اجتماعات مكثفة لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي مع تفاقم أزمة المؤسسات المالية

ثلاثة بنوك بريطانية تطالب الحكومة البريطانية بالتدخل الفوري.. وخطة فرنسية بلجيكية لإنقاذ مصرف «داكسيا» ثاني أكبر بنك بلجيكي

اتفق وزراء المالية على اتباع كل الاجراءات المطلوبة لمنع اي مؤسسة مالية اوروبية من الانهيار والافلاس (أ. ف. ب)
TT

اجتمع وزراء مالية الاتحاد الاوروبي في لوكسمبورغ أمس الثلاثاء في محاولة لتنفيذ وعود بمواجهة الاضطراب في الاسواق وضمان عدم ضياع أموال المدخرين. ووجهت انتقادات لرد فعل الاتحاد الاوروبي المتشرذم تجاه الأزمة والأسلوب الذي سلكته كل دولة منفردة لضمان الودائع. واتفق وزراء المالية على اتباع كل الاجراءات المطلوبة لمنع اي مؤسسة مالية اوروبية من الانهيار والافلاس واتفقوا ايضا على مسالة تحديد قيمة تعويضية للفرد من اصحاب صناديق الادخار في البنوك وصلت الى 40 الف يورو. وبهدف «إعطاء الثقة للأسواق وحماية المدخرين»، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن كافة الحكومات الأوروبية توحدت في وجه الأزمة المالية، وأكد عزم قادة الدول الأوروبية على اتخاذ كل «الإجراءات» الضرورية لضمان استقرار النظام المالي. وجاء اجتماع لوكسمبورغ ليتزامن مع مطالبة الحكومات الغربية والبنوك المركزية بتبني تحرك منسق بعد أن خفض البنك المركزي الاسترالي أسعار الفائدة بشكل حاد للتصدي للازمة المالية العالمية. ويأمل مستثمرون ان تحذو البنوك المركزية في اوروبا والولايات المتحدة حذو استراليا. ويطالب بعض الخبراء من البنوك المركزية تخفيض سعر الفائدة لإنعاش الاقتصاد، إلا ان هذه البنوك تعتبر ان ذلك سيزيد من نسبة التضخم. وقال اقتصاديون ان اوروبا والولايات المتحدة قد تقتديان بخطوة خفض أسعار الفائدة في استراليا. ويقول بريان ريديكان الاقتصادي في ماكوير «اذا كانت ثمة حاجة لخفض أسعار الفائدة لمستوى اكثر حيادا فلماذا نهدر الوقت. انها مرونة ينبغي ان تضعها البنوك المركزية الاخرى في الاعتبار».

وقال وزير المالية السويدي اندريس بورج «ينبغي ان نتوصل لحل مشترك لان الحل الذي تتبناه دولة ربما يمثل مشكلة لدولة أخرى».

والازمة المصرفية التي بدأت في وول ستريت أغلقت فعليا أسواق الاقتراض بين البنوك وغيرها من أسواق الاقراض لتقترب الدول الصناعية من حالة من الكساد. ولا تزال اوضاع الاقتراض بين البنوك ضعيفة. وهذه أسوأ ازمة يتعرض لها النظام المصرفي في 80 عاماً، كما عبر عن ذلك وزراء مالية في اوروبا وخارجها. وقال وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا أمس الاثنين إن الأزمة المالية العالمية الحالية «ربما تكون الأسوأ منذ عام 1929». واندلعت شرارة الأزمة نتيجة انهيار سوق الاسكان في الولايات المتحدة وتزايد الديون غير المسددة. وينتاب المواطنين في جميع أنحاء العالم القلق بشأن حماية مدخراتهم والحفاظ على وظائفهم مع انهيار بعض أسس التمويل العالمي.

كما حذر ريتشارد فولد، الرئيس التنفيذي لبنك «ليمان براذرز» الاستثماري الأميركي الذي أشهر إفلاسه منتصف الشهر الماضي من إمكانية إفلاس المزيد من البنوك والمؤسسات المالية. جاء ذلك لدى مثول فولد أمام إحدى لجان الكونجرس الأميركي مساء أمس الاثنين للرد على استفسارات بشأن الأجر الكبير الذي كان يتقاضاه خلال رئاسته للبنك. وقال فولد إنه يشعر بـ«الهلع» إزاء انهيار البنك الذي يبلغ عمره 158 عاما ويتحمل مسؤولية تصرفاته، ولكنه حذر من إمكانية تكرار سيناريو إفلاس «ليمان براذرز» مع أي مؤسسة مالية لأن ما حدث مع مؤسسته هو جزء من حالة أوسع لفقدان الثقة في النظام المصرفي العالمي.

وجاء هذا التصريح ليؤكد ان هناك شبه إجماع عند العديد من المراقبين الدوليين بأن الأزمة المالية التي تعصف بدول العالم ليست فقط محصورة بالولايات المتحدة، رغم تفاقمها العلني في السوق الأميركي. وهذا ما عبر عنه اللورد نورمات لاموت في مقابلة مع هيئة البث البريطاني (بي.بي.سي) مساء أول من أمس. وقال وزير الخزانة البريطاني الأسبق في حكومتي مارغريت ثاتشر وجون ميجر، والذي استقال في بداية التسعينات في ظروف اقتصادية شبيهة، ان الأزمة المالية ما زالت في بدايتها وتهدد الاقتصاد العالمي، وانه لا يوجد نظام مالي في مأمن منها. وأضاف فولد في شهادته أمام لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي بمجلس النواب الأميركي: «في ليمان براذرز، أزمة الثقة التي اجتاحت الأسواق هي التي أدت إلى الاندفاع لسحب الودائع من البنك. وفي النهاية ورغم كل جهودنا، فإننا انهرنا». وقال ان «ما حدث مع ليمان براذرز يمكن أن يحدث مع أي مؤسسة مالية وتقريباً حدث بالفعل مع آخرين». وكان «ليمان براذرز» قد أشهر إفلاسه في أعقاب رفض الحكومة الأميركية أوائل الشهر الماضي مساعدة بنوك منافسة في شرائه، مما أثار موجة قلق بالغة بين المساهمين والمستثمرين، فأشهر البنك إفلاسه. وأدى إفلاس رابع أكبر بنك استثماري أميركي إلى تزايد حدة أزمة الائتمان في الولايات المتحدة والعالم، مما أجبر الإدارة الأميركية على وضع خطة لإنقاذ النظام المالي والمصرفي في الولايات المتحدة بتكلفة تصل إلى 700 مليار دولار. ووجه سياسيون محافظون وليبراليون في الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى المؤسسات المالية الأميركية التي أسرفت في تقديم القروض العقارية إلى أشخاص غير قادرين على الوفاء بأقساط تلك القروض، مما أدى إلى تعثرهم في وقت لاحق مع تراجع أسعار العقارات. واجرت الحكومة البريطانية محادثات مع بنوك كبرى، الليلة قبل الماضية، تم خلالها مناقشة امكانية ضخ اموال عامة فيها. وقال مصدر مطلع لوكالة رويترز «اجتمعت البنوك الكبرى مع وزير الخزانة، الليلة الماضية، وان تعديل هياكل رأس المال أحد البدائل التي يجري مناقشتها». وافادت تقارير سابقة لهيئة الاذاعة البريطانية ومصادر أخرى أن كلا من بنوك «رويال بنك أوف سكوتلند» و«لويدز» و«باركليز» يريد 15 مليار استرليني (26 مليار دولار) لمساعدتها على تجاوز الازمة المالية التي تجتاح الاسواق العالمية. وجرت المحادثات الخاصة بالقطاع المصرفي البريطاني، في حين أعلنت السلطات المالية في ايسلندا السيطرة على ثاني أكبر بنك في البلاد. وقادت أنباء المحادثات لانخفاض حاد في أسعار أسهم البنوك نتيجة توقعات المستثمرين لتراجع قيمة أسهمهم. ورفضت الخزانة البريطانية التعليق، لكنها أعلنت أنها ستتخذ الخطوات الكفيلة بالحفاظ على الاستقرار. كما أعلن وزير الخزانة اليستير دارلينغ «سنفعل كل ما يلزم للحفاظ على الاستقرار ودعم نظام مصرفي يعمل بشكل جيد».

وقررت الحكومة البلجيكية تعيين جان لوك ديهانا رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، رئيسا جديدا لمصرف «داكسيا» الفرنسي ـ البلجيكي، لإضفاء مزيد من الثقة على خطة إنقاذ المصرف المهدد بالإفلاس. وأعلن رئيس الحكومة البلجيكية ايف لوترم عقب اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء البلجيكي في بروكسل، انه تم تعيين بيار مارياني مستشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كمسؤول تنفيذي للمصرف.

واتخذ هذا الإجراء عقب قيام رئيس الحكومة البلجيكية بزيارة خاطفة لباريس، حيث أجرى محادثات مع الرئيس الفرنسي تمحورت حول رسم خطة فرنسية ـ بلجيكية لإنقاذ مصرف «داكسيا»، ثاني اكبر مصرف بلجيكي، وهي خطة ستمتد على عدة مراحل لإعادة الهيكلة النشطة للمصرف.