قمة باريس الرباعية لمواجهة تدهور النظام المصرفي العالمي

ساركوزي يطرح أفكارا طموحة وبراون يريد صندوقا أوروبيا بـ12 مليار جنيه وميركل متأنية

TT

سعت القمة الرباعية التي تحضرها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والتأمت امس في قصر الأليزيه بدعوة من الرئيس الفرنسي بصفته الرئيس الدوري للاتحاد وبحضور رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو ورئيس مجموعة أوروغروب الاقتصادية جان كلود جونك ومحافظ البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه الى إبراز رغبة أوروبا برد مشترك إن لم يكن موحدا على الأزمة التي تضرب النظام المصرفي العالمي والتي بدأت تصيب المصارف الأوروبية.

غير أن مشكلة القمة أنها انعقدت على خلفية تضارب في الآراء والمواقف إزاء ما يتوجب فعله لمواجهة الأزمة حيث بدا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ليست على نفس الموجة مع الرئيس ساركوزي لا لجهة توصيف الأزمة ولا لجهة المتوقع من قمة باريس ولا لجهة الحلول المطروحة. وما زاد الطين بلة أن دولا أوروبية غير مدعوة الى قمة باريس أبدت «ضيقها» مما يبدو أنه «مجلس إداري ضيق» لأوروبا. وكانت باريس بررت حصر القمة بالدول الأربع بأن القمة تضم فقط البلدان الأوروبية الأعضاء في مجموعة الثمانية الأكثر تصنيعا في العالم. وجهت فنلندا انتقادات شديدة الى قمة باريس المصغرة قائلة انه يجب أن تبدي كل الدول الاوروبية رأيها بشأن سبل تسوية الازمة وليس البلدان الكبيرة فحسب. وقال وزير المالية يركي كاتاينين في تصريحات لاذاعة واي.ال.اي الفنلندية «في رأيي هي فكرة سيئة جدا» مشيرا الى أن الاجتماع الشهري لوزراء اقتصاد ومالية الاتحاد الاوروبي سيعقد يومي الاثنين والثلاثاء.

وقال كاتاينين «اذا اجتمعت الدول الكبرى وممثلون عن مؤسسات الاتحاد الاوروبي مثل رئيس البنك المركزي الاوروبي وربما شخص من المفوضية اليوم وتباحثوا فيما بينهم... فانها ليست طريقة طيبة للعمل. نحن جميعا في نفس القارب».

ومضى يقول «فنلندا والسويد وكل دول الاتحاد الاوروبي ينبغي أن تكون في نفس الموقع كصناع قرارات... هل ستكون رسالة الاجتماع هي.. اتفقنا على هذا ويجب أن تقبلوه.. نأمل ألا يكون الأمر كذلك».

وقال وزير الاقتصاد الالماني مايكل جلوس في تصريحات لصحيفة بيلد ام سونتاج ان خطة أوروبية طارئة من هذا النوع «تشتت الانتباه عن المهمة الحقيقية». ونسبت الصحيفة الى الوزير قوله في ملخص لعدد غد الاحد «الامر بيد البنوك الان.. سويا وفيما بينها.. لاتخاذ خطوات «دون مساعدة أحد» للسماح للثقة المتبادلة أن تزدهر مجددا».

وكانت القمة قد بدأت في الرابعة والنصف بعد الظهر ثم اتبعت ليلا بعشاء عمل من أجل توفير مزيد من الوقت للقادة الأربع لتسوية خلافاتهم والتوصل الى «تشخيص ورؤية وخطة عمل» يمكن أن تشكل قاعدة لاجتماع وزراء المالية الأوروبيين كلهم يومي 6 و7 من الشهر الجاري في لوكسمبورغ. كذلك تريد باريس أن تكون قمة الأليزيه القاعدة التي سيبني عليها القادة الأوروبيون خلال اجتماعهم القادم في لوكسمبورغ يومي 15 و 16 الشهر الجاري. وتقول مصادر متابعة للقمة إن الرئيس الفرنسي الذي دعا قبل أيام في خطاب في مدينة طولون (جنوب فرنسا) الى «إعادة بناء الرأسمالية» المالية على أسس جديدة تتحلى بالشفافية وبالمسؤولية، يركز جهده على عدم تنفير ألمانيا وإقناعها بالسير معه. وكانت ميركل قد أجهضت مشروعا فرنسيا بإطلاق صندوق براسمال 300 مليون يورو تكون مهمته إنقاذ البنوك الأوروبية المتعثرة بسبب أزمة الرهن العقاري والديون العديمة.

وأعلنت المستشارة الألمانية قبل وصولها الى باريس إنه «يتعين علينا التفكير في القواعد التي علينا العمل بها و طريقة دمجها داخل مجموعة الثمانية» ما يعني أن برلين ليست مستعدة بعد لعمل جماعي على المستوى الأوروبي أو على مستوى مجموعة الثمانية.

ردة الفعل الألمانية والفتور البريطاني اتجاه الفكرة خلق التباسا مما ادى الى نفيها من قبل فرنسا في البداية ثم الاعتراف بها. وجاء ذلك على خلفية اللقاء بين رئيس الوزراء الهولندي بيتر بالكينيند مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بحث خلاله الاقتراح الفرنسي. وردت ميركل في هذا الخصوص انه لا يمكن لألمانيا ان تكتب صكا مفتوحا الى بنوك «دون ان يكون هناك ضوابط تحكم سلوكها وأداءها في تعاملها ونشاطاتها المصرفية». وأكدت ميركل أن حكومتها ستفعل ما في وسعها للحد من أزمة الأسواق المالية، وقالت: «الثقة هي العملة الاهم في الاقتصاد، وستعمل الدولة على حمايتها... وعلى المواطنين أن يعلموا أن الحكومة مهتمة بالأمر».

غير أن الرئيس الفرنسي، مع حرصه على علاقة جيدة مع ميركل، يعتبر أن أمام الاتحاد الأوروبي «فرصة ذهبية» ليطأ بثقله على مجموعة الثمانية بسبب أن أصل الأزمة أميركي وبسبب الوهن الذي اصاب النظام المصرفي الأميركي وانشغال الأميركيين بانتخاباتهم الرئاسية. ولذا يرى أن ثمة «نافذة» لمبادرة أوروبية طموحة يمكن أن تطرح داخل مجموعة الثمانية شرط أن يتوصل الأوروبيون الى الاتفاق على خطة مشتركة لمواجهة الأزمة وهذا أحد مبررات القمة. وتبدو الحاجة اليها أكثر إلحاحا بعد أن تبدت الشقوق والخلافات بين الأوروبيين. فبريطانيا «منزعجة» من قرار آيرلندا ضمان كافة ودائع المصارف الكبرى الآيرلندية لمدة عامين ما سيكون من شأنه توجيه رؤوس الأموال باتجاه هذه المصارف دون غيرها وهو ما تعتبره لندن من باب المنافسة غير العادلة.

وفيما جاء رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون الى باريس وفي جعبته اقتراح بإنشاء صندوق أوروبي برأس مال يصل الى 12 مليار جنيه لمساعدة المؤسسات الصغرى، فإن ساركوزي يريد العمل بسرعة ولذا كان استبق القمة بتوجيه رسائل إلى القادة الأوروبيين يقترح التدابير التي من شأنها «ترميم الثقة» بالنظام المصرفي وفيها تشديد على الشفافية والمسؤولية. ويريد ساركوزي في الواقع العمل على جبهتين: الأولى تتركز على المدى القصير لتحاشي الإفلاس في القطاع المصرفي الأوروبي وطمأنة المودعين وترميم الثقة بالبنوك الأوروبية وتأكيد أن الحكومات ستقف الى جانبها وإقرار مجموعة من التدابير الانية. أما المستوى الآخر فهو على المدى البعيد ويصب في رغبة ساركوزي في إحلال ضوابط وقواعد جديدة على «الرسمالية المالية» على المستوى العالمي وهذه رغبة طموحة للغاية لكن لا يمكن أن تتحقق إلا إذا سارت بها الولايات المتحدة الأميركية وقبل الأوروبيون بتحويلها الى مبادرة أوروبية وهو ما ليس مؤكدا في الوقت الحاضر.