولايات المتحدة وما وصفه بحملة انجلوساكسونية لتحقيق أرباح كبيرة ومكافآت هائلة للمصرفيين وكبار مديري الشركات.

وقال «العاملون في البنوك الاستثمارية والساسة في نيويورك وواشنطن ولندن لم يكونوا مستعدين للتخلي عن كل هذا، وول ستريت لن تعود أبدا الى ما كانت عليه».

وحث الوزير الالماني المواطنين على الاستعداد لمواجهة «معدلات نمو أقل وتطورات غير كافية في أسواق العمل»، مشيرا إلى أن الاقتصاد الحقيقي لبلاده سيتأثر بالازمة، ولكنه قال إنه لا يمكن في الوقت الحالي التكهن بدرجة تأثر ميزانية ألمانيا بهذه الازمة.

وطالب شتاينبروك في الوقت نفسه بقواعد جديدة لضبط حركة رؤوس الاموال في أسواق المال العالمية.

وجدد الوزير رفضه للنداءات المطالبة بوضع خطة إنقاذ في ألمانيا للبنوك التي تمر بأزمات على غرار خطة مماثلة في الولايات المتحدة وقال: «أزمة أسواق المال هي مشكلة اميركية في المقام الاول».

واتهم شتاينبروك الولايات المتحدة بالتقصير الشديد لعدم وجود قواعد كافية في البنوك الاستثمارية وفي التعامل مع شركات الاستثمار المالي وقال: «انهار الان هذا النظام الذي يفتقر للقواعد في أجزاء واسعة منه».