اتفاق مبدئي لأكبر عملية إنقاذ مالية: تخصيص 250 مليار دولار على الفور والباقي على مراحل

الديمقراطيون الأميركيون يتنازلون عن بعض مطالبهم والجمهوريون يحققون انتصارا

وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون يتوسط رئيس زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لحظة إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي (أ ب)
TT

توصل قادة الكونغرس وادارة بوش الى اتفاقية مبدئيةاليوم لما يمكن اعتباره اكبر عملية انقاذ مالية في تاريخ الولايات المتحدة. وتنص الاتفاقية على شراء ما قيمته 700 مليار دولار من الديون السيئة من شركات مالية في عملية تدخل غير عادية لمنع انتشار عملية انهيار اقتصادية، في الوقت الذي أعرب فيه البيت الأبيض عن سعادته بخصوص التقدم الذي تحقق في المفاوضات، وامتدح الجهود الحزبية المشتركة في التوصل إلى التشريعات.

وأعلن باراك اوباما مرشح الرئاسة عن الحزب الديمقراطي أن خطة الإنقاذ ضرورية لمنع انهيار الاقتصاد الاميركي اكثر مما هو عليه. ففي بيان صدر عنه يوم الاحد ذكر «بغض النظر عن الاسباب التي اوصلتنا الى هذا الموقف، فإن الفشل في التعامل مع الازمة الحالية سيؤدي الى عواقب وخيمة بالنسبة لاقتصادنا، ويكلف ملايين الأميركيين وظائفهم ومرتبات تقاعدهم».

وقال أوباما انه طالب باقرار عدد من النصوص التي تم ادراجها ضمن الاتفاق، من بينها اشراف لجنة مستقلة واتخاذ اجراءات لمساعدة اصحاب المساكن على البقاء في منازلهم. وقال انه عندما يطلب من دافعي الضرائب اتخاذ «مثل هذه الخطوات غير العادية بسبب عدم مسؤولية قلة من الأشخاص، فليس ذلك سببا للاحتفاء. ولكن هذه خطوة ضرورية».

بينما اعلن مرشح الرئاسة الجمهوري جون ماكين انه يأمل في يصبح في امكانه تأييد الاتفاق الجديد، مضيفا انه يريد الاطلاع على التفاصيل اولا. وقال ماكين في مقابلة من شبكة تلفزيون ايه بي سي «هذا امر سيصعب علينا استيعابه». كما قال ايضا انه كان سيصوت من اجل خطة الانقاذ لاستمرار الحكومة في عملها، بالرغم من ان الاتفاق يحتوي على الاف من امثلة التبذير التي يعارضها. وذكر المسؤولون ان العاملين في الكونغرس عملوا طوال الليل لصياغة الاتفاقية وإعداد مشروع القانون، الذي سيطرح للتصويت صباح اليوم.

وكانت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب قد اعلنت التوصل الى اتفاق مبدئي في الساعة 12:30 بعد منتصف الليل ولكنها اوضحت ان صياغة الاتفاقية لم تنته بعد. بينما ذكر هنري بولسون وزير الخزانة الاميركي، الذي شارك في المفاوضات، «لدينا بعض الامور للتوصل للاتفاق، ولكني اعتقد اننا وصلنا». واوضح جاد غريغ السناتور الجمهوري الرئيسي الذي شارك في المفاوضات «لقد انجزنا كل شيء».

واعرب النائب روي بلانت، الذي مثل الحزب الجمهوري في المفاوضات، وهو الحزب الذي اثار معظم الاعتراضات الجادة للخطة، انه سعيد بالتقدم الذي حدث، ولكن عليه نقل المقترحات إلى مجموعة الحزب في مجلس النواب قبل إعلان تأييده لها.

واوضح مسؤول كبير في الادارة، طلب عدم ذكر اسمه لكي يتمكن من الحديث بحرية، ان الجانبين، توصلا الى تنازلات مهمة للتوصل الى تسوية. وقبلت ادارة بوش مجموعة من مطالب الحزب الديمقراطي من بينها:

ـ توفير الاموال على اقساط، وسيحصل بولسون على 250 مليار دولار على الفور ومائة مليار عقب اقرار البيت الأبيض لضرورية المبلغ اما المبلغ المتبقي وهو 350 مليار دولار فسيتم الحصول عليه بعد منح الكونغرس فرصة لمدة 15 يوما للاعتراض.

ـ ستلتزم الشركات المستفيدة من خطة الإنقاذ بالحد من تعويضات كبار المديرين، بالاضافة الى تحديد ما يعرف باسم «الباراشوت الذهبي» وهو التعويض الذي يحصل عليه كبار المديرين في حالة تغيير وضع الشركة، ببيعها على سبيل المثال. وسيتم تطبيق هذا الحد بصورة رئيسية، عن طريق خفض الخصم الضريبي بالنسبة للشركات التي تدفع لمديريها اكثر من 400 الف دولار.

ولمساعدة اصحاب المنازل الذين يعانون من مشاكل في تسديد اقساط القروض، تدعو خطة الانقاذ الحكومة الى محاولة اعادة التفاوض على القروض المشكوك فيها التي حصلت عليها من الشركات بهدف خفض الاقساط الشهرية بحيث يمكنهم الاحتفاظ بالمساكن واستمرار التسديد.

وفي بعض الحالات ستحصل الحكومة على حصة في الشركات التي تطلب المساعدة، مما يسمح لدافعي الضرائب من تحقيق ارباح اذا ما نجحت خطة الانقاذ، وازدهار الشركات الخاصة في الشهور والسنوات القادمة. وتشمل الاتفاقية، بناء على اصرار الجمهوريين في مجلس النواب، على تخصيص بعض الاموال لبرنامج يشجع مالكي الاوراق المالية الداعمة لقروض الاسكان بالاحتفاظ بها وشراء تأمين حكومي.

ومن المقرر طبقا للاتفاق ان تبيع الحكومة الديون بأفضل الاسعار الممكنة.

كما وافق البيت الابيض على اشراف متشدد للبرنامج من لجنة تابعة للكونغرس ولوائح تتعلق بتضارب المصالح بالنسبة للشركات التي ستكلفها وزارة الخزانة بمساعدتها في تطبيق البرنامج. وكانت العناصر الرئيسية في خطة الانقاذ قد اقترحتها ادارة بوش، قبل اسبوع، وتولى بولسون جهود تمريرها في مجلس النواب.

وقد أصر الديمقراطيون على توسيع نطاق اشراف الكونغرس، وفرض المزيد من حماية دافعي الضرائب، ومساعدة اصحاب المساكن الذين يوجهون امكانية سحب المنازل منهم. كما وافقت الادارة على مطالب الحزب الديمقراطي بضرورة مساهمة قطاع الخدمات المالية في نفقات البرنامج. فطبقا للاتفاق سيطلب من الرئيس التقدم باقتراح فرض رسم على القطاع المالي اذا لم تتمكن الحكومة من استعادة الاصول خلال 5 سنوات.

الا ان الديمقراطيين قدموا بعض التنازلات، فقد تخلوا عن مطلبهم بتمكين قضاة التفليسة بتعديل قروض الاسكان بالنسبة للمسكن الرئيسي للاشخاص المعرضين لخسارة منازلهم لعدم تمكنهم من دفع اقساط الديون. كما وافقوا ايضا على عدم تخصيص جزء من أي ارباح من برنامج انقاذ النظام المالي لصندوق للمساكن متوسطة الاسعار، وهو الاقتراح الذي وصفه الجمهوريون بانه يساعد منظمات الخدمات الاجتماعية التي تؤيد الحزب الديموقراطي. بينما حصل الجمهوريون في مجلس النواب على انتصار رئيسي، فقد تمكنوا من اقناع المفاوضين بإدخال نص يطلب من وزارة الخزانة بتأسيس برنامج تأمين فيدرالي يضمن اوضاع البنوك وغيرها من الشركات في حالة وقوع خسائر. وقال زعيم الأقلية في مجلس النواب الجمهوري جون بوهنر «نريد ان نتأكد من ان وول ستريت ستدفع حصتها. ونريد ايضا ان نكون ايجابيين قدر المستطاع».

وكان قادة الكونغرس ووزير الخزانة هنري بولسون قد خرجوا من اجتماعات مغلقة للكونغرس لإعلان نبأ الاتفاقية المبدئية بعد منتصف ليلة الاحد، بعد مرور يومين من الاجتماعات الطويلة. وفي الساعات الاخيرة جرت سلسلة من الاتصالات الهاتفية، من بينها اتصالات بين نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب والرئيس بوش، وبين بولسون ومرشحي الرئاسة السناتور جون ماكين عن الحزب الجمهوري وبين السناتور باراك اوباما مرشح الحزب الديمقراطي. واشار مسؤول كبير في الادارة شارك في المحادثات ان الاتفاق قد تم فعليا. واوضح «لا أعرف بوجود قضايا مفتوحة لم يتم حلها».

وتجدر الاشارة الى ان اعلان الموافقة المبدئية، سمح للمشرعين والادارة بتحقيق هدفهم بإرسال رسالة تطمين قبل افتتاح الاسواق المالية الاسيوية صباح الاثنين. كما ان المشرعين ولا سيما اعضاء مجلس النواب كانوا يسعون للانتهاء من الاجتماع والعودة الى دوائرهم للمشاركة في حملة الخريف الانتخابية. ومن بين اخر النقاط المعلقة في الاتفاق كانت المعركة غير المتوقعة والمريرة بخصوص كيفية دفع الخسائر التي ربما تلحق بدافعي الضرائب بعد شراء الديون الهالكة وبيعها فيما بعد. فقد طالب الديمقراطيون بفرض مقابل على عمليات شراء وبيع الاوراق المالية، وهي تعني فرض ضريبة على الشركات المالية. وفي النهاية وافق المشرعون والادارة على ترك الموضوع للرئيس القادم.

وذكر المسؤولون انهم وافقوا على ضم اقتراح من الجمهوريين في مجلس النواب يمنح وزير الخزانة بدائل اضافية لإصدار ضمانات حكومية للشركات المالية التي تتعرض لمشاكل كوسيلة لتخفيض الاموال التي سيدفعها دافعو الضرائب في اطار خطة الانقاذ.

وقد جرت مفاوضات يوم السبت المكثفة بعد اسبوع من المفاوضات والجدل، شمل اجتماع في البيت الابيض بين الرئيس بوش والمرشحين الرئاسيين. وقد انتهت مفاوضات يوم السبت بخلافات غاضبة. وقد تدخل بولسون لإحياء المفاوضات، واستؤنفت على الفور تقريبا. وظل الموظفون في الكونغرس ووزارة الخزانة يعملون حتى فترة مبكرة من صباح السبت.

وقد تدخل بولسون وقيادات الكونغرس في الساعة الثالثة بعد الظهر وكانوا على اتصالات مباشرة طوال الليل. وبعد المؤتمر الصحافي بدأ العاملون في عملية صياغة مشروع القانون. واوضح الديمقراطيون انه لا توجد قضايا معلقة، ولكن يحتاج المفاوضون الي رؤية النصوص على الورق قبل التوقيع عل الخطة. وقال السناتور كريستوفر دود الديموقراطي ورئيس لجنة المصارف في مجلس الشيوخ «القضية كلها هي رؤية ما الذي نعتقد اننا وافقنا عليه».

وحتى اعضاء الكونغرس الذين كانت لهم اعتراضات كبيرة قالوا انه من المتوقع اقرار الاتفاقية. وكانت مفاوضات يوم السبت، التي جرت بصفة رئيسية في جناح مكتب بيلوسي في الطابق الثاني من مبنى الكابيتول (يضم مقر مجلسي النواب والشيوخ) في العاصمة واشنطن، قد تركزت بصفة رئيسية حول كيفية تغطية تكلفة البرنامج بحيث تقل التكاليف بالنسبة لدافعي الضرائب.

*خدمة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»