ماذا دار خلف كواليس اجتماعات حزمة إنقاذ البنوك الأميركية؟

لم يتوقع رؤساء المصارف سبب استدعائهم لوزارة الخزانة

جرت مشادات كلامية بين بولسون، الذي عمل من قبل رئيساً لـ«غولدمان ساكس» وزملائه ومنافسيه السابقين في الاجتماع الذي عقد في مقر وزارة الخزانة (أ.ب)
TT

اجتمع الرؤساء التنفيذيون في البنوك التسعة الأكبر في الولايات المتحدة داخل قاعة المؤتمرات بوزارة الخزانة في الساعة الثالثة مساء يوم الاثنين. ولدهشتهم تسلموا وثيقة من صفحة واحدة تفيد بأنهم وافقوا على بيع أسهم في بنوكهم للحكومة. وبعدها أعلن وزير الخزانة هنري بولسون أنه يجب عليهم التوقيع عليها قبل مغادرتهم. وكان جامي ديمون، رئيس بنك «جي بي مورغان تشاس» سريع البديهة، حيث ذكر انه بمجرد حساب الأرقام في عقله اعتقد أنها صفقة جيدة، بينما احتج ريتشارد كوفاسفيتش، رئيس «ويلز فارغو» بشدة، قائلا إن بنكه، على عكس منافسيه في نيويورك، لا يعاني من مشكلة بسبب استثمارات غير عادية في قطاع القروض العقارية، وأنه ليس في حاجة إلى خطة إنقاذ، حسب ما أفاد به مطلعون على الاجتماع. ومع ذلك، بحلول الساعة السادسة والنصف، من مساء نفس اليوم وقع كل الرؤساء التنفيذيين على الوثيقة، ليبدأ أكبرُ تدخلٍ من قبل الحكومة في النظام المصرفي الأميركي منذ فترة «الكساد الكبير» في الثلاثينات في إطار خطة الإنقاذ التي بذل بولسون جهداً كبيراً كي يتمكن من تمريرها عبر الكونغرس قبل أسبوعين فقط. وتضمن ما دار خلال الساعات الثلاث ونصف الساعة أحداثاً درامياً وصراعاً قصيراً تبعه إذعان من قبل المصرفيين، حيث أحسوا أنه ليس أمامهم خيار سوى العمل وفق خطة وزارة الخزانة التي ستقوم بضخ 250 مليار دولار في الآلاف من البنوك، بدءاً ببنوكهم الكبرى. أعلن بولسون عن الخطة يوم الثلاثاء، قائلا «نشعر بالأسف لتلك الإجراءات». وأضاف أن ضخ المليارات من الأموال العامة في البنوك أمر «مرفوض»، ولكن لا فكاكَ منه من أجل استعادة الثقة بالأسواق وإقناع البنوك ببدء تقديم القروض مرة أخرى. وبالإضافة إلى عملية ضخ الأموال في البنوك ـ التي ستبدأ خلال الأسبوع الجاري ـ أفادت الحكومة بأنها سوف تضمن مؤقتا 1.5 تريليون دولار في صورة دين ممتاز جديد تصدره البنوك، بالإضافة إلى ضمان 500 مليار دولار في صورة ودائع في حسابات دون أرباح، تستخدمها الشركات بصفة اساسية وبصورة مجملة، فإن الكلفة المحتملة التي سوف تتحملها الحكومة في حزمة الإنقاذ الأخيرة تصل إلى 2.25 تريليون دولار، وهو ما يمثل ثلاثة أمثال حجم حزمة إنقاذ أصلية قيمتها 700 مليار دولار، وتتركز على شراء الأصول المتعثرة من البنوك. ويعد ما قامت به الحكومة أخيرا تغيراً مفاجئاً في موقف بولسون، الذي كان قبل أيام غير متحمس لفكرة ضخ رأسمال في البنوك. ويقول محللون إن الولايات المتحدة كانت مجبرة على تغيير السياسة جزئياً لأن بريطانيا ودولاً أوروبية أخرى أعلنت عن خططها لإعادة رسملة بنوكها ودعم الإقراض المصرفي، ولكن على عكس ما حدث في بريطانيا، فإن وزير الخزانة يقدم خطته في صورة عرض لا يمكن للبنوك رفضه. وأفاد أحد الأشخاص ممن كانوا على اطلاع بالاجتماع، لكنه اشترط عدم ذكر اسمه لسرية المناقشات، ان العرض كان «اقبله او اقبله» أي انه لم يعطهم أي خيار في الموضوع.

ومع ذلك، ففي بعض الأحيان كانت هناك مشادات كلامية بين بولسون، الذي عمل من قبل رئيساً لـ«غولدمان ساكس» وزملائه ومنافسيه السابقين، الذين كانوا يجلسون على مائدة خشبية قاتمة اللون يحتسون القهوة والكوكا كولا. ويعتمد هذا التقرير على مقابلات شخصية مع مسؤولين حكوميين وتنفيذيين مصرفيين حضروا الاجتماع او اطلعوا على ما دار خلاله. بدأ بولسون بالاتصال شخصياً بالمصرفيين ظهيرة يوم الأحد. وكان البعض منهم بالفعل في واشنطن لحضور اجتماع لصندوق النقد الدولي. ولم يكن لدى المديرين التنفيذيين أية فكرة عن خطط بولسون. والبعض منهم كان يخمِّن أنه سوف يتحدث معهم عن آخر المستجدات في برنامج الإنقاذ الحكومي، أو أنه سيسعى كي يستشف ما يرونه حيال مبادرة طوعية، ولكن لم يتوقع أي منهم أن يقدم خطته وكأنها إخطار فقط بما سينفذ. وحسب ما يقول بيان بولسون، فإنه قدم خطته في صورة بنود حازمة. وقال في مقابلة هاتفية، مسترجعا ما صرح به، إن البنوك الكبرى في الولايات المتحدة في حاجة إلى بدء الإقراض لبعضها بعضا لصالح النظام المالي. ولتحقيق ذلك، فإن هناك حاجة إلى إعادة رسملتها بصورة أفضل. وأضاف بولسون «لا أعتقد أن هناك مصرفيا في هذه الحجرة يمكن أن يحرجنا بأن يقول إن لديه الكثير من رأس المال». وفي الواقع، فإن العديد من البنوك التي كانت ممثلة داخل الحجرة، كانت في حاجة فعلية إلى رأس المال. ويقول المحللون إن بنود الاستثمار الحكومي جذابة للبنوك، وهي شبيهة بالبنود التي فرضها رجل الأعمال وارن بافت على مرصف «غولدمان ساكس» مقابل استثماراته التي بلغت خمسة مليارات دولار. وسوف تحصل وزارة الخزانة على أسهم ممتازة تبلغ إيراداتها خمسة في المائة، ترتفع إلى 9 في المائة بعد خمسة أعوام. كما ستحصل على شهادات لشراء أسهم عادية، تبلغ نحو 15 في المائة من استثمارها الأولي. إلا ان وزارة الخزانة لن تمارس حقها في التصويت على تلك الأسهم العادية. ويقول المسؤولون إن البنود صيغت بطريقة معينة حتى لا تبدو وكأنها بنود تأديبية. وتهدف إيرادات الأسهم المرتفعة وشهادات الأسهم إلى تحفيز البنوك على جمع رأسمال خاص كي تشترى الأسهم من الحكومة مرة أخرى خلال أعوام قليلة. واعترض كوفاسفيتش، من «ويلز فارغو» قائلا إن بنكه، الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقرا له، تمكن من تجنب المشاكل ذات الصلة بالقروض العقارية التي يعاني منها كافة منافسيه في وول ستريت. وأضاف أن الاستثمار يمكن أن يأتي على حساب حملة الأسهم. ويقال إن كوفاسفيتش أعرب أيضا عن مخاوفه من القيود على تعويض الرؤساء التنفيذيين في البنوك التي تستفيد من الأموال التي ستضخ. وتفيد شركة استشارات رواتب التنفيذيين «جيمس ريدا وشركاه» أنه إذا تنحى كوفاسفيتش عن منصبه في «ويلز فارغو» بعد استكمال الاستحواذ على «واتشوفيا»، فسيكون له الحق في معاش تقاعد تصل قيمته إلى 43 مليون دولار، بالإضافة إلى 140 مليون دولار في صورة خدمات وأسهم متراكمة. ويقول خبراء ذوو صلة إن القيود الجديدة التي تفرضها وزارة الخزانة من المحتمل ألا يكون لها تأثير على معاش تقاعده. ورفض كوفاسفيتش الحديث حول ما دار خلال الاجتماع. ويقول كينيث لويس، رئيس «بنك أوف أميركا»، إن مصرفه تمكن لتوه من جمع 10 مليارات دولار. وبعد ذلك، حث لويس زملاءه على عدم الاعتراض على قيود الخطة على تعويضات التنفيذيين. ويتضمن ذلك منع دفع أي مكافآت مرتبطة بالأرباح يثبت أنها غير دقيقة، وحد أقصى قيمته 500 الف دولار فيما يتعلق بالخصومات الضريبية على المرتبات. وذكر واحدا ممن اطلعوا على ما دار خلال الاجتماع أنه قال إذا تركنا تعويضات التنفيذيين تعرقل ذلك فنحن اغبياء». وخلال مقابلة أجريت يوم الاثنين، قبل الاجتماع، قال جون ماك إن بنكه، «مورغان ستانلي» لا يحتاج إلى رأسمال من وزارة الخزانة. فقد تمكن البنك من توقيع صفقة قيمتها 9 مليارات دولار مع بنك ياباني كبير. وحسب ما أفاد به مشاركون في الاجتماع، فإن ماك، الرئيس التنفيذي بـ«مورغان ستانلي» تحدث قليلا جدا. ومع ذلك، وُجِّهت الكثير من الأسئلة إلى بولسون حول بنود الاستثمار من قبل مسؤولين آخرين على خبرة بعقد الصفقات مثل ليويد بلانكفين، من «غولدمان ساكس»، وفيكرام بانديت، من «سيتي غروب»، وجون ثاين، من «ميريل لينش» بالإضافة إلى ديمون. ومن بين الأسئلة التي طرحوها، وكانت تعبر عن مخاوفهم: كيف يمكن أن تؤثر حصة الحكومة على الأسهم الممتازة الأخرى الخاصة بالمساهمين؟ وهل ستطلب وزارة الخزانة بعض السيطرة على الإدارة مقابل رأس المال؟ وكيف ستدار شهادات الأسهم؟ وعندما اشتد النقاش، تدخل رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي، الذي كان يجلس إلى جوار بولسون. ووجه حديثه إلى المصرفيين قائلا إن الاجتماع ليس في حاجة إلى التنازع، حيث إن البنوك والاقتصاد في المجمل ستستفيد من البرنامج. وأضاف أنه دون تلك الإجراءات، فإن وضعية البنوك ـ حتى تلك التي لا تعاني من مشاكل ـ ستتدهور. وبعد ذلك، بدأ رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تيموثي غيثنر يتحدث بإيجاز عن تفاصيل برنامج الاستثمار. ويقول الكثيرون إن المصرفيين فوجئوا بكمية الأموال التي تخطط الحكومة لاستثمارها. وخلال سرد التفاصيل، بدأ بعض المصرفيين يدركون إلى أي مدى سوف يكون ذلك البرنامج شيئا جذابا بالنسبة إليهم. ومع أنهم أصروا على أنهم ليسوا في حاجة إلى الأموال، أقر المصرفيون بأن المزيد من رأس المال يمكن أن يكون مفيدا إذا زادت معاناة الاقتصاد. وبجانب ذلك، فإن الكثير من الأنشطة الكبرى لتلك البنوك مرتبط بأسواق الأسهم والائتمان، ولذا فإنه كلما تحسنت تلك الأسواق بسرعة، فستكون هناك نتائج أفضل. وبعد ذلك، قال بانديت إلى زملائه إن الاستثمار سوف يمنح «سيتي غروب» مرونة أكبر بالاقتراض والإقراض. وأضاف ديمون أنه يعتقد أن رأس المال الرخيص نسبيا يعد صفقة جيدة لبنكه، وقال لويس إنه يقر بأن مستقبل بنكه مرتبط بالاقتصاد الأميركي. ويقول بعض الحضور إن ثاين شعر بالإعجاب ببنود ضمان مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية على الدين الممتاز الجديد الذي تصدره البنوك. وبالنسبة بولسون، فإن إقناع المصرفيين برأس المال الذي سوف يتم ضخه لم يكن بمثل صعوبة إجراء تعديلات على برنامج إنقاذ يركز بالأساس على شراء الأصول من البنوك. وقال بولسون خلال المقابلة الهاتفية إن الأوضاع المرتدية جعلت من التغيير أمرا ملحا. وأضاف «دائما ما أقول إلى أيِّ شخصٍ يتعامل معي أنه إذا ما تغيرت الحقائق ولم تتغير أنت كي تتكيف معها، فلن تحقق النجاح أبدا». وأصر بولسون على أن شراء الأصول المتعثرة سيظل جزءاً كبيراً من البرنامج، ولكن بعد تخصيص 250 مليار دولار إلى الاستثمارات المباشرة، فإنه لم يبق لدى وزارة الخزانة سوى 100 مليار دولار من المخصصات الأولية التي تبلغ 350 مليار دولار لكي يشتري الاسهم. ويقول مشاركون بالاجتماع، إن المصرفيين ركزوا على الاتصال بمجالس إداراتهم قبل توقيع الاتفاقية مع وزارة الخزانة. وبينما كان الوقت يقترب على الانتهاء، ولم تكن هناك مساحة كافية للحديث بحرية، غادر بعض المصرفيين مبنى وزارة الخزانة متجهين إلى سيارات الليموزين الخاصة به، وهم يتحدثون على عجل على الجوال. وقال لويس، حسب ما ينقل أحد الأشخاص ممن اطلعوا على ما حدث خلال الاجتماع: «لا أعتقد أننا في حاجة إلى الحديث عن ذلك لوقت أطول، فقد كنا جميعنا نعلم أننا سنوقع».

* ساهم في هذا التقرير مارك لاندر من واشنطن وإريك داش من نيويورك ـ شارك في التقرير لويس ستوري وبن وايت من نيويورك

* خدمة «نيويورك تايمز»