رئيس «هيرمس» لا يستبعد إعادة جدولة تنفيذ المشاريع العقارية الجديدة في المنطقة

ياسر الملواني: دول الخليج تتمتع بعوامل مقاومة ضد الأزمة العالمية أكثر من أي منطقة أخرى > على الحكومات استغلال الفرصة والاستثمار في أسواقها المالية

ياسر الملواني
TT

بالرغم من بوادر شح السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي والتي بادرت بنوكها المركزية لاتخاذ عدة إجراءات احترازية لضمان استقرار السيولة في القطاع المصرفي، تم الإعلان عن مشاريع عقارية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات وكأن شيئاً لم يكن، وهنا يبرز السؤال الأهم، كيف ومتى سيتم تمويل هذه المشاريع؟ ياسر الملواني، عضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمجموعة المالية هيرميس، إحدى أكبر المصارف الاستثمارية في العالم العربي، نفى في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أن يكون الأمر قد وصل إلى حد الأزمة في السيولة المتوافرة في دول المنطقة، لافتاً الى أن معدل القروض إلى الودائع لا يتعدى 40 في المائة في دول مثل مصر ولبنان والأردن ويصل إلى مستويات مرتفعة أكثر في البنوك الخليجية، إلا أنها لم تصل بعد إلى مرحلة الخطورة، مؤكداً في الوقت نفسه على توفر الدعم الحكومي للقطاع المصرفي مالياً خاصة وأن دول الخليج دائنة وليست مستدينة وموارد السيولة متاحة لدى حكوماتها.

وفي ضوء جميع هذه العوامل، لا يستبعد الملواني أن تشهد بعض هذه المشاريع إعادة حساب في الجداول الزمنية لتنفيذها حتى لو توفرت لها الأموال اللازمة، إذ يجب أن يكون التمويل في هذه المرحلة «أكثر انضباطاً» على حد تعبيره، وعلى الرغم من أن قنوات تمويل المشاريع ستبقى في إطارها التقليدي المعتاد إقليمياً، لكنه يشكك أن تشهد أسواق المال في المنطقة خلال الفترة القليلة القادمة أي طرح أولي أو منتجات تمويلية مرتبطة بالسوق المالية حتى تسترد هذه الأســـواق عافيتها، نافياً في الوقت نفسه أن تتأثر المشاريع الحكومية في قطاع تصوير البنية الأساسية ما دامت أسعار النفط فوق معدل 50 دولار للبرميل.

وفي معرض تعليقه على انتكاسات أسواق الأسهم المحلية والتي يبدو أنها بدأت في التعافي ولو بحذر تدريجي، أشير الرئيس التنفيذي للمجموعة المالية ـ هيرميس إلى أن تلك التراجعات لا تعادل في حدتها ما يحدث في باقي الأسواق المالية العالمية، لافتاً إلى أنها تأتي ضمن التأثر النفسي للمستثمرين المحليين بالإضافة إلى خروج بعض المستثمرين لتغطية مراكزهم الاستثمارية في الأسواق الأخرى.

ويعود الملواني للتأكيد على أن الحالة الاقتصادية والمالية في المنطقة العربية عموماً ودول الخليج خصوصاً لم تصل إلى مرحلة الخطورة، مستشهداً على ذلك بعلامات التحسن التي بدأت تظهر في أسواق الأسهم الإقليمية بعد الإجراءات التطمينية من قبل الحكومات والبنوك المركزية في هذه الدول، ويضيف «ما تشهده أسواق الأسهم حالياً هو عبارة عن ردة فعل نظراً لعدم وجود المشترين. الخوف دفع الجميع للتســـييل، لا أحد يستطيع التنبـــؤ بالمستويات التي يمكن أن تصل إليها قيم الأسهم» ومع تأكيده على عدم امكانية عزل أي بلد عن الأزمة العالمية، يشير إلى أن الارتباط الذي شهدته أسواق المنطقة بنظيراتها العالمية في الفترة الأخيرة سيخف مع مرور الوقت، إذ يجب أن لا يحدث بتلك الحدة نظراً لأن الأساسيات الاقتصادية لدول الخليج مختلفة تماماً عن باقي الدول.

ولا يتوقع الملواني أن تهبط أسعار النفط إلى المستويات التي تشكل تهديداً لميزانيات دول الخليج أي 40 ـ 50 دولاراً للبرميل نظراً لوجود دول مستهلكة ضخمة مثل الهند والبرازيل والصين والتي تشهد اقتصادياتها نمواً مضطرداً، فدول الخليج تتمتــــع بعوامل مقاومة ضــد الأزمة العالميـــة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.

وحول الدعوات التي ظهرت مؤخراً لتدخل الحكومات في سبيل حماية أسواق الأسهم من الانهيار، قال الملواني «لا أنظر إلى الموضوع كدعم حكومي، بل يجب أن يأتي في إطار أهداف استثمارية بحتة لاستغلال الفرص المتاحة في الأسواق المحلية من قبل المؤسسات والصنـــاديق الحكوميـة، خاصة أن مستويات المخاطرة في هذه الأسواق أدنى مقارنة مع الأسواق العالمية الأخرى، إذ لا يوجد فيها منتجات استثمارية مركبة ومهيكلة على نطاق واسع والتي يمكن أن تقود إلى انهيار السوق»، داعياً الصناديق السيادية العربية التي تهدف بالنهاية إلى تنمية الثروات الوطنية إلى الاستفادة من فرص الاســـتثمار في أسواق الأسهم العربية خلال الفترة الراهنة.

ويتطلع الملواني إلى أن ظهور مؤسسات استثمارية عربية محترفة لا تتبع الموجات الجماعية في الأسواق بل تبني قراراتها الاستثمارية على أسس علمية وتحليلية دقيقة، إذ من المفترض أن تكون بمثابة خط الدفاع الأول لأسواق المال في المنطقة. وينصح الملواني المستثمر العربي بأن يستعين بخبراء إدارة الأصول لكي لا يتكبد خسائر بسبب نوبات الذعر التي تنتاب الأسواق، فهذه ليست وقت «السمسرة» على حد تعبيره، بل هي أوان إدارة الأصول الاحترافية القائمة على الدراسات والتحليل الدقيق للأسواق والتي تتمتع برؤية واضحة لاستراتيجياتها، خاصة أن المنطقة قد دخلت في مرحلة أشبه «بانعدام الوزن»، ومع استرجاع الثقة، ســـتعاود أسعـــار الأصول مســـارها التصاعدي بعد أن يطمـــئن الجميع أن المنطقة ليس ضعيفــــة أمام الأزمات الاقتصـــادية مثلما يحدث الآن في أسواق العالم الأخرى.

وفي ظل إعادة التقييم التي طالت الأصول بمختلف أنواعها في الفترة الأخيرة، يرى الملواني أنها تشكل فرص كبيرة للشركات العاملة في قطاع الملكية الخاصة والتي تعتمد مبدأ «الأموال الذكية»، مما يتيح لها إمكانية تحقيق عوائد أكبر من خلال استثمارات الملكية الخاصة في الشركات الخاصة وتلك المدرجة منها، ويضرب مثلاً بالسوق المصرية التي شهدت صفقات في قطاع الملكية الخاصة تجاوزت أحجامها 2.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وعن مدى حاجة البنوك الاستثمارية لقبول الودائع لتفادي ما حصل في القطاع المصرفي الأميركي والأوروبي، يشير الملواني إلى أن مشاكل البنوك الاستثمارية في أوروبا وأميركا جاءت بشكل رئيسي نتيجة لاستعمال الأموال المقترضة في استثماراتها، وكان ذلك أحد أسباب انهيار بنك ليمان براذرز في فترة زمنية قصيرة، وفي الجانب الآخر، لا يوجد نفس القدر من المخاطر في حال لم يعتمد البنك على القروض لتمويل استثماراته، فهو بالنهاية عبارة عن وسيط استثماري، لكن في النهاية المطاف، يقر الملواني بأن نموذج الخدمات المصرفية الشاملة أو ما يتعارف على تسميته بـ Universal Banking قد اثبت أنه الأجدى والأقوى، أي أن يتم ضم الخدمات المصرفية التجارية (الودائع والقروض) إلى جانب الخدمات الاستثمارية تحت مظلة مؤسسية واحدة، وفقاً للملواني.