أزمة المؤسسة التأمينية «إيه آي جي» كان سببها التغاضي عن المخاطر

اقتطعت نفقات المكافآت نسبة كبيرة من عائدات فرعها بلندن ووصلت إلى 46% في بعض السنين

جوزيف جيه كاسانو المدير التنفيذي السابق لـ(ايه آي جي) ادار المجموعة بقبضة من حديد («نيويورك تايمز»)
TT

«من الصعب علينا، بدون ثرثرة، أن نرى مخططا على أرض الواقع نخسر من خلاله دولارا واحدا في أي من الصفقات». تصريح لجوزيف جيه كاسانو، مدير أميركان إنترنشونال غروب (إيه آي جي) السابق، في أغسطس (آب) عام 2007.

منذ أسبوعين، اجتمع أقوى المنظمين والمصرفيين في البلاد في حصن مانهاتن، بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في محاولات بائسة لتجنب الكارثة.

وبينما كانت المجموعة، برئاسة وزير الخزانة هنري بولسون، تفكر مليا في انهيار أحد أقدم البنوك الاستثمارية الأميركية «ليمان براذرز»، ظهر تهديد أكثر خطورة: كانت أميركان إنترناشونال غروب، أكبر مؤسسة تأمين في العالم، تتأرجح، وكانت تحتاج إلى مليارات من الدولارات لتستعيد وضعها، وفجأة طلبت المساعدة.

كان المدير الوحيد في «وول ستريت» الحاضر في الاجتماع هو لويد بلانكفين من غولدمان ساكس، شركة بولسون السابقة. وكان بلانكفين لديه سبب خاص للقلق.

بعد عدة أيام، انتهى الأمر بالمسؤولين الفيدراليين، الذي تركوا «ليمان براذرز» ينهار وتوقفوا في البداية عن مساعدة «إيه آي جي»، بإنقاذ المؤسسة التأمينية بـ85 مليار دولار.

كانت رسالتهم بسيطة: يمكن التخلي عن «ليمان براذرز». ولكن إذا لم تستطع «إيه آي جي» أن تتحرر من الأزمة، فيمكن أن يحدث هذا مع أقوى الشركات في العالم.

ولكن دراسة انهيار «إيه أي جي» وعلاقاتها بشركات مثل «غولدمان ساكس» تؤدي إلى أفكار مهمة حول هذا اللغز.

فعلى الرغم من ذكر انهيار سوق العقارات في الولايات المتحدة كسبب في الأزمة، إلا أن النظام كان عرضة للخطر، بسبب العقود المالية المعقدة التي تعرف بالمشتقات الائتمانية، والتي تضمن حملة القروض ضد الأخطاء.

ضخمت تلك المستحدثات، التي صممت في الأصل من أجل تقليل المخاطر ونشر الرخاء، من تأثير الرهونات السيئة مثل تلك التي أسقطت بير ستيرنز وليمان، وتهدد الآن الاقتصاد كله.

في حالة «إيه آي جي»، انتقل الفيروس من وحدة صغيرة تنطلق بحرية يعمل بها 377 شخصا في لندن، وانتقل في جو من الرواتب الوفيرة والمراقبة غير الدقيقة والإيمان الأعمى بنماذج الخطورة المالية. لقد دمر أحد أكثر الشركات المثيرة للإعجاب في العالم، مؤسسة تأمينية عتيدة ذات موازنة بلغت تريليون دولار، و0116,00 موظف، وأعمال في 130 دولة.

كانت وحدة المؤسسة العملاقة في لندن تحمل اسم «إيه آي جي فاينانشيال برودكتس»، أو «إيه آي جي إف بي». كان تعمل في استقلال تام تقريبا، وبقبضة من حديد، تحت إدارة جوزيف كاسانو، وفقا لما ذكره موظفون حاليون وسابقون في (إيه آي جي).

ساعد كاسانو على بدء العمل في فرع لندن عام 1987، وقد كان مديرا تنفيذيا في بنك «دريكسل برنهام لامبيرت» الاستثماري، الذي اشتهر في الثمانينات بملك السندات مايكل ميلكن الذي في ما بعد حكم عليه في ستة جرائم. ولكن في فبراير (شباط) الماضي، استقال كاسانو من منصبه بعد أن بدأ فرع لندن في نزف الأموال، وبدأ مراجعو الحسابات يتساءلون عن كيفية تقييم الفرع لممتلكاته. بحلول 15 سبتمبر (أيلول)، دفع مأزق الفرع تصنيف ديون الـ«إيه أي جي» إلى درجات متدنية للغاية، مما يتطلب من الشركة أن ترسل حوالي 15 مليار دولار ضمانة إضافية، وهو ما استدعى بعد ذلك التدخل الفيدرالي.

عندما خاض كاسانو لأول مرة في سوق المشتقات التأمينية، كان أكبر مشروع له هو بيع ما يسمى بالمنتجات الصريحة مثل مقايضة سعر الفائدة. مثل هذه المقايضات تسمح للمشتركين في المضاربة على اتجاه معدلات الفائدة، ونظريا، عزل أنفسهم عن الأحداث المالية غير المتوقعة.

منذ 10 أعوام، غيرت لحظة فاصلة من صورة المشتقات التي كان كاسانو يتعامل بها، وفقا لنسخة من التعليقات التي قالها في حدث صناعي في العام الماضي. فقد جاء متخصصون في المشتقات التأمينية من «جي بي مورغان»، وهو بنك كبير كان له الكثير من المعاملات مع فرع كاسانو، بفكرة جديدة.

كان اقتراح بنك مورغان كالتالي: يجب أن تحاول «إيه آي جي) كتابة التأمين على مجموعة من القروض تسمى بـ«التزامات القروض الإضافية». وكانت هذه القروض مجموعة من أموال القروض التي تقسم إلى شرائح وتباع للمستثمرين وفقا للجودة الائتمانية للأوراق المالية الضمنية. كان هذا الاقتراح يعني أن فرع لندن يقبل بالضرورة أن يؤمن على المؤسسات المالية التي تحمل التزامات قروض إضافية وقروضا أخرى في حالة عجزها، في طريقة مشابهة للتي يتطلب فيها من مالكي العقارات أن يشتروا تأمين الرهن العقاري لحماية المقرضين في حالة عدم قدرة المقترضين على سداد ديونهم.

وبموجب شروط المشتقات التأمينية التي تعهد بها فرع لندن، يسدد العملاء قسط تأمين لضمان التأمين على ديونهم لفترة من الوقت، غالبا من أربعة إلى خمسة أعوام، وفقا لما ذكرته الشركة.

ولأن الأوراق المالية الضمنية للدين، وهي غالبا إصدارات شركات وعدد متناثر من الأوراق المالية للرهن العقاري، ذات تصنيف مربح، كان فرع لندن سعيدا لتسجيل دخل في مقابل تقديم الخدمات الائتمانية. وعلى أية حال، يبدو أن كاسانو وزملاءه افترضوا أنه لن يكون عليهم أبدا تسديد أية تأمينات. تعرف هذه المنتجات التأمينية بـ«المقايضات الائتمانية المتخلفة عن السداد»، وقد استخدمها فرع لندن في التحول إلى مسجل للنقد.

ارتفعت عائدات الفرع إلى 3.26 مليار دولار عام 2005، بعد أن كانت 737 مليون دولار عام 1999. وزاد إيرادات التشغيل في هذا الفرع أيضا، فوصل إلى 17.5 في المائة من إجمالي إيرادات التشغيل في (إيه آي جي) لعام 2005، مقارنة بـ4.2 في المائة عام 1999.

وكان هامش الربح هائلا. ففي عام 2002، وصلت نسبة إيرادات التشغيل إلى 44 في المائة من العائدات؛ وفي عام 2005 وصل إلى 83 في المائة.

منذ عام 2001، تراوحت المكافآت في الفرع الصغير ما بين 423 مليون دولار و616 مليون دولار سنويا، وفقا لملفات الشركة. هذا يعني أن كل شخص في الفرع حصل في المتوسط على أكثر من مليون دولار في العام.

في الحقيقة، اقتطعت نفقات المكافآت نسبة كبيرة من عائدات الفرع، ففي الأعوام الهزيلة كانت النسبة 33 في المائة، وفي الأعوام الخصبة كانت النسبة 46 في المائة. وفي المجمل، ذكر فرع لندن أنه دفع لموظفيه 3.56 مليار دولار على مدار السبعة أعوام الماضية.

كما تميز نطاق نفوذ فرع لندن بالاتساع، بينما ظل العملاء والأطراف المناظرة من بين أهم الأسرار التي يجري الحفاظ عليها في تجارة المشتقات الائتمانية. وأثناء مؤتمر أقيم عام 2007، أشار إلى أن شركته عملت مع مجموعة من الكيانات الرفيعة المستوى «على الصعيد العالمي»، تضمنت «مصارف ومصارف استثمارية، صناديق معاشات، الأوقاف، المؤسسات، شركات التأمين، صناديق التحوط، مديري الأموال، أفراد رفيعي المستوى، مجالس بلدية وسيادية ووطنية». وبطبيعة الحال عنى ذلك أن الأطراف المشاركة ارتبطت ببعضها البعض بتعاقدات ظلت موجودة داخل ما يشبه الصندوق الأسود بالنسبة للعالم المالي. وكانت شركة غولدمان ساكس عضواً في نادي المشتقات الائتمانية الخاص بمجموعة «إيه. آي. جي»، طبقاً لمصادر مطلعة. كما كانت الشركة عميلا لمجموعة «إيه آي جي» في ما يتعلق بتأمين الاعتمادات، وعملت أيضاً كوسيط للتعاملات التجارية بين «إيه آي جي» والعملاء الآخرين. ولم يعلم سوى القليلين بشأن تعرض غولدمان ساكس لـ«إيه آي جي». وعندما ظهرت أزمة جهة التأمين الى العلن، أكد ديفيد إيه. فينيار، المسؤول المالي الأول داخل غولدمان ساكس، أمام المحللين في 16 سبتمبر (أيلول) أن تعرض شركته «لا أهمية له»، وهي وجهة نظر تمسكت بها الشركة خلال أحد اللقاءات التي عقدت معها. في وقت لاحق من ذات اليوم، أعلنت الحكومة عن تقديمها قرضا بقيمة 85 مليار دولار لمدة عامين إلى مجموعة «إيه آي جي»، الأمر الذي منح الأخيرة فرصة لبيع أصولها بأسلوب منظم وتعويض دافعي الضرائب، من الناحية النظرية، عن المتاعب التي تحملوها. وقد أنقذت الخطة الشركاء التجاريين لشركة التأمين، لكنها أضرت بحملة الأسهم. من جهته، رفض لوكاس فان باج، المتحدث الرسمي باسم غولدمان ساكس، الكشف عن تفصيلات حجم الضرر الذي كانت ستمنى به شركته حال انهيار «إيه آي جي» منذ أسبوعين. لكنه شكك في التقديرات التي أشارت إلى أن حجم المخاطر التي تربط غولدمان ساكس بـ«إيه آي جي» تبلغ 20 مليار دولار. وفي ما يتعلق بوجود بلانكفين في بنك الاحتياط الفيدرالي أثناء المحادثات التي جرت حول إنقاذ «إيه آي جي»، قال: «أعتقد أنه من الخطأ تفسير وجوده هناك على أنه من أجل مصالحنا. لقد تم إشراكنا بسبب التداعيات التي سيخلفها الأمر على النظام بأكمله».

وبغض النظر عن تعرض غولدمان ساكس، فإنه بحلول العام السابق استقرت قيمة المقايضات الائتمانية المتخلفة عن السداد في إطار المنتجات المالية لـ«إيه آي جي» عند مستوى 500 مليار دولار تقريباً. وأثمرت مبلغا وصل إلى 250 مليون دولار سنوياً كدخل على الأقساط التأمينية، حسبما أخبر كاسانو المستثمرين. ونظراً لأنها لم تكن شركة تأمين، لم يكن لزاماً على المنتجات المالية لـ«إيه آي جي» تقديم تقرير إلى الجهات التنظيمية الرسمية. ودائماً ما كان يوجد عدد من المسؤولين الحكوميين داخل مكتب «إيه آي جي» في كونيتيكيت المعني بالمنتجات المالية، لكن من غير الواضح ما إذا كانوا قد أطلقوا أي تحذيرات بشأن المجموعة.

جدير بالذكر أنه لم يتم الإعلان عن التقارير التي وضعها هؤلاء المسؤولون، ورفضت متحدثة رسمية تقديم تفاصيل بشأنها. ومن الواضح أن كاسانو لم يساوره القلق حيال تحمل فرعه مسؤوليات تفوق استطاعته. ففي إطار مؤتمر عُقد في أغسطس (آب) 2007 بحضور المحللين، وصف المقايضات الائتمانية المتخلفة عن السداد بأنها أمر يكاد يكون مؤكدا. بيد أنه بعد شهور قليلة، تفاقمت الأزمة الائتمانية، وبدأت المنتجات المالية لمجموعة «إيه آي جي» في مجابهة خسائر، لكنها كانت على الورق فقط. وخلال ربع العام الذي انتهى في 30 سبتمبر (أيلول) 2007، اعترفت «إيه آي جي» بتكبد خسائر غير محققة على محفظة المقايضات الائتمانية المتخلفة عن السداد بقيمة 352 مليون دولار. ونظراً لأن فرع لندن تم إنشاؤه كمصرف وليس شركة تأمين، ونظراً للأسلوب التي تمت به كتابة عقود المشتقات، اضطر الفرع إلى تحميل شركائه التجاريين ضمانات إضافية عندما تراجعت قيمة الأوراق المالية التي قاموا بالتأمين عليها. وبذلك فإن أي التزامات على الفرع تعين على الشركة الأم الاضطلاع بها.

وبذلك بدأ تداعي «إيه آي جي» بكل عملائها وشركائها التجاريين والشركات التابعة لها في خضم حالة الانهيار التي أصابت سوق الإسكان. بيد أنه على امتداد الجزء الأكبر من عام 2007، أصر الفرع على أن تقديراته للمخاطرة موثوق بها وأن أوراقه التجارية محافظة. لكن في الخريف السابق بدأت الأساليب التي استخدمتها «إيه آي جي» في تقييم مشتقاتها الائتمانية تتعرض لانتقادات بالغة من جانب الشركاء التجاريين. في فبراير (شباط)، حدد المراجعون الماليون التابعون لـ«إيه آي جي» المشكلات القائمة في المقايضات الائتمانية المتخلفة عن السداد. ثم بعد ثلاثة أشهر تالية، أعلن المحققون الفيدراليون والجهات التنظيمية أنهم يجرون تحقيقاً بشأن الحسابات الخاصة بالمجموعة. ولم تكن تلك المرة الأولى التي تصطدم فيها المنتجات المالية لـ«إيه آي جي» بالسلطات. وجاءت التسوية بمثابة لطخة سوداء في سمعة المجموعة، وأصابت غرينبرغ، الذي كان يتولى إدارة الشركة آنذاك، بحزن بالغ، طبقاً لما أكده المحللون. ومع ذلك، أخبر كاسانو المستثمرين بأن تلك القضية أدت إلى تحسين «إيه آي جي» لتحسين مستوى إدارتها للمخاطر وتشكيل لجنة للحفاظ على السيطرة على الجودة. وعند نهاية آخر ربع عام لـ«إيه آي جي»، بلغت خسائر فرع لندن 25 مليار دولار. ومع تفاقم الخسائر، وتراجع أسعار أسهم «إيه آي جي» التي سبق أن تمتعت بمكانة رائعة، ازدادت صعوبة نجاة الجهة المؤمنة، الأمر الذي عرض شركات أخرى من تلك التي شاركتها في نشاطات تجارية للخطر، مما دفعها للهرولة إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ أسبوعين طلباً للعون. وقام غرينبرغ، الذي شهد خلال هذا العام تراجع قيمة أسهمه الشخصية في «إيه آي جي» بما يزيد على 5 مليارات دولار، ببيع 5 ملايين سهم بأقل من تكلفتها في نهاية الأسبوع السابق. ولم يجب غرينبرغ على هاتفه عندما اتصلنا به لنحصل على تعليق منه. من جانبه، غادر كاسانو الشركة بعد أن تحولت إلى كيان مختلف تماماً عما كانت عليه منذ عام عندما وصفها خلال أحد المؤتمرات بقوله: «إننا نتمتع بميزانية عظيمة ومحفظة استثمارية قوية ومركز تجاري عالمي يُمكننا من الاستفادة من السوق داخل مجموعة متنوعة من الأماكن. التساؤل الذي يشغلنا هو أين تحديداً النقطة التي يمكننا جني أفضل الفرص منها وأفضل تنفيذ للنشاط التجاري داخل أسواق رأس المال؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»