انطلاق أشغال الدورة الـ 32 للمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في مراكش

العاهل المغربي يدعو إلى اعتماد مراقبة أكثر فاعلية للأسواق المالية العربية

TT

انطلقت أمس في مراكش أشغال الدورة الاعتيادية الثانية والثلاثين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، التي ينظمها بنك المغرب تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي وجه رسالة إلى المشاركين في الدورة.

وقال الملك محمد السادس «ان المغرب يعرف، منذ بداية العقد الحالي، نمواً سريعاً ومتواصلاً نتيجة للإصلاحات الهيكلية التي اعتمدناها، ولنهج وتفعيل سياسات اقتصادية سليمة»، مشيرا الى انه «من أبرز تجليات ومؤشرات النمو، تحسن مناخ الأعمال، الذي ترتب عنه توسع في الاستثمار، وارتفاع في مستوى المعيشة، مما مكن من تدعيم الاستهلاك الداخلي، كما يعزى هذا النمو أيضاً إلى تنوع القاعدة الإنتاجية».

وأشار العاهل المغربي، في كلمته، التي ألقاها عبد اللطيف الجواهري، محافظ بنك المغرب، إلى أن الملتقى يلتئم في «ظرفية دولية عصيبة، ويواجه فيها الاقتصاد العالمي أزمة غير مسبوقة، تهدد حركة النمو، واستقرار النظام المصرفي والمالي، كما تتسم هذه الظرفية بالضغوطات القوية، التي يفرضها الطلب على أسعار المواد الأولية، والمنتجات الغذائية الأساسية، مما يضاعف من المخاطر المحدقة بالنمو واستقرار الأسعار. ومما يزيد من حدة هذه الأزمة، تفاقم الاضطرابات على صعيد الأسواق المالية العالمية، نتيجة للانعكاسات الناجمة عن انهيار قطاع الرّهن العقاري بالولايات المتحدة، التي أفضت إلى قيام أزمة ثقة شاملة، على إثر الخسائر الكبرى التي تكبدتها المؤسسات المصرفية والمالية».

ولاحظ العاهل المغربي أنه «بالرغم من هذا المناخ الاقتصادي العالمي المضطرب، فقد ظل النشاط الاقتصادي في المنطقة العربية، يتسع ويغذي حركة النمو المتصاعدة، بفضل تزايد وتيرة الاستثمار والاستهلاك. وقد واكب هذا النمو تدعيم التوازنات الأساسية، بالرغم من ارتفاع المستوى العام للأسعار، الذي يعزى إلى تأثير العوامل الخارجية. كما عرف القطاع المصرفي والمالي بالأقطار العربية استقرارا مكنه من تفادي انعكاسات الاضطرابات المالية على الصعيد الدولي».

ونبه العاهل المغربي إلى أن «ذلك ينبغي ألا يحجب عنا ضرورة التحلي بالمزيد من اليقظة، واعتماد مراقبة أكثر فاعلية لأسواقنا المالية، والتنسيق المستمر في ما بينها، لنجعل منها نموذجاً في مجال المراقبة والإنذار المبكر، المعتمدة في النشاط المالي».

وعلى الصعيد الاجتماعي، أكد العاهل المغربي أن «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقناها ونقف ميدانيا على حسن تفعيل أوراشها، مكنت من التوفيق بشكل منسجم ما بين النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي، من خلال مشاريع على المديين المتوسط والطويل. وقد أسهمت هذه المبادرة بعون الله وانخراط كل القوى الحية للأمة في برامجها المثمرة وبشكل كبير في تعزيز مصادر الدخل لدى الفئات الفقيرة وإحداث مناصب الشغل. كما أن توجهنا نحو النهوض بالأوضاع الاجتماعية لمواطنينا، وبصفة خاصة لتحسين وضعية الفئات الوسطى والنهوض بأوضاعها لتبوئها مكانة القاعدة العريضة للمجتمع، محور السياسات العمومية، تمت بلورتها في تدابير تستهدف تمتين وتطوير الاستهلاك وبالتالي تشجيع الاستثمار».

وأشاد العاهل المغربي بـ«التوجه العربي العام للإسراع في تطبيق إصلاحات هيكلية وتبني سياسات اقتصادية، ترمي إلى دعم التوازنات الأساسية». ونوه بكل المبادرات الهادفة لتكريس استقلالية البنوك المركزية بالنظر إلى مهامها المتمثلة في تدعيم الاستقرار النقدي وتعزيز متانة النظام المصرفي «بما يضمن إرساء قواعد ثابتة للتطور الاقتصادي لدولنا».

وعلى الصعيد الدولي، أعرب العاهل المغربي عن ارتياحه للتوصل إلى اتفاق حول المبادئ والممارسات المتعلقة بصناديق الثروة السيادية، والذي سوف يعرض على اللجنة النقدية المالية لصندوق النقد الدولي، وهو الاتفاق الذي سيسمح بتفعيل دور هذه الصناديق وتمكينها من الإسهام في التخفيف من انعكاسات الأزمة الحالية، التي يعانيها النظام المالي الدولي.

من جهته، قال حمود بن سنجور الزدجاني، الرئيس التنفيذي للبنك العماني، رئيس الدورة الحالية، إن الاجتماع يلتئم «في وقت بلغت فيه الأزمة العالمية حدودا ربما لم تبلغها منذ أزمة الثلاثينات من القرن الماضي». ورأى بن سنجور أنه «إذا كان الدرس الأول الذي نستخلصه من الازمة الراهنة يتمثل في أن ضمان السلامة المالية لا يتحقق ويتعزز إلا بوجود رقابة وإشراف فعال ومسؤولية محددة، فان الدرس الثاني يتمثل في أن تجاهل المبادئ الأساسية للتعامل مع المخاطر له تداعيات سلبية لا يمكن تجاهلها».

وأكد جاسم المناعي، رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي، أن «اقتصادياتنا العربية، حتى الآن، لم تبد عوارض تذكر للأزمة المصرفية المالية العالمية، إلا أن هذا الوضع لا يشكل مع ذلك، ضمانة مؤكدة ضد عدوى هذه الأزمة التي من الصعب الاستهانة بتداعياتها أو التكهن بحجمها وحدودها».

وأوضح المناعي أن انعقاد المجلس يتزامن والعالم «يعيش أزمة مصرفية ومالية كبرى. ومن الطبيعي في ظل اتساع ظاهرة العولمة وتشابك المصالح الاقتصادية لدول العالم أن ينتاب الجميع الخوف والقلق من انعكاسات الأزمة على مختلف المناطق».

ودعا المناعي إلى أن من شأن استخلاص الدروس والعبر من هذه الأزمة الكبيرة ان يعزز مناعة القطاع المالي والمصرفي العربي ضد الأزمات المستفحلة.

وقدم المناعي بعض الأمور التي رأى أنها كانت وراء الأزمة، داعياً إلى «ضرورة التأكيد على التقييم السليم في إدارة المخاطر، حيث إن جذور هذه الأزمة العالمية انبثقت على إثر التهاون في منح الائتمان العقاري ذي الجدارة الائتمانية الضعيفة». وشدد على «الحاجة إلى مزيد من الانضباط وعدم التهور في منح الائتمان خاصة خلال فترات الرواج الاقتصادي»، مع «الحذر في التعامل بالمنتجات المالية المعقدة كالمشتقات وغيرها»، و«التحفظ فيما يخص نسب المديونية المقبولة للمراكز المالية للمؤسسات»، و«وضع مزيد من الضوابط للتمويلات والتعاملات خارج الميزانية».

وختم المناعي كلمته قائلا «لا أتصور بأننا غير معنيين بهذه الأزمة أو أسبابها، بل العكس، أن الاقتصاديات العربية كما تعلمون من أكثر الاقتصاديات انكشافا وارتباطا بالاقتصاد العالمي، الأمر الذي يحتم علينا أخذ أقصى درجات الحذر، كما يتطلب ذلك منا التأمل بإمعان حول أسباب هذه الأزمة واستلهام الدروس والعبر التي تمكننا وبدون انتظار من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع أو على الأقل الحد من تداعيات هذه الأزمة على اقتصادياتنا العربية».