«يسر» ذلك الضمير المستتر!

TT

لا أدري ما هي فلسفة بعض مسؤولي الجهات المعنية بالمشاريع الحيوية، التي إنما وجدت لتقدم خدمات حيوية للعامة، ومع ذلك تُقصر في مخاطبة الجمهور بما يعنيهم منها عبر الوسائل الإعلامية؟!... هل هو تناس لأهمية تفاعل المجتمع مع خطوات تنفيذ هذه المشاريع، أم أنه الجهل بأهمية ودور وسائل الإعلام!؟ فمشروع مثل الحكومية الإلكترونية أو ما يسمى ببرنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية «يسر»، هذا المشروع يفترض أنه سيؤدي إلى نقلة نوعية في تعامل المجتمع السعودي والمقيمين بالمملكة مع الإجراءات الحكومية، ويعتبر بمثابة واجهة حضارية وثقافية للوطن والمواطن. والخطة الخمسية للتنمية الإلكترونية التي تم إقراراها بالعام 2007... كلها تهدف لخدمة تعميم الخدمات الإلكترونية لتلبية حاجات المواطن ورفاهيته. وسؤالي هو: لماذا غالبية مجتمعنا لا يعرفون عن هذه المشاريع الحيوية إلا النزر اليسير! ربما يكمن السبب في أن الجهات المشرفة عليه هي جهات حكومية، تغلب عليها الثقافة البيروقراطية والخوف من وهج الظهور تحت الأضواء؟ أم أنهم مشغولون بأداء العمل اليومي إلى درجة تشغلهم عن التفكير في حق المجتمع في معرفة ومواكبة خطوات مثل هذه المشاريع، من منطلق أن نجاح هذه المشاريع شأن يعنيهم وحدهم! أم لعل السبب هو قناعة هذه الجهات المعنية بأنهم لا يعولون على ردود فعل الرأي العام أي مصلحة ترجى! حتى طلبة الجامعات يعانون صعوبة التعامل مع هذه التقنيات! فها هي فرص التسجيل عبر مواقع الجامعات تفوت على البعض، بسبب عدم قدرتهم على الدخول على مواقع الجامعات في الوقت المحدد. وأحياناً بسبب تعطل النظام أو الخادم أو كثافة الدخلين على الموقع!... والحالات الأخرى كثيرة. ولدينا ظاهرة (مؤسفة) أن الناس تتعلم من أخطائها، لكي تستخدم التقنيات الحديثة! وهذه بلا أدنى شك تكلفة باهظة يتحملها الاقتصاد الكلي. ومدعاة لوقوع الأفراد في خسائر ومزالق قانونية، بلا شك تُشغل الجهات القضائية والتنفيذية وتكلفها الكثير. والأمر مشاهد، فكل التقنيات الحديثة التي نتعامل بها في حياتنا اليومية، كلنا تعلمنا أداءها باجتهاداتنا الشخصية! ومنا من ارتكب أخطاء فنية دفع ثمنها (وسكت) ومنا من تسبب الخطأ في مراجعات ومتابعات كلفته وقتا وجهدا ومالا. وهناك من تعلم التطبيقات بطريقة غير صحيحة، وربما علم الآخرين بما تعلم! وهناك من أحجم عن التعامل بالتقنيات الحديثة خوفاً من ارتكاب الخطأ، ولا زال بعيداً (حتى) عن خوض التجربة ومعتمداً على الطرق التقليدية القديمة في أداء معاملاته. هذا بالنظر إلى طبيعة تركيبة المجتمع السعودي وأن فيه نسبة عالية من الأميين ومتوسطي التعليم ونسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين، لكنهم لا يجيدون لغة التعامل الإلكتروني. وما من مبرر لترك الحبل على الغارب ليبقى مستخدم الخدمات الإلكترونية معتمداً على اجتهاداته الشخصية. في وقت لا يوجد مبرر للعزوف عن إيجاد إستراتيجية إعلامية للتوعية! وأرجو أن يفهم المقصود هنا، فالذي أقصده بحملة التوعية هنا لا يقتصر على تصريح لمسؤول أو مسؤولين عبر إحدى الوسائل الإعلامية الرسمية. ليتحدث عن جهود الجهة التي يتبع لها، ويكيل المديح لهذا البرنامج وما سيقدمه من خدمات. لكن المطلوب من الجهة المناط بها المشروع، أن تُسند المهمة لجهات محترفة للقيام بمهمة توصيل المعلومة الواجب توصيلها لمختلف شرائح المجتمع المعني بالتطبيق بالكم والكيف المناسبين. وذلك ليكون على علم ودراية كافية بثقافة التطبيق. فبرنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية إنما وجد ليخدم المجتمع. والمجتمع السعودي ليس جميعه مؤهل للدخول لمواقع الشبكة العنكبوتية؛ ليبحث عن برنامج «يسر» ويقرأ ما فيه. في وقت من حق المجتمع أن يعرف كل شيء عنه... مميزاته، ومحاذيره، ومخاطره، تطبيقاته وضوابط استخداماته والخدمات التي يقدمها، وكيفية أداء كل خدمة. وأرجو ألا يأتي من يعلل السبب بأن للمجتمع السعودي طبيعة خاصة، فنحن لسنا بدعاً من الخلق. وكل ما مر بغيرنا سيمر علينا.

وختاماً... فإن التعامل مع مثل هذه المشاريع التنموية بمشاركة مختلف شرائح المجتمع، يؤدي إلى قياس مدى تفاعلهم معه، ويعمل على حفز الممارسين والأكاديميين المتخصصين في هذا المجال لإبداء مرئياتهم حياله. وهي بلا شك أداة للتقييم وفرصة لتلاقح الأفكار وأخذ استشارات مجانية، يمكن لها أن تنور المعنيين بالبرنامج... في مختلف مراحل تنفيذه، من تصميم وتنفيذ وتشغيل ورقابة وصيانة.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]