دول الخليج تواجه صعوبات في استعادة «سيولة» استثمار السندات على المدى القصير

مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط»: توجه «المركزي الأميركي» و«الاتحاد الأوروبي» وبريطانيا لخفض حاد لمعدلات الفائدة

دول الخليج معرضة لصعوبة تحصيل سيولة سنداتها المستثمرة مع الأزمة المالية التي تمر بالولايات المتحدة في الوقت الراهن
TT

توشك دول الخليج العربي على مواجهة صعوبات عملية، تتعرض لها خلال المدى الزمني القريب لاستعادة السيولة المصدّرة في سندات الحكومة الأميركية وأصول الصناديق المالية في حال استمرار أزمة الاقتصاد الخانقة التي تتعرض لها الولايات المتحدة العالمية في الوقت الراهن.

وتنبأت مصادر مالية (تحتفظ الصحيفة باسمها) أن تواجه دول مجلس التعاون الخليجي صعوبات في استعادة مئات المليارات من أموالها وثرواتها خلال الفترة القريبة مع تواصل الوضع الاقتصادي على سلبيته في الولايات المتحدة، إذ لفتت إلى أن المشروعات والخطط التنموية ربما تكون ضحية للتعطيل نتيجة لذلك.

ولفتت المصادر المالية في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة تحّرك دول الخليج العربي باعتبارها أكبر المستثمرين العالميين في الخارج لاسيما في الولايات المتحدة، إعادة التفكير ومراجعة طرق دوران رأس المال التي تتبعه حاليا بالاعتماد على الاستثمار في السندات والأصول، مشيرا إلى أن المشاريع التنموية العملاقة التي تشهدها المنطقة ربما تتعرض لأزمات مستقبلا.

وأفادت المصادر المالية أن المشاريع التنموية ستحتاج إلى تمويل لتستمر في الإنشاء والبناء والاكتمال، في وقت لن يستطيع مصدر السندات من إيفاء وسداد قيمة السند الأمر الذي يزيد الشكوك بتوقع مواجهة أزمة سيولة داخل بلدان المنطقة.

وبالرغم من عدم وجود إحصائيات واضحة ورسمية عن حجم الاستثمارات المالية لدول الخليج العربي إلا أن قيمة الثروات عالية جدا إذ يكفي الإشارة إلى أن لدى السعودية أكثر من 4.5 تريليون ريال خارج حدودهم، إلا أنه لا يمكن الجزم بأنها استثمارات حكومية بل تتبع لأفراد ومؤسسات وشركات، بينما تشير تقارير أن حجم الاستثمارات الخليجية في الخارج حتى العام المنصرم يقدر بنحو 540 مليار دولار، تستحوذ الولايات المتحدة منها على 300 مليار دولار، وأوروبا 100 مليار دولار، والشرق الأوسط  وشمال أفريقيا 60 مليار دولار، وآسيا 60 مليار دولار، ودول أخرى 22 مليار دولار.

واتجهت دول الخليج العربي مؤخرا إلى تحفيز وإيجاد أذرع استثمارية حكومية لتقوم بالاستفادة من حجم العوائد النفطية الضخمة بعد صعود أسعار برميل النفط خلال السنتين الماضيتين إلى 147 دولارا كأعلى سعر، بغية استغلال السيولة في استثمارات مالية ناجحة.

وهنا، تفيد المصادر أن المؤسسات الاستثمارية الحكومية لدول المنطقة ذهبت لشراء السندات خاصة في اقتصاد عملاق كالولايات المتحدة ومن خلالها يتم استثمار أموالها، موضحة أن الأزمة التي تحيط بالاقتصاد الأميركي حاليا ربما يحد من قدرتها على السداد وتوفير السيولة اللازمة. وكان حمد السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي كرر مرارا منذ مطلع العام الجاري أن بلاده تخطوا بسياسة محافظة في استثماراتها الخارجية، مشددا على أن المؤسسة ـ البنك المركزي ـ تفرض على البنوك السعودية إتباع سياسة محافظ جدا في تعاملاتها الخارجية.

وعاد السياري مطلع أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وعبر مؤتمر صحافي للتأكيد على أن أصول المؤسسة لم تتأثر جراء أزمة الاقتصاد الأميركي عندما ذكر أن تأثيراتها ستطال على الاقتصاد العالمي وبالتالي ستؤثر على الاقتصاد المحلي بشكل غير مباشر، مشددا في الوقت ذاته أن الأزمة المالية التي يمر بها العالم لم يكن لها تأثير مباشر على المصارف السعودية، بل وصف وضعها بـ «الجيّد».

واستطرد أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المؤسسة للمحافظة على مكانة النظام المصرفي كان لها أثر جيد في وقايته من الصدمات، مبينا أن الاستثمارات الحكومية الخارجية تدار بشكل متحفظ كما هو نظام المؤسسة، ولا يتم ضخ هذه الاستثمارات في مجالات عالية المخاطر.

وكانت معلومات متواردة انتشرت مؤخرا حول ما سعت إليه مؤسسات وبنوك أميركية بعضها انهار لاحقا منذ أشهر بتسويق أوراق مالية بفوائد مرتفعة ومغرية لرجال أعمال في الخليج، مشيرة إلى أنه لم تسلم منها شريحة من بعض المستثمرين المحليين في السعودية.

وانتقدت المصادر ما تقوم به الولايات المتحدة حاليا من طباعة سندات وتسويقها لتمويل خطة الإنقاذ المقدمة حاليا مفيدة أن الاقتصاد الأميركي على ضوء أزمته الحالية معرض للاضطراب لفترة تمتد بين 3 و5 سنوات رقم قوته وإمكانياته الضخمة.

وتوقعت المصادر أن يتجه البنك المركزي الفيدرالي الأميركي خلال الفترة القصيرة المقبلة لاتخاذ خطوات سريعة لتعزيز موقف التصدي للأزمة الاقتصادية التي يمر بها حاليا من خلال خفض قيمة الدولار وكذلك خفض معدل الفائدة في خطوة سريعة وفاعلة لتحريك الاقتصاد ومعالجة الأزمة وإعطاءه جرعة من الانتعاش والحيوية التي يحتاجها في الوقت الراهن.

وقالت المصادر أنه ينتظر أن يتم خفض الفائدة في الولايات المتحدة دون مستوى واحد في المائة بينما سيتراجع سعر الدولار إلى مستويات متدنية إلى أقل من المستويات الدنيا التي حققتها خلال الفترة الماضية.

أمام ذلك، أيّد أحمد الحديد خبير مصرفي خليجي أن يكون خيار تخفيض الفائدة مرشحا بقوة لدى البنك المركزي الأميركي قريبا، متوقعا أن تتجه دول أوروبا وبريطانيا إلى خفض الفائدة بشكل حاد نتيجة لرغبتها في إنعاش حركة الاقتصاد لديها وتجنب مؤشرات الركود الماثلة أمامها.

ولكن الحديد لا يتوقع أن يكون توجه «البنك المركزي» الأميركي لخفض سعر الدولار خيارا إيجابيا نتيجة أن مشكلة اقتصادها تتمثل في السيولة التي برزت أزمة أمام البنوك لديها، موضحا أن توفر السيولة هي الحل القوي لانتشال الاقتصاد من أزمة الركود التي تعانيه حاليا.

وأضاف الحديد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون يحاولون مساعدة اقتصادهم بثلاث مراحل، الأولى حل مشكلة البنوك ومساعدتها على الصمود، وثانيا حل مشكلة السيولة بمشروع ضخ 700 مليار دولار لتأكيد ملاءتها المالية واستعادة سمعة اقتصادها أمام العالم، وثالثا بحل مشكلة الركود بشتى الأدوات الاقتصادية المتاحة لديها. ويرى الحديد أنه لا توجد فائدة من خفض الفائدة من مستواها الحالي دون 2 في المائة على المدى المتوسط والقريب لأن أصل الأزمة يكمن في عدم توفر السيولة وشحها ابتداء وبالتالي لا تستطيع البنوك الاقتراض لتعثرها حاليا على الرغم من خفض معدل الفائدة الذي يراه الاقتصاد الأميركي مناسبا في وقت تشتكي من تصاعد وتيرة التضخم في بلادها.