إعفاء المصارف من الحد الأعلى للقروض وراء الأزمة

خلفيات أزمة القطاع المالي

كوكس متهم بأنه السبب وراء فشل البرنامج («نيويورك تايمز»)
TT

بينما كانت هناك شائعات بأن مصرف بير ستيرنز يواجه انهيارا وشيكا في أوائل مارس (آذار)، علم كريستوفر كوكس من موظفي مكتبه أن بير ستيرنز لديها 17 مليار دولار نقدا وأصول أخرى، وهي أكثر من كافية لمقاومة العاصفة.

نفد معظم النقد الذي كان في الشركة بعد ثلاثة أيام، وأجبرت بير ستيرنز على الدخول في اندماج سريع مع جي بي مورغان تشايس، بدعم من دافعي الضرائب قيمته 29 مليار دولار.

وفي خلال ستة أشهر، كانت هناك مؤسسات أخرى كبرى في وول ستريت عليها إما الاختفاء أو التحول لتنقذ نفسها من الاضطراب المالي العظيم، فبيعت ميريل لينش إلى بانك أوف أميركا، وأشهر ليمان براذرز إفلاسه، وتحول بنكا غولدمان ساكس ومورغان ستانلي إلى بنكين تجاريين.

كيف يمكن لكوكس أن يكون مخطئا هكذا؟

لقد أدت أحداث عديدة في واشنطن ووول ستريت وأماكن أخرى في البلاد إلى ما يسمى بأكثر الأزمات المالية خطورة منذ الثلاثينيات. ولكن توضح القرارات التي اتخذت في اجتماع قصير في 28 ابريل (نيسان) عام 2004، سبب خروج هذه المشكلات عن نطاق السيطرة. ويوضح فشل الهيئة في تنفيذ هذه القرارات أيضا سبب عدم رؤية أجهزة التنظيم في واشنطن لما كان سيحل بالشركات.

بعد ظهيرة أحد الأيام في الربيع، اجتمع الأعضاء الخمس في هيئة الأوراق المالية والصرف في غرفة استماع في البدروم للنظر في التماس عاجل من البنوك الاستثمارية الكبرى.

كانوا يريدون إعفاء وحداتهم للسمسرة من اللوائح القديمة التي تضع حدا للقرض الذي يمكنهم الحصول عليه. كان الإعفاء سيفرج عن مليارات الدولارات الموجودة في الاحتياطي المخصص لتخفيف خسائر استثماراتهم. وقد تذهب هذه الأموال بعدها إلى الشركات الأم، مما يسمح لها بالاستثمار في عالم الاوراق المالية (التي تعتمد على الرهن العقاري)، والمشتقات التأمينية (وهي نوع من التأمينات لحملة السندات)، ووسائل أخرى دخيلة، وهو عالم سريع النمو ولكنه مبهم.

تزعم الأمر خمسة بنوك استثمارية، من بينها غولدمان ساكس، الذي كان يرأسه هنري بولسون، الذي أصبح بعد عامين وزيرا للخزانة.

جاء اعتراض وحيد من استشاري برامج إليكترونية وخبير في إدارة المخاطر الذي قدم من إنديانا بخطاب من صفحتين محذرا الهيئة من أن هذه الخطوة ستكون خطأ كبيرا. ولم يتلق أي رد من واشنطن.

سأل أحد أعضاء اللجنة هارفي غولدشميت، أعضاء الهيئة عن تبعات الإعفاء المقترح. قيل له إنه سيكون متاحا فقط لأكبر الشركات، وهي تلك ذات أصول أكبر من 5 مليارات دولار.

قال غولدشميت «لقد قلتم إن هؤلاء هم الكبار، ولكن هذا يعني أنه إذا حدث خطأ ستكون هناك فوضى كبيرة».

أعادت أنيت نازاريث، رئيسة تنظيم السوق، التأكيد على اللجنة أنه تحت القواعد الجديدة، يمكن لأول مرة تقييد اللجنة للشركات بعيدا عن النشاط ذي المخاطرة العالية. وعينت فيما بعد عضوا في اللجنة وظلت بها حتى يناير (كانون الثاني) عام 2008.

قال عضو اللجنة رويل كامبوس، المحقق الفيدرالي السابق ومالك شركة إذاعة صغيرة من هوستون «أنا سعيد جدا لتأييدي لهذا الاقتراح، وظللت أدعو من أجل نجاحه في المستقبل».

بعد 55 دقيقة من المناقشة، التي يمكن سماعها على مواقع الهيئة و«نيويورك تايمز»، عرض رئيس اللجنة ويليام دونالدسون، وهو مدير مخضرم في وول ستريت، الاقتراح للتصويت. وكانت الموافقة بالإجماع. واكتمل القرار، الذي غير ما كان يعرف بقاعدة صافي رأس المال، ونشر في السجلات الفيدرالية بعد عدة أشهر.

وبهذا أطلق العنان لخمسة بنوك استثمارية مستقلة.

عندما حررت اللجنة قيود رأس المال، التي كان من المفترض أن تقدم حماية في أوقات الأزمات، قررت الاعتماد على نماذج الكومبيوتر الخاصة بالشركات ذاتها لتحديد مدى خطورة الاستثمارات، وبهذا أفضت بمهمة مراقبة الخطورة إلى البنوك ذاتها.

على مدى الشهور والأعوام التالية، استفادت كل من هذه الشركات من القواعد المتحررة. في بير ستيرنز، وارتفعت نسبة تسديد الديون، وهي قياس لكيفية اقتراض الشركة مقارنة بأصولها، إلى 33:1. بمعنى أن كل دولار من الاصول، يقابله دين يساوي 33 دولارا. كما ارتفعت هذه النسب بحدة في الشركات الأخرى.

أعطى قرار سنة 2004 لأول مرة لجنة الأوراق المالية والصرف نظرة إلى استثمارات البنوك المخاطرة المتزايدة في الأوراق المالية التي تعتمد على الرهن العقاري. ولكن لم تستفد اللجنة بهذه الميزة الحقيقية لهذه الصفقة. وكان البرنامج الإشرافي تحت رئاسة كوكس، الذي تولى رئاسة اللجنة بعد عام من ذلك، ليس له أولوية.

عينت اللجنة سبعة أشخاص لفحص الشركات الأم، التي كانت في العام الماضي تتحكم في امبراطوريات مالية ذات أصول مجمعة تصل إلى أكثر من 4 تريليونات دولار. منذ مارس (آذار) عام 2007، لا يوجد مدير للمكتب. وفي الشهر الماضي، لم يكمل المكتب عملية فحص واحدة منذ إعادة كوكس لتنظيمه منذ أكثر من عام ونصف العام.

وتم تجاهل المشاكل القليلة التي كشف عنها الفاحصون في البداية فيما يتعلق بمدى مخاطرة الشركات الاستثمارية واعتمادها المتزايد على القروض، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الأزمة. وقد تناسب قرار اللجنة بتفويض عملية الإشراف إلى الشركات ذاتها مع ثقافة واشنطن في الأعوام الثماني الأخيرة تحت رئاسة بوش.

وكما كان الحال مع الهيئات الأخرى، تحرك قرار اللجنة بسبب شكاوى الصناعة من الإفراط في التنظيم في وقت تتزايد فيه المنافسة في الخارج. ويهدف قرار 2004 إلى تسهيل اللوائح التنظيمية المرهقة التي كان الاتحاد الأوروبي على وشك فرضها على البنوك الاستثمارية الأميركية.

وقال الأوروبيون إنهم سيقبلون بعدم فرضها على الفروع الأجنبية للبنوك الاستثمارية في حالة تنظيم اللجنة للشركات الأم، مع وحدات السمسرة التي تشرف عليها اللجنة بالفعل.

عكس قرار 2004 أيضا الاعتقاد بأن مصالح وول ستريت المالية تتزامن مع مصالح واشنطن التنظيمية.

في خطابات إلى أعضاء اللجنة، اشتكى كبار المديرين في البنوك الاستثمارية الخمسة مما سموه باللوائح والمراقبة غير الضرورية من السلطات الأميركية والأوروبية. جاء صوت المعارضة الوحيد لقرار 2004 من استشاري برامج من فالبارايسو في إنديانا، قال إن نماذج الكومبيوتر التي تعمل عليها الشركات، التي سيعتمد عليها المراقبون، لا يمكنها تحسب الاضطراب الحاد في الأسواق.

كتب الاستشاري ليونارد بول في خطاب إلى اللجنة في 22 يناير (كانون الثاني) عام 2004 «ستزال متطلبات رأس المال بجرة قلم».

وقد ساعد بول، الذي حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة شيكاغو، على كتابة برامج الكومبيوتر التي تستخدمها المؤسسات المالية للوفاء بمتطلبات رأس المال.

من المعروف أن لجنة الأوراق المالية والصرف، التي تتميز بتاريخ ثري، تم تأسيسها أثناء فترة الكساد الكبير، وذلك كجزء من الجهود الأوسع نطاقاً الرامية لاستعادة ثقة المستثمرين المنهارة. وخلال سنواتها الأولى، قادها مجموعة من «أنصار الاتفاق الجديد» من ذوي النفوذ البالغ أمثال جيمس لانديس وويليام أو. دوجلاس. وعندما سُئل الرئيس فرانكلين دي. روزفلت عام 1934 عن سبب قيامه بتعيين جوزيف بي. كينيدي، أحد المضاربين الذين حققوا نجاحاً باهراً في البورصة، كأول رئيس للجنة، أجاب «عليك استغلال حرامي للقبض على حرامي». أما الدور الأكبر الذي اضطلعت به اللجنة في تنظيم الأوضاع داخل وول ستريت فتمثل في جهود بمجال فرض القانون. إلا أن النقاد يرون أنه خلال السنوات الأخيرة، فشلت اللجنة في ردع ظهور مشكلات بالسوق. على سبيل المثال، قال آرثر ليفيت، الذي ترأس اللجنة في عهد إدارة كلينتون، إنه «يبدو لي أن جهود فرض القانون على مدى السنوات الأخيرة أخفقت في تحقيق ما وصفته المحكمة العليا في يوم من الأيام بالخوف من العقاب المختفي وراء الباب».

يذكر أن كريستوفر كوكس كان حليفاً وثيقاً للمجموعات التجارية خلال السنوات السبع عشرة التي كان خلالها عضواً بمجلس النواب عن واحدة من أكثر الدوائر ذات التوجهات المحافظة في ولاية كاليفورنيا الجنوبية. وقاد كوكس الجهود الساعية لإعادة صياغة القوانين المعنية بالأوراق المالية من أجل زيادة صعوبة رفع المستثمرين لدعاوى قضائية. كما حارب كوكس القواعد المحاسبية التي تُولي معاملة ذات طابع تفضيلي أقل لخيارات الأسهم التنفيذية. في ظل رئاسة كوكس، استجابت اللجنة للشكاوى التي تقدمت بها بعض الشركات التجارية من خلال زيادة صعوبة قيام فريق العمل المعني بفرض القانون إجراء تحقيقات ورفع دعاوى قضائية ضد الشركات. يوم الجمعة السابق، أنهت اللجنة رسمياً البرنامج الذي كانت قد بدأته عام 2004، معترفة بأنه فشل في التوقع بظهور مشكلات في شركة بير ستيمز والمصارف الاستثمارية الكبرى الأخرى. وأكد كوكس أن «الشهور الستة الأخيرة أثبتت بوضوح أن التنظيمات الاختيارية لا تجدي».

وجاء قرار التخلي عن البرنامج بعد توجيه اللوم إلى كوكس من جانب السيناتور جون ماكين، المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، فيما يتعلق بالأزمة المالية الحالية. وطالب ماكين باستقالة كوكس. أما كوكس فقد اعترف بأن برنامج عام 2004 معيب منذ بدايته، لكن تقريرا صادرا عن مسؤولين سابقين والمفتش العام أشار إلى أن أحد الاسباب الكبرى وراء فشل البرنامج طريقة استخدام كوكس له.

* خدمة «نيويورك تايمز»