أزمة الرهن العقاري.. المسكنات لن تنفع!

سـعود الأحمد

TT

يقال: تستطيع أن تكذب على الناس بعض الوقت، لكن ليس كل الوقت، وتستطيع أن تكذب على البعض طوال الوقت، لكن ليس كل الناس. ولعليَّ أذكر بما اعتقده البعض بالعام الماضي بأن أزمة الرهن العقاري قد عولجت، بمجرد أن ضخت البنوك المركزية العالمية ما يقارب ثلاثمائة مليار دولار. وقالوا عنها إنها كانت عبارة عن زوبعة بفنجان! عندها كتبت في هذه الزاوية مقالاً في 20 أغسطس (آب) 2007 بعنوان «أثر أزمة القروض الأميركية.. وشراكة العالم». وطرحت في مقدمته تساؤلاً ... «أزمة القروض العالمية هل هي مجرد زوبعة في فنجان، وأن البنوك المركزية عالجت المشكلة. أم أن كل ما تم اتخاذه مجرد مسكنات، وأن الأزمة آخذة في التفاقم؟ وما هو أثرها ودلالتها؟». شرحت فيه ماهية المشكلة ومتعلقاتها المتشابكة. وقلت إن تسيّد حالة الحذر بحد ذاتها كفيلة (إذا استمرت) أن تُحدث نوعاً من الأزمة المترابطة والشلل التام في الأسواق العالمية Collapse، مما يؤثر تأثيراً بالغاً ومباشراً في النمو الاقتصادي العالمي، لأن ضخ السيولة بفوائد منخفضة يعني أن البنوك التجارية ستتوفر لديها سيولة، وبالتالي ستزيد من المضي قدماً في منح القروض بضمانات متدنية، وهو ما يضاعف المشكلة ويضخم من حجم كرة الثلج. وبعد ذلك كتبت في 5 مايو (أيار) 2008 بعنوان «لماذا نخشى أزمة الرهن العقاري؟». وقلت بالنص «إن أثر الأزمة على الاقتصاد العالمي واحتمال حدوث كساد عالمي سيبقيان مهما بذلت الحكومة الأميركية من تعاون مع البنوك المركزية العالمية لحلحلة أزمة الرهن العقاري، لأنها مجهودات لا تعدو مجرد مسكنات للأسواق المالية العالمية، لامتصاص الأثر النفسي عن طريق تأمين السيولة، حتى لا تنهار أسعار الأسهم والسندات والأصول الأخرى. إلا إذا نجحت الدبلوماسية الأميركية في مساعيها لبحثها عمن يدفع الفاتورة نيابة عن الاقتصاد الأميركي. وعلى الطريق سيتم البحث عن كبش فداء». وها هي الأزمة تعود للتفاقم بعد أن فشلت إدارة الحزب الأميركي الحاكم (وهي تودع البيت الأبيض) في البحث عن كبش فداء. وعلى أثر ما حدث يوم الاثنين منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وبعد أن عصفت الأزمة برابع بنك استثماري عقاري أميركي (ليمان برذرز) ... ومؤسستي «فاني ماي» و«فريدي ماك»، وهما شركتان كانتا تقدمان نحو نصف القروض العقارية في الولايات المتحدة وأكبر شركة تأمين في العالم «إيه أي جي». وبعد أن امتدت الأزمة لشركات بريطانية عريقة مثل «هاليفاكس» ـ «بنك أوف سكوتلاند» و«إتش بي أو أس»، مما نتج عنه تسريح عشرات آلاف العاملين في المجتمع البريطاني!. ومن المعروف أن تساقط الشركات هنا يشبه تساقط لعبة «الدومينو». حتى اعتبرها البعض من المراقبين قاصمة الظهر للرأسمالية. ومع ذلك، يعتقد البعض أن الحل في المبلغ المقترح (700 مليار دولار) المخصص لشراء ديون عقارية متعثرة على حساب من ضريبة الأميركي لمعالجة الأزمة. فهذا المبلغ مخصص لتعويض بعض البنوك وشركات التأمين. وهو ما سيحدث فوضى عارمة في الأسواق.. لأن هناك بالأسواق العالمية من سيربح منه ليستغلها فرصة إلى درجة الثراء على حساب هذا الصندوق المخصص لتمويل المعالجة، ممن يسمون عبقريات المضاربات الشريرة النافذة المتربصة بالأوضاع لاستثمار الأزمة. في المقابل هناك (بالطبع) من سيحرم منه... والمسألة (في مجملها) لا تعدو قرارات تبنى على قناعات شخصية (هذا يستحق وهذا لا يستحق). ومن ينتظر العدالة في هذا الأمر؛ فعليه (أولاً) أن يبحث عن آلية فاعلة لإصلاح الأخلاقيات المهنية في قطاع المال والأعمال الأمريكي المتحكمين في مؤشرات وول ستريت. ثم يختار لأحلامه قواعد ومعايير مهنية صارمة لمحاسبة النافذين المتلاعبين في الأسواق العالمية.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]